كان ذلك قبل ثمانين عاماً، وتحديداً يوم الاثنين الموافق الثلاثين من يناير لسنة 1933، عندما اجتمع رئيس جمهورية ألمانيا، المارشال فون هندنبرج بالرجل صاحب الشنب المماثل لشنب «شارلي شابلن» نجم الملهاة الشهير، وأعني به «أدولف هتلر».. ويقول التاريخ إن ذلك الاجتماع انتهي بتكليف المارشال العجوز زعيم الحزب النازي «هتلر» بتشكيل الوزارة ورئاستها. وبدءاً من يوم التكليف هذا، المستند قانوناً، إلي فوز ذلك الحزب في الانتخابات النيابية بمقاعد في مجلس الرايشستاج «البرلمان» أكثر من أي حزب آخر.. أقول بدءاً من ذلك اليوم الفارق في تاريخ الشعب الألماني، ولد الرايخ الثالث الذي قال عنه هتلر، مزهواً، إنه سيبقي خالداً ألف عام، غير أن الأقدار شاءت له غير ما شاء هتلر، فلم يبق سوي بضع سنوات من عمر الزمان، لم تزد علي اثنتي عشرة سنة، وكسور من سنة، لم تزد هي الأخري علي بضعة شهور، وبالتحديد أربعة شهور. فبعد الساعة العاشرة بقليل، من مساء يوم الأول من مايو لسنة 1945 وبينما جثتا الدكتور جوبلز وهتلر المنتحرين، تحترقان في حديقة المستشارية بالعاصمة برلين، قطع راديو هامبورج إذاعة السيمفونية السابعة ل «بروكنز» ليذيع خبر موت هتلر، وهو يقاتل حتي آخر نفس، ضد البلشيفية، مخفياً بذلك خبر موته منتحراً، قبل سبعة أيام، وليتكلم بعد ذلك خليفة هتلر، الأدميرال «دونيتز» إلي الشعب الألماني معلناً استسلام ألمانيا دون قيد أو شرط. وهكذا أصبح الرايخ الثالث في ذمة التاريخ، وقبل أن يصبح كذلك، خلف وراءه ألمانيا، وقد أصبحت أرضاً خراباً، وأوروبا وقد فقدت في مجزرة الحرب العالمية الثانية، خمسين مليوناً من زهرة شبابها، وعالماً علي شفا هاوية مجاعات أودت بأرواح الملايين.. وهذه الأهوال ترجم بعضها إلي لغة السينما في أفلام، وعند أهمها، وأكثرها تأثيراً، وبناء في الذاكرة، يسترجع من حين لآخر، علي شاشتها أقف قليلاً لأقول: إن الفترة السابقة علي صعود هتلر إلي منصب رئيس وزراء ألمانيا، عرض لأحداثها فيلم «كباريه» 1973 لصاحبه المخرج «بوب فوس» بطولة «ليزا مينيللي». وفي وسعنا بفضل ذلك الفيلم أن نري الشباب الألماني وكيف أصبح أداة عمياء في خدمة النازية يسير في شوارع برلين، في تشكيلات شبه عسكرية، تنشر الإرهاب ضد الخصوم تحطم محلات الأعداء، وهي تنشد «ألمانيا فوق الجميع». أما عن الفترة التالية لاستيلاء هتلر وحزبه علي مقاليد السلطة في ألمانيا، فمن بين أهم الأفلام التي عرضت لتلك الفترة فيلما «كابو» 1960 للمخرج الإيطالي «جيللو بونتكورفو» وأداء «إيمانويل ريفا» بطلة «هيروشيما جي» و«حب» 2012.. والفيلم الآخر «حارس الليل» 1974، لصاحبته المخرجة الإيطالية «ليليانا كافاني». وكلا الفيلمين يعرض للحياة في جحيم معسكرات الاعتقال التي افتتحت بعد بضعة أسابيع من رئاسة هتلر للوزارة ولم تغلق أبوابها، إلا بعد استسلام ألمانيا لهتلر، ولكن بعد موت ملايين الضحايا، في محارقها التي أصبحت وصمة عار في جبين الإنسانية. وختاماً لا يفوتني أن أذكر، باختصار فيلمي «السقوط» 2004 لصاحبه المخرج الألماني «أوليفر هيرشبيجل» و«الفالكيري» 2008 لصاحبه المخرج الأمريكي «براين سينجر».. وكلا الفيلمين يعرض لأحداث وقعت بالفعل وألمانيا الهتلرية، علي وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.. ففي «السقوط» يتقمص الممثل السويسري البارع شخصية «هتلر» وهو يعيش حبيس مخبئه الأخير، تحت مبني الرئاسة، وفي «الفالكيري» يتقمص «توم كروز» شخصية «الكولونيل شتاوفنبرج» الذي دبر مؤامرة اغتيال هتلر، إنقاذاً لألمانيا من استمرار مجزرة الحرب، ولكن مؤامرته باءت بفشل أدي إلي إعدامه، هو ونفر كبير من القادة العسكريين. وهكذا بقي «هتلر» متربعاً علي كرسي السلطة، لبضعة شهور، أثناءها حصدت أرواح مئات الآلاف عبثاً، في ميادين القتال، ومع موته منتحراً عاد السلام إلي ربوع أوروبا.