من بين محافظات مصر، وحدها تشتهر بورسعيد بطقوس خاصة للاحتفال بأعياد شم النسيم، الذي يحتفل به المصريون الاثنين وهو أشهر الأعياد الشعبية في مصر. في بورسعيد يتحول الاحتفال إلى محاكمة شعبية لكل ظالم أو جبار من خلال دمية (اللنبي) التي تطوف شوارع المدينة طوال ليلة شم النسيم إلى أن يتم حرقها، في مهرجان كرنفالي يحضره أعداد كبيرة من أبناء بورسعيد وبعد ذلك تبدأ الاحتفالات على أنغام آلة السمسمية والفرق الشعبية وحتى شروق الشمس موعد الانطلاق إلى شاطئ البحر والحدائق. جديد هذا العام هو الشخصيات التي سيتم حرقها بدلا من دمية المندوب السامي البريطاني في مصر اللورد أدموند اللنبي والتي اعتاد أبناء بورسعيد حرقها منذ عشرينيات القرن الماضي. واحتل الزعماء "الفاسدون" موقع الصدارة بين الشخصيات التي ستحرق ليلة شم النسيم، وفي مقدمتهم العقيد الليبي معمر القذافي والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وأركان نظامه فتحي سرور وصفوت الشريف وزكريا عزمي وأحمد عز. وقال الفنان البورسعيدي محسن خضير لفضائية الجزيرة إن الاحتفال بمناسبة شم النسيم بعد ثورة 25 يناير له شكل مختلف حيث لا توجد أي قيود أو موانع كما كان في السابق تمنع حرق الدمى. وأضاف خضير أن مهرجان اللنبي هذا العام يتناول فكرة "حكومة الفساد" لشخصيات سياسية أطاحت بها الثورات وفي مقدمتهم مبارك والقذافي، ومسئولون مصريون سابقون يبيتون الآن في سجن ليمان طرة مثل أحمد نظيف وحبيب العادلي وصفوت الشريف. غير أن خضير لاحظ أن "ضيف الشرف" هذا العام هو "العقيد" من خلال صنع تماثيل مجسمات من خلال النحت المجسم والرسم والكاريكاتير، وهو نوع من الإبداع الفني الذي تشتهر به أسرة خضير الخطاط منذ سنوات طويلة، كما سيتم صنع دمى للقذافي ومبارك ووزرائه وحشوها بالقطن أو الأقمشة القديمة وحرقها ليلة شم النسيم. "أصل الحكاية" وقال المؤرخ البورسعيدي ضياء الدين القاضي إن هذه الطقوس تعود إلى بدء حفر قناة السويس يوم 25 أبريل 1859 حيث كان اليونانيون يشاركون المصريين حفر القناة، مع الاحتفال بشم النسيم ظهرت عادة يونانية تُحرق فيها دمية من القش تسمى "جوادس" ترمز عندهم لإله الشر والعنف. وعندما ألقى اللنبي القبض على الزعيم سعد زغلول عقب اندلاع ثورة 1919 وقرر نفيه وآخرين للخارج عبر ميناء بورسعيد، خرج أهل المدينة لوداعه فمنعهم أمن المحافظة بأوامر من اللنبى، ولكن الثوار البورسعيديين أصروا على العبور من الحصار بقيادة إمام الجامع التوفيقي الشيخ يوسف أبو العيلة، وراعي كنيسة العذراء القمص ديمترى يوسف، واشتبكوا مع الإنجليز وشرطة القناة، واستشهد يومها سبعة، غير مئات المصابين، وكان ذلك يوم الجمعة 21 مارس 1919. ووفق القاضي فقد أعقب تلك الأحداث موسم الخماسين، فربط أهل المدينة أحداث العنف بالعادة اليونانية فصنعوا دمية كبيرة من القش حاولوا أن تكون قريبة الشبه باللمبي وحاولوا حرقها، واعترضهم الإنجليز فعادوا فجر اليوم التالي وحرقوها بشارع محمد علي الذي يفصل بين الحي العربي والإفرنجي (الغرب والشرق حاليا). وحين قررت بريطانيا ترحيل اللنبي إلى بلاده يوم 25 يونيو 1925 من ميناء بورسعيد، كان أبناء المدينة في انتظاره حتى يودعوه، وكان وداعا من نوع خاص حيث جهزوا له دمية كبيرة جدا مكتوبا عليها اسمه وترتدي زيه العسكري ورتبته العسكرية، وتم حرقها وتعالت ألسنة النار في سماء بورسعيد. ومنذ ذلك الحين تحول هذا الطقس إلى عادة سنوية حيث تجتهد مجموعات من الشباب في جمع قطع الأخشاب القديمة والأقفاص الخشبية حتى تعظم من نيران حرق اللنبي، كما يتجمع الأهالي لمشاهدة حرق "اللنبي" بعد الطواف به في بعض الحواري والشوارع الجانبية، وتتبارى كل مجموعة في صنع أكبر دمية وزفها في عربات خشبية. وتنطلق فرق السمسمية والبمبوطية للرقص على الأنغام الشعبية ومواويل البطولات البورسعيدية والمقاومة الشريفة التي ضحت بحياتها فداء لوطنها. وتطورت العادة من حرق اللنبي إلى حرق كل طاغية يتزامن فعله الظالم بالعرب أو المسلمين في العالم مع قرب موعد شم النسيم، ويتم تجسيد شخصيته في دمية كبيرة.