حدد المصريون للحكم في بلادهم ولإيران ومن يحكمها - من مرشد ورئيس - خطوطا حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها في علاقات البلدين بل وفي علاقات إيران بالدول العربية الإسلامية وقضاياها. هذا هو الأهم في زيارة أحمدي نجاد للقاهرة، إذ أن قوى مجتمعية ذات وزن ونفوذ كبير على رأسها الأزهر الشريف ذهبت وإلى أبعد مدى في وضع محددات للعلاقات بين مصر وإيران، في حالة مستجدة في حدوثها وفي طبيعة تلك المحددات التي أخذت منحى عقائدي محدد وأخذت طابع التعبير عن كل الموقف العربي والإسلامي من قضايا الأمة، وشملت إعلان مواقف قاطعه من تعامل الحكم الإيراني مع السنة في داخل إيران وإلى درجة طرح قضية الأحواز المحتلةإيرانيا منذ ما يقرب من القرن. كان حكم مبارك متوقف عن إقامة أي نمط من العلاقات مع إيران تحت أسباب لم يكن بينها ما هو عقائدي بالدرجة الأولى، كما لم يجر حديث من قوى مصرية ذات حيثية مرجعية عن الخطوط الحمراء أمام إيران في مواجهة بلدان ومجتمعات الأمة، وكان قرار العلاقات بين مصر وإيران مجرد قرار تصنعه دوائر الحكم ووزارة الخارجية المصرية دون مشاركة الشعب أو القوى المجتمعية بأي موقف واضح ومباشر في تحديد خطوط ودوائر تلك العلاقات ومحدداتها، بل كان ما يسمع من الساسة الرسميين والإعلام الحكومي عن أسباب ما عليه تلك العلاقات، مجرد أمور هامشية على رأسها تسمية أحد شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات. وهو ما كان يتيح للنظام والإعلام الإيراني أن يتحدث عن موقف من إيران تفرضه أميركا والغرب على نظام الحكم في مصر، وأن يطيل الإطناب في أن الشعب المصري لا يرغب في الخلاف مع إيران. والآن إذ زار نجاد القاهرة ضمن فعاليات مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي وجرت تلبية طلباته في اللقاءات والزيارات للمساجد والهيئات، فقد جاءت المحددات التي أعلنتها القوى المجتمعية في مصر لتضع خطوطا حمراء جاءت جامعه لكل الموقف العربي والإسلامي من السلوك والدور الإيراني. تلك المحددات وردت في لقاءات شيخ الأزهر مع نجاد وظهرت جلية في مواقف التشكيلة السلفية المصرية، وفي مواقف وتصرفات شعبية أخرى وصلت حد إهانة نجاد حين واجه ما واجهه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في بغداد. في لقاء نجاد بشيخ الأزهر حوى البيان الصادر عن الأزهر محددات ومواقف قاطعه من السلوك والدور الإيراني في المنطقة العربية ومن المسلمين إذ شدد البيان على ضرورة احترام إيران للبحرين وعدم التدخل في شؤون دول الخليج ووقف نزيف الدم في سوريا، ووصل الأمر حد الحديث المباشر الواضح عن أهل السنة في إيران وحقوقهم وبخاصة في الأحواز وشدد البيان على وقف المد الشيعي والمطالبة بإصدار فتاوى تحرم وتجرم سب الصحابة رضوان الله عليهم. وقد وجدت مواقف تيارات وطيف الحركة السلفية وجود نجاد الفرصة الأهم في تحديد موقف عقائدي أشد من إيران. وهكذا إذ رسم نجاد صورة ذهنية للزيارة وأتى للقاهرة مندفعا متصورا أنه سينجح في الغزو وتغيير الصورة الذهنية لدى المصريين بشأن جرائم إيران، وأنه سيحقق هدف إيران في شق الصف العربي أكثر وأن مصر سيجري إدخالها في شقاق مع دول الخليج، فإذا بالنتيجة معاكسا كليا، سواء لأن ما جرى وسع تعبئة المجتمع المصري ضد إيران أو لأنه حدد الخطوط الحمراء التي لا يستطيع أي حاكم الخروج عليها، أو لأن نجاد ووجه في مصر بما لم يواجه به في أي دولة أخرى في العالم. نقلا عن صحيفة الخليج