نحن في شهر الأم.. والأب.. بل نحن في شهر الأسرة.. واستأذن القارئ في الابتعاد عن السياسة.. وعن الشأن العام.. لأتحدث عن أمي.. وأبي. والحقيقة أنني لم أشعر بحزن يفوق حزني يوم وفاة أبي.. إلا يوم وفاة أمي.. ورغم أن بين اليومين ما يتجاوز عاماً بقليل.. إلا أن حزني يوم وفاة أمي كان غريباً عميقاً.. مازال يحفر في قلبي جرحاً عميقاً.. ومازال يتجدد كلما سمعت إنساناً ينطق بلفظة أمي، ولا أظن حزني علي أمي يفوق حزني علي أبي بسبب الحب أو الارتباط.. فمازلت حتي اليوم مرتبطاً بنصائح أبي.. ممسكاً قدر إمكاني بتعهداتي معه.. وبوصاياه.. لكن أحسب أن الأمر يتعلق بالعقل والوجدان.. فأبي مثل كل أب، يمثل العقل والحكمة لكل ابن.. خاصة إذا كان الأكبر.. والأم هي الوجدان والحنان لكل ابن ولو كان هو الأكبر. ولا أظن حزني علي أمي يوم وفاتها.. يفوق حزنها علي فراق أبي.. فما رأيت حزناً مثله.. ولا حتي يقاربه.. ولم أعرف امرأة انكسرت حياتها.. وتهدمت صحتها لفقد زوجها مثل أمي.. وتعجبت كثيراً من قدر هذا الحب الذي تحمله أمي.. وكل أم.. لزوجها.. وهو نفسه الحب الذي لا ينتقص منه حبها لأولادها.. فالأب يحب بعقله أكثر من قلبه.. والأم تحب بقلبها.. وعقلها.. وكل كيانها.. ورغم إحساسي بالضعف يوم وفاة أبي.. وأنني أصبحت في الدنيا وحيداً.. مسئولاً.. مهزوماً.. فإنني يوم وفاة أمي شعرت أني يتيم.. مهموم. وأذكر أنني سمعت حديثاً قدسياً.. يوم وفاة أمي لن أنساه ما حييت.. ومعني الحديث أن الملائكة تنادي من ماتت أمه «ابن آدم.. اليوم ماتت من كنا من أجلها نكرمك.. الآن فاعمل لنفسك».. يومها أحسست أني بدأت الحياة.. وأني في بحر متلاطم رغم أني لا أعرف فن العوم. وأن نداء الملائكة هو إنذار أخير قبل أن يتوقف إكرام السماء.. وتوفيق الله لمجرد الدعاء.. وليس نتاج العمل.. يومها ملأني الخوف.. فمن نادته السماء لتنذره ليس أمامه إلا الخوف.. ومن نادته الملائكة لتحذره.. ليس أمامه إلا أن يقضي ما بقي من عمره متوجساً. اليوم أذكرك يا أبي.. وأتذكرك يا أمي.. أذكرك يا كل فكر جيد.. والتزام.. يا صاحب العقل والحكمة.. واليوم أتذكرك يا أمي.. يا ينبوع الحنان.. يا صاحبة الدعوة المستجابة.. يا من كرمك الله.. فكرمني حتي اختارك إلي جواره. واليوم أدعو.. اللهم ارحم أمي التي أكرمتني من أجلها.. وارحم أبي الذي حزنت أمي علي فراقه.. وارحمني.. واهدني إكراماً لأمي.. فقد رحلت هي إليك.. لكن كرمك باق.. ورحمتك لا تنفد. Email.