مات عادل القاضي رئيس تحرير أون إسلام، وبوابة الوفد وإسلام أون لاين، مات الرجل الذي لم يضع اسمه على شيء إلا ونجح، وحمل من روحه الزكية وإخلاصه، مات الرجل الذي شاركني في يوم ميلادي وكنت أجبن من مشاركته يوم الفراق. مات عادل القاضي الذي ما فارقته ضحكته البشوش، كان إذا غضب يضحك، وإذا حزن يضحك، وإذا ارتبك يضحك، وإذا فرحنا يضحك ... ، وحين فارق الحياة كان وسط أسرته يضحك ..قلب ودود، ولسان عف شكور، وروح ما أحوج الحياة لصاحبها .. أيها الموت ما أخس طبعك وأقسى ذوقك، كم تحصد نفوسا بنفس واحدة، أيها الموت متى تتأدب، وتعرف للناس أقدارها ... أراك الآن يا أبي تستقبله فقد كان مثلك يحب الناس جميعا، ويهوى من الحياة رفقة الطيبين .. أراك الآن تسأله عني، وأراه يخبرك أنني أنا الولد المتعب المُصر طوال الوقت على رأيه .. المتهور الثورجي .. "هبلغ عنك أمن الدولة وأقولهم إنك من العيال بتوع المظاهرات" .. قالها لي وهو يضحك يوم الخميس 27 يناير 2011 حين اضطررت لترك ميدان التحرير والذهاب إلى العمل لمدة ساعة أعود بعدها من حيث أتيت، قالها وهو يشمت في عودتي الاضطرارية مفتخرا .. قلت له رأيتك أمس في صفوف المتظاهرين كنت تهتف ضد النظام وتضحك سأبلغ عنك بدوري ونسجن معا .. رأيته يمنح برد الميدان من دفئه، وهو الذي لا يقوى على ركوع أو سجود في الصلاة من آلام ظهره، طلبت منه أن يعود لبيته ويترك للشباب هم المبيت .. فضحك ليرفض. مات عادل القاضي وترك لنا أيامه نعيش بها، محاضراته عن الصحافة الجادة، نكاته عن حال البلد، مداعباته لأطفال الصحفيات في فترة الغداء، توسلاته لي أن يفهم ما أعنيه حين أتحدث في الفلسفة .. أموت وأفهم حاجة منك، فهمني يابني هو أنا مش أبوك .. الآن أفهم منك أنا يا أستاذي معنى جديدا للفلسفة .. معنى حقيقيا. مات قبل أن يخبرني، كعادته، كيف أضع عنوانا لخبر الموت .. وهل يصح أن يكون موته خبرا، يقرأ ويمر، هل تقسو الحياة على محبيها إلى هذا الحد، هل تمنحهم دود الأرض وهم من منحوها سر السماء .. هل تواريهم في ترابها وهم من أسكنوها أعينهم وهونوا عليها حر الأحزان بأدمعهم . الآن أراك تغني في حفل إفطار رمضان 2009 "يا بنت يام المريلة كحلي، يا نسمة هله وطله من الكولة، لو قلت عنك في الغزل قوله، ممنوع عليا ولا مسموحلي" .. الآن أمنح زملائي سر يوم ميلادك لأنه يوم ميلادي: عرفته منك قدرا .. فيجرون عليك ويحيطون بك ويغنون، حتى إذا جاء أوان التغني باسمك أشرت إلى وأعطيت أمرا مباشرا بتحويل دفة البهجة إلى محمد طلبة وكأنك تدفع عن نفسك شبهة الاستئثار بالفرحة .. وكأنك في كل طرفة عين تأمرنا : افرحوا معي ..غنوا معي .. آكلوني .. تعالوا أوصلكم في طريقي .. لكنك آثرت الآن أن تموت وحدك .. أراك تأخذ الحق من قوينا لضعيفنا .. فيحبك القوي والضعيف .. أراك تدفع الظلم فيحبك الظالم أكثر من المظلوم .. أراك تخشى من الغيبة كأن الله في لسانك .. يا مولاي كيف السبيل لكي أراك وراء مكتبك، تضحك لي كعادتك : ازيك يا محمد أفندي جاي متأخر ليه .. باشا .. فأضحك خجلا، فتعفو عني كرامة لضحكة صادقة .. يا إلهي لك ما أعطيت ولك ما أخذت وكل شيء عندك بمقدار .. يا إلهى إن كانت مشيئتك أن تحرمنا منه فلا تحرمه من شفاعتنا .. اللهم شفع فيه تبسمه في وجوهنا .. اللهم شفع فيه علم أودعه فى عقولنا .. وخير أودعه فى صدورنا .. وأيام كان زينتها وبهجتها وأعذب ما فيها .. اللهم إنا نشهدك على محبته وأنت من يرحم المتحابين فيك .. شفع فيه يارب الحب، فإن الحب مدين لهذا الرجل بقلوب وآذان وعيون .. اللهم إن هذه ليلته الأولى في ذمتك ولن نكون أرحم عليه منك اللهم إني أشهدك أن لو كان أمره بيدي لأودعته الفردوس الأعلى فكيف بك وأنت أرحم الراحمين .. يارب أجرنا في مصيبتنا وهون علينا آلام الفراق .. يارب يارب يارب