يجيء فيلم «علي جثتي» للفنان أحمد حلمي وسط سيل من الانهيارات الاجتماعية والحياتية وتخبط واضح في القرارات السياسية وكأنه يلقي الضوء علي أشكال من اللامنطق تستبد بكل ما نملك - أو تحاول - ولأن الواقع له ألف وجه فإن الشك أيضا له مئات الوجوه - تدهمنا كل مرة علي نحو جديد. فإذا كان الإنسان مأخوذا بهذا الواقع ولن يستطيع أن يري إلا ما يدهمه منه رؤية الاضطراب أو التشتيت فإن السوي منه يسخر حياته للتحكم ولو ببعضه.. فالواقع هو في النهاية ما يفلح الإنسان في بلورته في مصغر رمزي تشع منه المعاني، وهذا المصغر لدي القاص أو الروائي إنما هو تكثيف للتفاصيل التي ينتقيها الكاتب انتقاء حذرا بارعا أشبه بانتقاء الشاعر للألفاظ والصور، وإذ نكون في بحر متلاطم من التجارب في بحر من الحياة يأخذنا الكاتب الي ما لا نراه، في جو من الفانتازيا ليدمج بين الحياة والموت، في فيلم «علي جثتي» يأخذنا الكاتب تامر إبراهيم الي أبعد من ذلك ليرصد افتراضا حذرا نحو رؤية الآخرين، في غيبوبة هائلة قد تكون الموت نفسه إذ نستشف أفكار ونيات هؤلاء وكأنهم كائنات شفافة غير أن الأمر الذي لا شك فيه هو أن الكاتب استحال عليه هجر اليقين الذي كان كلما يبدو جليا يذوب كالشموع وسط نيران الشك.. كاشفا عن خواء حقيقي تعيشه مصر التي كانت. «علي جثتي» أتخيل أنه ثلاثية جاءت مصادفة مع أحمد حلمي.. هو ثالث أفلام تنحو نحو تفجير الرؤي ما بين الحقيقة والوهم والذي قد يأخذ أحيانا شكل الغيبوبة المرضية أو المرض النفسي. قدم حلمي من قبله فيلمي «ألف مبرك» و«آسف علي الإزعاج»،والثالث يؤرخ لإنسان يرث صراعا مع كل ما حوله مع تقاليد أساسية ومع زملاء عمله ومع رفاقه في الحياة ومع زوجته ومع ابنه.. صراع يتصاعد حتي يكون بلا صدي وربما يعود حاملا معه رؤية نحو اللاعودة.. المخرج محمد بكير لم أر له من قبل أعمالا فنية وإن كنت أري أنه انطلق في هذا الفيلم الي محاور تؤهله أن يكون مخرجا مهما ذا صمة، أحمد حلمي دائما يقودنا الي طرق جديدة وكأنه ينقب عن ألغام. «علي جثتي» حديث الروح واللاروح.. حين تصير الرؤية غائمة والشك طاغيا علي اليقين.