رصاصات غادرة أصابت الكثيرين ممن تصدروا الصفوف الأمامية في ثورة 25 يناير لتخترق أجسادهم بلا رحمة أو شفقة، فمنهم من استشهد ومنهم من أصيب بعجز نصفي أو كلي، لتستمر معاناتهم ودمائهم تنزف في ظل عشعشة الإهمال واللامبالاة من نفوس المسئولين تجاه أبناء الوطن بلا ذنب لهم سوي أنهم ناضلوا لإسقاط نظام ديكتاتوري ظالم طغي علي البلاد لعدة عقود. فبعد أن قرر الرئيس محمد مرسي خلال الفترة الماضية علاج عدد من مصابي الثورة داخل المركز الطبي العالمي وسفر عدد آخر للعلاج خارج مصر، لم يزل هناك طابور طويل من مصابي الثورة يحتاجون إلي مد يد العون والمساعدة من أجل تخفيف آلامهم ومعاناتهم التي لا تنتهي في ظل عدم توفير الإمكانيات المالية اللازمة لاستكمال رحلة العلاج علي نفقة الدولة سواء في الداخل أو الخارج. «الوفد» ذهبت إلي مصابي الثورة الموجودين في مستشفي قصر العيني الفرنساوي للتعرف علي معاناتهم مع المرض لعل المسئولين يحسمون أمرهم تخفيفاً من آلامهم. تقابلنا مع أحمد عبدالدايم والد المصاب «مصطفي» البالغ من العمر 25 عاماً، الذي حكي معاناة ابنه مع المرض وعيناه تفيضان بالدموع، حيث يقول بأسي شديد: ابني أصيب بطلق ناري في أحداث 25 يناير أثناء تواجده بالصدفة بجانب الجامعة الأمريكية عقب استقلاله وسيلة مواصلات. وأضاف: ابني لا يقدر علي الحركة ويحتاج إلي إجراء عمليتين حتي يمكنه أن يعيش من تاني فالمستشفي يحجزه حتي تتم الموافقة علي علاجه فالمأكل والمشرب والنوم الذي تكفله المستشفي لابني لم يكف لعلاج حالته، فنحن نمر بظروف صعبة للغاية، أسرتي تدمرت بعد أن كان ابني المصاب يعاونني علي تحمل عناء المعيشة والارتفاع الجنوني في الأسعار، فكان يعطيني يومياً 30 جنيها من عمله في مهنة الحلاقة، تساعدني مع معاشي «200 جنيه» من الضمان الاجتماعي بينما اختلف الأمر بعد أن أصبح عاجزاً عن الحركة. وتابع الحاج «عبد الدايم» حديثه.. قائلاً: أنا كنت أعمل «حداد مسلح» ولكن لكبر سني لم أعد أقدر علي تحمل مشقة العمل خاصة بعد أن وصلت إلي أرذل العمر، كما أنه لم يكن لي عمل آخر، وكل من كان يساعدنا تخلي عنا سواء كانوا أشخاصاً أو منظمات مجتمع مدني، فنحن نريد الرحمة من أصحاب القلوب الرحيمة والضمائر التي تراعي ابني ومن أصيبوا في أحداث ثورة يناير، لأن ما يحزنني كثيراً أنني ذقت المرارة مع المرض وسلكت كل الطرق وطرقت كل أبواب المجالس الطبية والمجلس القومي لمصابي الثورة ولكن دون جدوي.. وأخيراً بعد تقديم توصية إلي إدارة مستشفي قصر العيني بسفر بعض مصابي الثورة للعلاج بالخارج، نظراً لصعوبة علاج حالاتهم المرضية بالداخل وتمت الموافقة عليها بصدور قرار من رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 12 ديسمبر الماضي بالسفر إلي لندن للعلاج بمستشفي «ولينجتون» لكل من صابرين محمود علي «35 سنة» ومصطفي أحمد محمد «25 سنة» ومعوض عادل معوض «21 سنة» لم ينفذ هذا القرار حتي الآن ومازال ابني يتألم برفقة الآخرين، ونقول للرئيس محمد مرسي: أتق الله في شعبك، فأنت جئت بعد ثورة كان شبابنا الدرع الحامية لوجودها ولتخليدها حتي الآن، وفي سبيل ذلك غامروا بحياتهم وأرواحهم من أجل رفعة الوطن ولإسقاط نظام ظالم هيمن علي السلطة الحاكمة علي مدار 30 عاماً. عبدالرحمن السيد عبده «30 عاما» كان يعمل تباعاً علي سيارة ميكروباص، أصيب في أحداث 25 يناير بمنطقة «بورسعيد» بطلقتين ناريتين في فخذيه تم استخراجهما ولكن بقيت آثارهما عاهة تجعله عاجزاً عن الحركة، ومن وقتها اضطر للجلوس علي كرسي متحرك.. يقول: محدش بيسأل فينا، فالرصاصة التي دخلت فخذي اليمني لم تحدث مشاكل بينما الرصاصة من ناحية اليسري بقت منها عاهة لن تزول أبداً، حيث تم تركيب جهاز لتثبيت مفاصل الساق وعلي حد كلام الأطباء المتابعين لحالتي الصحية فإنني أحتاج للسفر إلي الخارج لأن عملية تركيب مفصل في فخذي اليسري من الصعب إجراؤها في مصر لعدم إمكانية وجود جهاز لتركيب المفصل الذي أحتاجه لكي أقدر علي الحركة مجدداً وأنا أنتظر حالياً موافقة رئاسة الجمهورية التي تأخرت كثيراً. ويستكمل حديثه قائلاً: صندوق رعاية مصابي الثورة قال لنا اسألوا المستشفيات التي يمكنها معالجتكم وأبلغونا بالمستجدات وقلنا للصندوق إنها ترحب بعلاجنا وإجراء العمليات الجراحية التي احتاجها أنا وبعض المصابين ولكن لم يحدث شيء مما كنا ننتظره من المسئولين ومازلنا نعاني الأمرين من الإهمال واللامبالاة.. كفانا كلاماً ووعوداً مزيفة ظاهرها الشفقة والرحمة وباطنها العذاب والمرار، فأنا لم أقدر علي تحمل أعباء نفقات العلاج في الخارج في ظل ظروفي المعيشية الصعبة خاصة أن لي 10 أشقاء منهم 4 بنات متزوجات ولدي كل منهن ظروفهن الصعبة وهن «علي قد الحال» والباقي مازالوا صغاراً وفي مراحل تعليمية مختلفة. أمال عبدالعال «46 سنة» والدة المصابة «منة الله عبدالدايم» التي تبلغ من العمر 21 عاماً تقول: عاوزة اطمئن علي ابنتي بعد أن عملت أكثر من عملية في مستشفي قصر العيني الفرنساوي ولكن بلا نتيجة حتي الآن.. فقد حاولنا كثيراً مخاطبة المسئولين لسفر ابنتي التي تعاني من خرق بالطرف العلوي الأيسر نتيجة شلل بالضفيرة العصبية وخزل بالطرفين السفليين نتيجة كسر بالفقرات الظهرية، حيث إن حالة ابنتي تشكل عجزاً إصابياً بنسبة تزيد علي 50٪ وأطلب من رئاسة الجمهورية أن تستكمل علاجها في المركز الطبي العالمي حتي أطمئن علي حالتها الصحية، لأن حالتها في «قصر العيني» تتدهور يوماً بعد يوم، ومازالت تعاني أشد الألم والمعاناة.