كان مصطفي بك آمين عبقرياً بجد عندما اكتشف أن الصحف أصبحت من أهم مصادر الثقافة والمعرفة.. ولهذا كان حريصاً علي تدقيق كل كلمة أو معلومة تنشرها صحف أخبار اليوم.. فأنشأ قسماً للمعلومات في أواخر خمسينيات القرن الماضي مهمته مراجعة كل ما سوف تنشره هذه الصحف.. من ناحية ما بها من معلومات.. كان يقول لنا إن القارئ يأخذ كل ما تنشره الصحف علي أنه حقيقة مؤكدة.. ولهذا كان هذا القسم الرائد يملك إيقاف المطبعة عن الدوران إذا وجد خطأ ما في أي معلومة.. وعندما تم إبعاده عن بيته «أخبار اليوم» مع توأمه علي بك أمين في أوائل الستينيات، أنشأ قسماً مماثلاً في دار الهلال.. وقد كنت أنا واحداً من فريق هذا القسم في أخبار اليوم.. وفي دار الهلال معاً.. ** الآن تفتقد «كل» صحفنا. بل وكل وسائل إعلامنا إلي هذا القسم ودوره العظيم حتي تصل المعلومة الحقيقية والسليمة والصادقة إلي القارئ.. ولكن ما مناسبة هذا الكلام الآن الذي مضي عليه 54 عاماً حتي الآن.. السبب هو ما نشرته صحيفة «الأخبار» بيتي الأول، يوم الأربعاء الماضي ضمن تحقيق صحفي عن حالة كوبري قصر النيل، بمناسبة الأحداث.. وهو تحقيق اشترك فيه ثلاث من المحررات الصحفيات.. وجاء فيه علي لسان أستاذ للتخطيط العمراني في عين شمس.. وكذلك علي لسان مدير للطرق والكباري.. كلاهما قال إن هذا الكوبري عمره 200 سنة.. وأكثر.. يا صلاة النبي.. ويا صلاة الزين، علي الجهل الذي يتمتع به كل هؤلاء. ** فالحقيقة تقول إن الكوبري الحالي ليس هو الأول في هذا الموقع.. فالكوبري الأول أمر بإنشائه الخديو إسماعيل وبدأ العمل في بنائه يوم 2 مايو 1869 فتم البناء في نفس اليوم عام 1872 وطوله 406 أمتار وعرضه 10 أمتار ونصف.. وتكلف 110 آلاف جنيه.. ولكن ساءت حالة الكوبري وفي عام 1920 رأت الحكومة أن حالة الكوبري أصبحت سيئة.. وحاولت إصلاح الأمر. ولكن زادت الحالة سوءا بسبب تطور حركة المرور.. وبالمناسبة كانت المحافظة تحصل علي رسم عبور عن أي إنسان أو حتي حيوان يمر عليه!!. وهنا وفي أول ابريل 1931 تقرر وقف السير علي الكوبري بعد أن خدم 59 سنة وشهراً و20 يوما. ** وطرحت الحكومة مناقصة يوم 5 مارس 1930 لإنشاء الكوبري الجديد وتقدمت لها 5 شركات إنجليزية وثلاث إيطالية وشركتان المانيتان وشركة نمساوية وشركتان فرنسيتان أرست المقاولة علي شركة دورمن لونج الإنجليزية بمبلغ 308 آلاف و250 جنيهاً و250 مليماً. وفي يوم 4 فبراير 1931 وضع الملك فؤاد حجر الأساس وتم تنفيذه في 30 شهرا وفرغت من بنائه خلال سنتين وشهرين وخمسة أيام.. وأطلق عليه اسم «كوبري الخديو اسماعيل» اعترافاً بفضل منشيء الكوبري الأول.. كوبري قصر النيل وافتتحه الملك فؤاد «ابن الخديو اسماعيل» وشاهدوا ما تقوله اللوحة المثبتة علي قاعدة الأسد الأيمن من ناحية الجزيرة.. أي أن عمره الآن هو 80 سنة لا أكثر وليس كما نشر في هذا التحقيق المليء بالأخطاء.. ** هل ليس في جريدة الأخبار الآن من يراجع مثل هذه المعلومات التي جعلت عمر الكوبري تجاوز 200 عام بينما عمره 80 سنة.. بل إذا أضفنا عمر الكوبري القديم وهو 59 سنة يكون عمر الاثنين معاً هو أقل من 140 عاماً.. تلك بداية صحفية أو ثلاث لا تطمئن علي مستقبل الصحافة.. ولا نوعية الصحفيين الجدد. ** وفي نفس اليوم نشرت «الأهرام» تحقيقاً مصوراً علي الصفحة الأخيرة به من الأخطاء الكثير.. منها أن فندق سميراميس طلب الخديو إسماعيل إقامته وافتتح 1907 بينما إسماعيل تم خلعه عن العرش يوم 26 يونية 1879 ورحل إلي منفاه يوم 30 يونيه.. وتوفي يوم 2 مارس 1895!! وكذلك خلط هذا التحقيق بين فندق شبرد القديم وشبرد الجديد.. وكل هذا يحتاج إلي الدقة. ولكن أين هذه الدقة وصحافتنا لم تعد تهتم بالحقيقة والدقة.. يا عالم حرام عليكم.