لو شاء أي مراقب أن يلخص وضع النظام المصري الحالي وأن يقارنه بما كان قائماً قبل ثورة 25 يناير، لما وجد افضل من «الخطأ» الذي ارتكبه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عندما اطلق على رئيس مصر الحالي اسم «محمد حسني». واذا كان كثيرون اعتبروا ان ابو مازن اخطأ في لفظ اسم الرئيس المصري، في الكلمة التي القاها امام القمة الاسلامية في القاهرة، فإنني من جهتي وجدت في ذلك «الخطأ» زلة لسان هي اشبه ب lapsus بلغة علم النفس، تكشف اكثر مما تضمر عن حقيقة الصورة التي شاء الرئيس الفلسطيني ان يرسمها لما يجري في ارض الكنانة بعد سقوط نظام حسني مبارك. فلو سألت هذه الايام معظم المصريين، من غير المستفيدين من النظام الحالي، او من غير الذين يحكم هذا النظام باسمهم، لاتفقوا مع «الخطأ» الذي وقع فيه ابو مازن عند اطلاق اسم محمد مرسي، ولقالوا ان نظام مرسي لا يختلف كثيراً من حيث الممارسة عن نظام حسني مبارك. «كأننا لا رحنا ولا جينا»، على ما يقول المثل. والسبب لا يعود فقط الى فشل حكم ما بعد الثورة في تلبية المطالب والرغبات والشعارات التي اطلقت في ميدان التحرير قبل عامين، وهي مطالب تحتاج، وباعتراف الجميع بمن فيهم معارضو النظام الحالي، الى وقت لتلبيتها ولنقل مصر من حال الى حال. بل ان السبب يعود قبل ذلك الى عنف وفظاظة الممارسات الامنية، على ما ظهر أخيراً في تصرف رجال الشرطة في القاهرة والاسكندرية وغيرهما من مدن بحق المتظاهرين، كما يعود الى التخبط في اتخاذ القرارات الرئاسية، ما يوحي بأن هناك اكثر من مرجع وراء هذه القرارات، فضلاً عن الفساد الذي لا يزال سائداً في مختلف مواقع الادارة المصرية. وبهذا المعنى وفي الاطار ذاته يمكن الحديث عن «حمادي بن علي»، عند التعليق على ما يجري في تونس. فاتهامات التخوين التي تحفل بها خطب عدد من المسؤولين في حركة «النهضة» تجاه المعارضين، والتهديدات بملاحقتهم وقتلهم التي تطلقها جهات واطراف متشددة توصف بالسلفية، فيما لا تواجه هذه التهديدات اي ادانة جدية من قبل الحكم الحالي، كلها تشير الى ان المناخ السياسي السائد حالياً في تونس والذي أدى الى اغتيال المعارض شكري بلعيد، لا يختلف إلا من حيث الشكل عما كان سائداً في ظل الرئيس التونسي المخلوع، والذي لم يسقط، حتى في عهده، معارض واحد عن طريق القتل في شوارع تونس. والمسألة تتعلق في آخر الامر وببساطة بفهم النظامين القائمين في مصر وتونس لمعنى الديموقراطية ولطريقة تطبيقها، ولمدى احترامها من قبلهم. ذلك انه لا يكفي ان تعلن السلطة الحاكمة في تونسوالقاهرة انها قامت على انقاض حكم دكتاتوري، وانها جاءت الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع. وكل هذا أمر جيد ومرحّب به بطبيعة الحال. لكن الاهم منه هو مدى قدرة الحكم على ان يتسع للاصوات المعارضة وان يسمعها وان يأخذ بها اذا وجد فيها تصحيحاً لاخطائه. اما ان يعتبر الحكم انه منزّه عن الخطأ، وان كل قراراته هي فوق المساءلة، بل انها منزلة في نظر البعض، فإنه يقود الى الممارسة السابقة التي عرفناها في العهود التي كنا ظننّا اننا تخلصنا منها. نقلا عن صحيفة الحياة