الفقر ظالم والجوع كافر والحرمان قاتل، والوطن الذى لا يطعمك قوت يومك تشعر فيه بالغربة، والأرض التى تبخل عليك بخيراتها تتحرج قدماك أن تطأها. يكتب الشاعر السورى محمد الماغوط عن الفقراء فيقول: «الكل يركض وراء الشهرة.. المال.. الحب.. الجنس.. الرياضة.. الفروسية.. الطعام. وأنا أركض وراء الفقراء. وهذا من سوء حظى أو حظهم. وحدهم الفقراء يستيقظون مبكرين قبل الجميع حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد». والمؤكد أن أحدا لا يركض فى مصر اليوم نحو الفقراء. لا الرئيس ولا مستشاروه ولا الجماعة الحاكمة ولا مصفقوها ولا منافقوها فى الشمال والجنوب.. لا رئيس الوزراء القادم من المجهول بلا أى مهارات أو أدنى كفاءة أو حس سياسى، ولا وزراؤه غير المتجانسين.. لا القوى والنخب السياسية ولا المثقفون فى الشرق والغرب.. لا الناشطون ولا الفضائيون ولا خطباء المساجد.. لا أصحاب اللحى ولا الدعاة العصريون ولا حملة لافتات «الإسلام هو الحل». الفقراء حاضرون فى برامج الإخوان والاحزاب السياسية وغائبون فى تحركاتهم. مكتوبون على الورق ومشطوبون فى الواقع. يطلّون فى خطابات الساسة والنشطاء ويغيبون من أنشطتهم. الكل يتاجر بهم ويربح باسمهم وهم وحدهم من يتحمل الخسارة. قامت الثورة ترتكز على العدالة الاجتماعية، وبعد عامين وأكثر لا عدالة ولا رد حقوق والناس أشد فقراً وأكثر بؤساً والغلاء جلاد قاس يسحل البسطاء ليل نهار. كان الإمام على بن أبى طالب يقول: «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، لكن الأنظمة الفاشية تراه أداة من أدوات السيطرة، ووسيلة من وسائل الهيمنة. إنهم يتصورون أن مع الحاجة تكثر الصفقات، وفى ظل الحرمان تنتشر رشاوى السياسة وشراء الأصوات. ولهم العبرة فى قول الشاعر الراحل أمل دنقل: «من يملك العملة يلعب بالوجهين، والفقراء بين بين». لكن علماء الاجتماع والميقظين يرون غير ذلك. إنهم يحذرون من ثورات الغلابة.. تلك الأعاصير الهوجاء التى لا تبقى ولا تذر. إنها ثورات بلا مبادئ أو أخلاق أو قيم حضارية.. ثورات يقودها الصعاليك والعاطلون وأطفال الشوارع. فالفقر والكفر قرينان لا يفترقان، والجوع والإرهاب متلازمان إلى الجحيم. والله وحده نسأله السلامة لمصر التى قتلتنا محبتها.