اثنان كنت أتمنى أن يكونا بيننا فى ظل هذه الأحداث الدامية التى يتألم فيها الوطن ويتوجع مما يفعله أعداء الأمة.. الأول هو أستاذى الراحل مصطفى شردى أول رئيس تحرير لجريدة «الوفد» ومؤسسها، وصاحب أول مدرسة صحفية معارضة فى الشرق الأوسط، والتى يشرفنى ويسعدنى أن أكون واحداً من تلاميذه الذين احترفوا مهنة الصحافة على يديه.. والثانى هو الراحل الكريم والأخ العظيم مجدى مهنا الذى بدأ العمل محرراً ب«الوفد» وتدرج بها حتى أصبح رئيساً للتحرير لمدة قاربت من ثمانية عشر شهراً، وكان واحداً من المعارضين الأشداءالذين لم تلن لهم قناة أو عرفوا طريق المهادنة.. وكان دائماً ينتصر إلى المهنية الصحفية فى كل شىء. مرت أمس الذكرى الخامسة لرحيل زميلنا وصديقنا وأخينا الرائع مجدى مهنا الذى ترك بصمة فى الصحافة المصرية من خلال عموده «فى الممنوع» الذى كان يكتبه فى «الوفد» ثم بعد ذلك فى الزميلة «المصرى اليوم»، لقد كان هذا العمودبمثابة مدفع يطلق قذائف ضد الطغاة والفاسدين فى البلاد، كما كان يصفه أستاذنا العظيم الراحل مصطفى شردى، فلقد سمعت «شردى» يطلق هذا الوصف على مقال «مهنا» فى «الوفد»، مجدى مهنا الصحفى الذى كان ينتصر للمهنية، لم يعرف خلافاً مع أحد إلا فى الحق والانتصار إلى المهنية التى تقصف الأعمار سريعاً.. لقد حمل على كاهله هموم الصحافة وصحفييها عندما كان عضواً بمجلس النقابة.. رأيته ينتصر للمظلومين الذين ظلمتهم مؤسساتهم الصحفية، ورأيته يوجه بعض الزملاء الذين يتجنون على مؤسساتهم، ولا يبخل على أحد بالنصح والإرشاد. كان مجدى مهنا، رحمه الله، قريباً إلى قلبى، وكنت أشكو إليه همومى وآلامى وكان ناصحاً أميناً يسدى إلىّ بالنصائح الغالية التى لازلت أذكر منها الكثير.. وكان من النادرين فى هذه المهنة الذى يتسم ببشاشة الوجه، مهما قابله من صعاب وشدائد.. حتى مع ظروف مرضه الأخير قبل وفاته تعامل مع الأمر برضى كامل، وكان يردد لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. واختار مجدى مهنا العمل فى جريدة «الوفد» عندما كان الجميع يتودد إلى النظام والسلطة ويسعى إلى رضا الحاكم للحصول على بركات من السلطة، إلا «مجدى» الذى فضل أن يكون محارباً شجاعاً ضد الظلم والطغيان وجبروت النظام.. وأذكر سؤال الراحل الكريم لى فى منتصف الثمانينيات عندما التحقت ب«الوفد» قادماً من العاصمة الأردنية عمان، لماذا تركت «الفلوس» وعملت بصحيفة معارضة تواجه كل يوم اللعنات من النظام بسبب ما تتناوله؟!.. ويومها رد بدلاً منى الراحل الكريم سعيد عبدالخالق الذى كنت ملتصقاً به طوال رحلتى الصحفية حتى غيبه الموت عنا.. كل هذه الذكريات بدأت تحتل وجدانى وأنا أتذكر رحيل الكاتب الصحفى الراحل مجدى مهنا وأساتذتى الأجلاء الذين تنبأوا بالثورة المصرية ولم يشهدوها، وحاربوا حرباً شعواء ضد ظلم النظام وبطشه.. وكانت رؤيتهم دائماً صائبة، فهم أجمعوا على أن مصر ستشهد هذه الثورة، وأن المصرين لن يهدأ لهم بال أو ينم لهم جفن حتى ينالوا حريتهم كاملة. وإلى هؤلاء العظماء أقول: لقد تحقق حلمكم بالثورة، وخطفتها «جماعة الإخوان» التى وصلت إلى سدة الحكم وتبطش حالياً بخلق الله، ولا تعرف إلا سياسة الاستحواذ والإقصاء.. وتصب كل يوم ظلماً على ظلم ضد الوطنيين، لكن لتهدأوا فى قبوركم فلن يخنع ولن يرضخ أبداً تلاميذكم أمام ظلم الإخوان، بل سيستمر تلاميذكم فى النضال حتى تنال مصر حريتها كاملة ويحقق الناس الديمقراطية الحقيقية غير المنقوصة.. وكم كنت أتمنى لو أنكم يا أصحاب الأقلام الحرة النظيفة بيننا الآن حتى ننهل منكم العزم وقوة الشكيمة فى مقاومة هذا الطغيان الذى زاد على الحد والتصور وبات آفة لابد من اقتلاعها من جذورها.