الثورة السورية أنتجت حالة غريبة من التحالفات العجيبة، مثل تحالف العلمانيين ورجال الدين، وتحالف اليسار والقوميين مع العسكر، لكن أغرب هذه التحالفات هو تحالف الولاياتالمتحدةالأمريكية مع حزب الله رغم العداء الظاهر بينهما. هل هذا الكلام واقعي أم مجرد ضرب من الخيال؟ وهل يمكن لأمريكا أن تتحالف مع منظمة تصنفها "إرهابية "؟ أم أن الحديث عن التحالف بين حزب الله وأمريكا شكل من أشكال الدعاية المغرضة و"البروباجندا" السوداء التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تشويه صورة حزب الله اللبناني أمام الرأي العام العربي والإسلامي؟ الحديث عن التحالف بين حزب الله وواشنطن واقعي وفعلي في سوريا، فالطرفان يتفقان على أمرين رئيسيين، الأول: عدم انتصار الثورة السورية، والثاني: محاربة جبهة النصرة الإسلامية، فأمريكا أدرجت جبهة النصرة على قوائم المنظمات الإرهابية، في حين يحارب مقاتلون من حزب الله الجبهة على الأرض السورية بالسلاح. هذا التلاقي الأمريكي مع حزب الله، لا يعني بالضرورة اتفاقا عقائديا أو قيميا، ولكنه تقاطع في المصالح بين الطرفين في مواجهة " العدو الإسلامي الموحد"، فجبهة النصرة تتوفر فيها كل مواصفات "العدو الكامل" بالنسبة لأمريكا وحزب الله، وكما التقت المصالح الأمريكية مع إيران في العداء لصدام حسين في العراق وحركة طالبان في أفغانستان، مما خلق حالة من التحالف "الأمريكي- الإيراني" ضد صدام حسين وطالبان، وهو ما تفاخر به نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي أبطحي بقوله: " لولا المساعدة التي قدمتها إيران لأمريكا ما سقط صدام وطالبان بهذه السهولة"، تلتقي المصالح الأمريكيةالإيرانية وحزب الله في سوريا ويتكرر نفس التحالف ضد الثورة السورية، بحجة التهديد الذي تشكله "جبهة النصرة" ضد الطرفين، ومجهول مرحلة ما بعد الأسد. أمريكا وإيرانوروسيا وحزب الله يتفقون على عدم "انهيار الوضع" في سوريا وعدم تسليم سوريا للثوار الذين ينتمون إلى "الأغلبية السنية"، ورغم وجود تباينات بين هذه الأطراف حول مصير بشار الأسد، بين من يرى أن وجوده عقبة في تحقيق المصالح المرجوة والمنتظرة مثل واشنطن، ومن يرى أن رحيله قد يشكل تهديدا على مصالحه بالكلية مثل إيران وحزب الله، ومن لا يتشبث بالأسد ويعتبره ورقة تفاوضية جيدة لإحراز المزيد من المكاسب مثل روسيا. هذه الأطراف تستخدم كل الوسائل التي تراها مناسبة من أجل تحقيق مصالحها، فروسيا تزود نظام الأسد الإرهابي بالسلاح والخبراء وإيران وحزب الله ونوري المالكي يزودونه بالمقاتلين، في حين تلعب واشنطن سياسيا مباشرة أو من خلال وكلائها في المنطقة أو في الداخل السوري. هذا التحالف الكبير والواسع ضد الثورة السورية الذي يختبئ خلف شعار "التصدي لجبهة النصرة"، يشكل خطرا وجوديا على الثورة السورية ومستقبل الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره، فجبهة النصرة لا تشكل سوى جزئية صغيرة من المشهد السوري العام، ولا يتجاوز عدد عناصرها في سوريا 5000 مقاتل في أحسن الأحوال، وهم يبلون بلاء حسنا في قتالهم ضد الآلة العسكرية الإجرامية الإرهابية لكتائب الأسد وشبيحته وهم ينأون بأنفسهم عن المشاكل الداخلية بين بعض قوى المعارضة السورية ولا يدخلون طرفا فيها، ويشكلون رأس حربة في مواجهة قوات الأسد في بعض المناطق خاصة في شمال سوريا، بالإضافة إلى تمتعهم بحاضنة شعبية صديقة، وهي الحاضنة الضرورية للثورة ولحرب العصابات. وبالتالي فإن عملية "شيطنة" جبهة النصرة وتصويرها على أنها حركة "إرهابية أصولية تكفيرية متطرفة" مصيرها الفشل، فحتى الناشطين السوريين المسيحيين من وزن ميشيل كيلو وجورج صبرا وغيرهما دافعوا عن مقاتلي جبهة النصرة بوصفهم ثوارا يدافعون عن الشعب السوري. يعمق التحالف غير المعلن بين حزب الله وأمريكا ضد الثورة السورية من أزمة حزب الله الشيعي اللبناني ويدفعه إلى المزيد من الخسارات الإستراتيجية الكبيرة، وهي أسرع خسارة تمنى بها حركة عربية "مقاومة" في التاريخ الحديث، ووصلت هذه الخسارة إلى درجة العدائية من قبل الرأي العام العربي والإسلامي ضد حزب الله وتورطه في الحرب ضد الشعب السوري ودعم نظام إرهابي مجرم سفك دماء 100 ألف سوري بريء خلال عامين فقط. أمريكا بدورها تخسر كثيرا، فهي تواصل السقوط في مستنقع الكذب والنفاق والاحتيال السياسي واللعب على أكثر من حبل، وهي ستخسر في سوريا كما خسرت في العراق وأفغانستان، وإذا كانت الخسارة التي منيت بها في العراق وأفغانستان عسكرية واقتصادية فإن خسارتها في سوريا ستكون سياسية فادحة، إضافة طبعا إلى السقوط الأخلاقي والقيمي وتداعي دعواتها للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي التي ترفع لواء هذه الدعوات وتستخدمها لاستغلال وابتزاز الدول الأخرى. تحالف حزب الله مع أمريكا ضد الثورة السورية ستكون له تداعيات كبيرة في المستقبل القريب قد يكون من بينها انتقال الحرب في سوريا إلى لبنان، فتدخل حزب الله العسكري في سوريا قد يدفع أطرافا سورية، من بينها جبهة النصرة بالطبع، إلى محاولة نقل المعركة إلى العمق اللبناني، وهو احتمال بدأت تتحدث عنه وسائل الإعلام اللبنانية، بل وبعض أركان حزب الله ووسائل إعلامه. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية