يسيرون بخطى بطيئة هربًا من الروائح الكريهة التى تفوح من تلال القمامة المتواجدة فى وسط وعلى جانبى الطريق، سنوات من الإهمال والتهميش ومع تغير الحكومات تتجدد لهم الآمال، يساعد على تناميها كثير من الوعود الزائفة التى يتلقونها من أعضاء مجلس النواب فى كل دورة برلمانية، فضلاً عن صعوبة الوصول لهم من الأساس. هذا هو حال أهالى بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، مُشكلات عديدة أصبحت سيناريو يومى يعيشون فيه، فمع كل صباح يبدأ الأهالى يومهم باستخدام «مياه الطُلمبة» التى تُعد غير صالحة للاستخدام الآدمى، سواء للشرب أو للاستخدام الشخصى، فكثيرمن الأهالى يغيرون الأدوات الصحية كل عدة أشهر بسبب رواسب «مياه الطُلمبة» التى تتراكم وتُهلك مواسير المياه. وتعود هذه المشكلة إلى جشع أصحاب الأبراج المخالفة الذين لم يوصلوا خط المياه الحكومى، والاكتفاء فقط ب«مياه الطُلمبة» على الرغم من حصولهم على آلاف الجنيهات مقابل التصالح، على الرغم من تأكيد الحكومة ومجلس الدولة بأن المعنى بدفع قيمة التصالح هو صاحب العقار الأصلى وليس ملاك الشقق. «رضينا بالهم.. والهم مرضيش بينا».. مثل شعبى شهير ينطبق على أهالى بولاق الدكرور فعلى الرغم من تكبدهم آلاف الجنيهات مقابل عيش «حياة كريمة» إلا أن الوضع على ما هو عليه. يخرج «مُحسن» من منزلة الكائن فى شارع صلاح منصور، يحاول جاهدًا تجنب سير التكاتك، والطرق المهشمة، والبالوعات المفتوحة، وغيرها من عوائق الطريق، وقال: «بولاق الدكرور تعانى من مشاكل عديدة طول عمرها، والمشكلة تبدأ من سلوكيات المواطنين أنفسهم وليس من الحكومة فقط». يشير الرجل الخمسينى إلى أن هناك العديد من التجاوزات الفردية لابد من معالجتها أولاً قبل الحديث عن تقصير الحكومة بشأنهم، وتبدأ من إلقاء القمامة فى الشوارع، مشيرًا إلى أن هناك عمال نظافة متخصصين لجمع القمامة من الشقق مقابل 25 جنيهًا فى الشهر، ولكن هناك أناس يفضلون إلقاء القمامة فى الشارع توفيرًا لهذا المبلغ، فلا يعلمون أن توفير 25 جنيهًا قد يجبرهم بعد ذلك على صرف مئات الجنيهات بعد الإصابة بالعديد من الأمراض الصدرية بسبب تلوث الشوارع بأكوام القمامة. والتقط أطراف الحديث سعيد على، قائلاً إن من أكبر مشاكل بولاق الدكرور انتشار القمامة فى غالبية الشوارع، فعدد كبير من الأهالى يلقون القمامة فى الطرق مما يعرقل حركة السير، الأمر الذى دفع المواطنين فى المناطق الأخرى إلى إلقاء القمامة عندنا فيأتون بسيارتهم وحال الاقتراب من بولاق يلقون القمامة، ويهرعون إلى منازلهم. ومن مشكلة القمامة إلى مشكلة «مياه الطلمبة» التى تعد صداعًا فى رأس السكان لعدم توصيل خط مياه الحكومى والمعروف لديهم ب«خط الضغط العالى للمياه»، وجاءت هذه الخطوة بعد شكاوى العديد من المواطنين من «مياه الطُلمبة» وما تسببه لهم من أضرار صحية، وخسائرمادية بسبب شراء المياه المعدنية، أو المجهود الذى يبذلونه لملء المياه العذبة من المساجد على مسافات بعيدة. «بشيل على كتفى جراكن المياه وأنا سنى وصل للأربعين علشان أعرف أعيش».. قالها شاكر جمال، أحد أهالى بولاق، مشيرًا إلى أن عددًا كبيرًا من المواطنين متضررين من جشع أصحاب الأبراج المخالفة بسبب التقصير فى توصيل خط المياه الحكومى، والاكتفاء بمياه الطلمبة على الرغم من دفع قيمة التصالح لهم. وتابع: «تعبنا من الكلام معاهم على المياه وتوصيلها وإن فيه سكان فى عمارات مجاورة وصلوا الخط الجديد، بينما مازالوا هم يعانون من مشكلة يومية، وكل محاولات الحل باءت بالفشل الذريع». ومن مشكلة القمامة والمياه إلى مشكلة الشوارع الترابية المهشمة التى تعد عائقاً سواء للمارة أو لأصحاب السيارات، قال حسانين هريدى، إن كثرة المطبات فى الشوارع تعرض سيارته للتلف، ويتكبد مئات الجنيهات شهريًا لإصلاحها. وتابع: «الناس اللى بيقبوا ماشين فى الشارع بيصعبوا عليا علشان التراب اللى بيغطيهم وهم ماشين، خاصة لو فيه سيارة تسير من جانبهم، فكثير من أصحاب السيارات لا يعلم آداب السير فى الشوارع، فأحيانا يكون هناك رجل كبير فى السن يسير فى الشارع، ويأتى شاب بسيارة مسرعة من خلفه، ويسير على التراب ليتطاير عليه». سنوات من التهميش سنوات من التهميش عاشها سكان بولاق الدكرور، فلا يجدون إلى النواب سبيلاً للحديث إليهم، هكذا وصف «هريدي» حالهم مع أعضاء مجلس النواب الذين لا يتواصلون مع الأهالى إلا فى فترة الانتخابات فقط، ثم يختفون ولا يستطيع أحد الوصول إليهم. فى السياق ذاته قال أحمد محفوظ، إنه يريد الخروج من بولاق الدكرور بسبب ما يعانيه من مشكلات يومية تبدأ من المياه غير الصالحة للاستخدام الآدمى، مرورًا بسيارته التى تكبده مئات الجنيهات شهريًا بسبب الطرق الملتوية والمهشمة، حتى المشاجرات اليومية مع صاحب البرج الذى يقيم فيه لعدم استجابته للسكان، وتجاهل الاشتراك فى خط المياه الحكومى الذى دخل بولاق منذ شهور قليلة. «الناس من حقهم يعيشوا حياة آدمية بلاش نقول محترمة زى غيرهم».. بغضب شديد قالها «محفوظ»، مشيرًا إلى أن تجاهل الحكومة لهم نابع من تجاهل الأهالى لأنفسهم فى ضرورة العناية بشوارعهم وعدم التعرض للمارة، وتابع: كل كام متر يوجد مطب، ويبرر المواطنون ذلك بأن التكاتك تسير بسرعة، «واحنا بنحافظ على عيالنا». وحاول «محفوظ» التواصل مع الشباب ممن يقودون التكاتك، ولكنه وجد منهم من يتعاطى المخدرات، ومنهم من لا يقدر كلمة الكبير وغيرها من السلوكيات غير الأخلاقية.