تهتم البنوك الكبري بتنشيط أوعيتها الادخارية وابتكار جديد منها لجذب المزيد من المدخرين سواء كانوا من حملة الدولار أو الجنيه المصري، ومن الطبيعي أن يسعي كل بنك للتفوق علي غيره من البنوك في زيادة عملائه أصحاب الودائع الادخارية في مختلف الأوعية، ولكنني ألاحظ أن البنوك الكبري تكاد أن تكون غير عابئة بأصحاب المدخرات الصغيرة الذين تعيش قطاعات واسعة منهم علي الوفاء بحاجاتهم المعيشية من الفوائد الناتجة عن إيداعهم هذه المدخرات، ثم يقومون بأنفسهم بترتيب معيشتهم وأوجه إنفاقهم عليها من هذه العوائد، وكان من الطبيعي أن يتزايد عددهم من خلال صغر مدخراتهم التي تستوعبها دفاتر التوفير في هيئة البريد عندما كانت صاحبة هذا الوعاء الادخاري، الذي يقبل الإيداعات مهما كانت بساطتها، فراجت هذه الوسيلة وسط بسطاء المودعين خاصة أصحاب الدخل المربوط من الطبقة المتوسطة التي سمحت لها دخولها بادخار القليل، ولما انتشرت دفاتر توفير البريد واتسع نطاقها أدركت البنوك أن هذا الوعاء الادخاري - علي بساطته - يمكن أن يكون مصدراً مهماً لهذه البنوك وإتاحة الادخار بالدفاتر دون التقيد بتحديد المبالغ التي يمكن إيداعها، فضلاً عن إتاحة السحب والإيداع في أي وقت، وحددت سعراً للفائدة يعرفه المودع مسبقاً، فلما نشأت فكرة البنوك الإسلامية التي أثارت قضية أن «الفائدة» هي من الربا، وأن الربا حرام، لتستفيد من ذلك شركات توظيف الأموال التي استطاعت جذب ملايين من المودعين بغطاء أنها توظف أموالهم في التجارة، وأن ما تحققه هذه المشاركة التجارية أنها تعتبر «مرابحة» نتاج عمل تجاري يحقق للمودع عائداً وليس فائدة، كما لجأت البنوك الكبري إلي تخصيص بعض فروعها تحت اسم «بنك كذا للمعاملات الإسلامية» التي اجتذبت أعداداً لا بأس بها من أصحاب المدخرات بالعملتين: المحلية والأجنبية، لكي يتجنبوا الربا وشبهاته، وأصبحت دفاتر التوفير في «بنوك المعاملات الإسلامية» تتعامل مع حائزي الدفاتر بعائد شبه ثابت كما أسعار الفائدة البعيدة عن المعاملات الإسلامية، وأصبحت فكرة العائد من الشراكة في الأرباح بين البنك وحائز الدفتر غير ذات موضوع. ولا أحد في هذه البنوك التي تتعامل مع أموال المودع حائز الدفتر ذي المعاملات الإسلامية عنده أي تفسير لثبات نسبة العائد المئوي مهما تغيرت الأحوال الاقتصادية في التجارة التي تعني الصعود والهبوط في العائد طبقاً لتقلبات السوق، ويرتفع سعر العملات أو ينخفض مما ينعكس علي العملة المحلية ويبقي العائد ثابتاً لا يهتز، ترتفع أسعار حاجات الناس وتنخفض القوة الشرائية للعملة المحلية حتي لا تكاد تفي بالحصول علي مواد القوت الأساسية، ولكن العائد لا شأن له بذلك، ولكن البنوك عاكفة فقط علي البحث في انتظار أوعية ادخارية جديدة تجذب المدخرين من حائزي الأموال الفائضة عند الأثرياء، ولا بأس لدي البنوك من رفع سعر الفائدة بنسب محسوبة لكنها مغرية، أما المدخرون الصغار من حملة دفاتر التوفير فإن بعض البنوك التي تصدرها تتفنن في تحميل هؤلاء مصروفات لا شأن لهم بها، وما ذنب قرار لأي بنك من البنوك بتغيير لون الدفتر من الأزرق إلي الأحمر، وما شأن المدخر الصغير إذا شاء البنك التحول بالقيد في الدفاتر سحباً وإيداعاً وعوائد بالكمبيوتر بديلاً لإثبات كل ذلك يدوياً، لكن البنوك أصبحت تعمد إلي تحميل صاحب الدفتر بنفقات كل ذلك، ويا ليتهم يقررونها طبقاً لحقيقتها، بل يضاعفونها كيفما أرادوا انتهازاً لفرصة اختلقوها!