عندما قلت إن تصريحات الدكتور عصام العريان بشأن دعوة اليهود للقدوم إلى مصر وأخذ مستحقاتهم على حد مزاعم وأقوال القيادى الإخوانى، كانت بهدف كسب ود إسرائيل وأمريكا، لمساندة الأخير فى تثبيت حكم «الجماعة» فى مصر، وقد تلاحقت خلال الأسابيع الماضية زيارات الوفود الإسرائيلية إلى القاهرة واستقبلتها قيادات بالجماعة، صحيح أن المعلن هو أن الوفود اليهودية كانت تجرى مباحثات مع القيادة المصرية لبحث تفاهمات للتهدئة التى تم إبرامها بين الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة نهاية العام الماضى، لكن «الجماعة» كانت تقوم بإجراء مباحثات من خلف الكواليس بناء على التعليمات الأمريكية، لتكون بديلاً لما كان يفعله الرئيس السابق فى منطقة الشرق الأوسط. وعندما قامت إسرائيل بضرب غزة، تمكنت «الجماعة» من وقف العدوان الإسرائيلى بمقابل، وهذا المقابل لابد أن يكون على حساب الوطن والمصريين، فإسرائيل لا يمكن أن تلتزم أمام «الجماعة» بدون مقابل، وهذه النظرية لا يمكن أن تخفى على لبيب، ولذلك فإن التهدئة التى تشرف عليها مصر بين الفصائل الفلسطينية وبين إسرائيل تتم فعلاً فى إطار سياسة التقارب الجديدة التى تقوم بها «الجماعة» الحاكمة مع تل أبيب وبرعاية صهيونية أمريكية.. وقد ظهر ذلك جلياً وبوضح شديد فيما تقوم به مؤسسة الرئاسة من خطابات التودد المرسلة إلى إسرائيل وكشفت بعض الصحف الإسرائيلية عن بعضها، مما جعل الرئاسة المصرية تتعامل بعتاب شديد مع قادة تل أبيب، بعد تسريب رسائل التودد المصرية. لقد تصورت جماعة الإخوان أن هذه المواقف الغريبة والشاذة والتخلى عن مواقف الشعب المعادية للعدو الصهيونى، يمكن أن تمكنها من تثبيت حكمها على البلاد بالرعاية الأمريكية، وبذلك لاأكون جانحاً فى الرأى عندما أقول إن «الجماعة» الحاكمة تستقوى بالصهيونية العالمية التى لا تريد أصلاً خيراً لمصر، وهذا التصور السياسى الذى تتخبط فيه قيادات الإخوان ومن بينهم الرئيس سيحقق لها مطامعها فى تثبيت الحكم.. ونسوا أن الشعب المصرى الثائر فى الميادين، والذى بدأ العصيان فى مدن القناة الثلاث والغربية، لن تهدأ ثائرته أو تلين له قناة حتى تزاح الجماعة عن حكم البلاد، إذا كانت «الجماعة» لا تحسب حساباً للقوى الوطنية التى تعشق تراب مصر وترفض سياسة القمع والذل والقهر، فهى واهمة تماماً لأن وصول «الجماعة» أصلاً إلى سدة الحكم جاء بهذه القوى الثورية التى خلعت أعتى نظام مستبد. وإذا كانت الجماعة لديها قناعة بأن سياسة «الأخونة» التى تقوم بها وقمع الثوار ستتحقق فهى أكثر وهماً.. أما إذا كانت «الجماعة» تعتقد أنها بعد سرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين، ستتمكن من تنفيذ مخططاتها فهى تحلم لأن «إبليس» لا يمكن أن يَرِد الجنة!! ثم إن الذى تفعله «الجماعة» الآن هو تمهيد طبيعى جداً لتنفيذ اتفاقية «سايكس بيكو» الثانية التى ستعيد تقسيم المنطقة العربية فبدلاً من الحدود الجغرافية التى قامت بها «سايكس بيكو» الأولى، يتم الآن إعادة تقسيم الوطن العربى ليتحول إلى دويلات صغيرة لا تهش ولا تنش، فالعراق الذى انقسم إلى ثلاث دول والسودان الذى بات اثنتين، والثالثة فى الطريق.. هذه الاتفاقية تخطط لأن تكون كل دولة عربية ثلاث أو أربع دويلات صغيرة لا تزيد على دويلة قطر.. والآن جماعة الإخوان تسلم القط مفتاح الكرار، فأمريكا وإسرائيل لن يهدأ لهما بال حتى تحققا مخطط التقسيم الجديد الوارد فى «سايكس بيكو» الثانية، ومن ضمنها مصر.. ورغم الفجوة الشديدة المتسعة بين الأشقاء العرب جميعاً بسبب الأبعاد الجغرافية والنعرة الطائفية، فإن ذلك لا يعجب الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية، وإنما هى تصر على المزيد من الانهيار والتفتيت حتى يتم افتراس الأمة العربية، والإسلامية، والآن «الجماعة» تسير فى هذا الركب الشديد الخطورة، ولابد أن يشتد ساعد الوطنيين بالبلاد من معارضة وثوار حتى يتم تفويت هذا المخطط الذى ترتكبه أمريكا وإسرائيل بأصابع الإخوان.