لم يعد مقبولاً عند أى عاقل أن تتحول جرائم العقارات التى تنهار على رؤوس أصحابها إلى مواسم إعلامية لتداول تفاصيل هذه الجرائم وما أسفرت عنه من ضحايا ومصابين!، وتناول الصحف بالإحصاءات والأرقام ما ينتظر من العقارات المخالفة للانهيار على مزيد من الضحايا، ثم تناول المجتمع لهذه الكوارث بالرثاء، والأسى لأسر الضحايا والمصابين!، وأى عاقل يمعن النظر فى هذا الذى يحيط بنا كلما وقع حادث انهيار بمعدلات تتصاعد لن يجانبه الصواب إذا اقتنع يقيناً بأن هناك نوعاً من «التواطؤ» بين جهات عديدة تواصل إعداد هذه «الجرائم» بلا رادع حقيقى يجعلنا نودع هذا النوع من الجريمة الفاحشة التى جعلت من انحرافات البناء التى تتكرر وتنتهى بنفس النتائج المتوقعة والنهايات المفزعة بقاعدة ثابتة تؤكد أن أرباح هذه الجريمة المتكررة ومكسبها مضمون!، وفى مجال التفتيش فى ملابسات ووقائع هذه الجريمة بالذات والعناصر المتواطئة على ترتيبها وتنشيطها سيكتشف ان المتهم الأول فى قائمة المتهمين بها هو المحليات!، التى لم يعد فسادها خافياً على أحد!، ففيها ومنها يخرج الترخيص سواء للهدم أو البناء، والرخصة يعرف القاصى والدانى فى مصر أنها لا يمكن الحصول عليها بغير ما يدفعه طالبها «علاوة» لموظفى الأحياء المختصين بمنح الرخصة!، حتى إذا أصبحت هذه الرخصة لهدم أو بناء فى يد الساعى إليها بدأ هذا فى استخدامها بهمة بالغة ودون كلل كأنه يسابق الزمن ليسوى البناء المراد هدمه بالأرض أنقاضاً، أو يبدأ وضع الأساس اللازم للبناء وهذه المرحلة الأولية تحتاج إلى وقت يلزم حفر الأرض ورفع ناتج الحفر ثم يبدأ البناء لتكون عملية بناء العقار سريعة الوتيرة لاهثة، وحتى يرتفع البناء طبقاً للارتفاع الذى تنص عليه الرخصة، فإذا تم هذا رأى صاحب العقار أن يتجاوز الرخصة بتعلية أدوار مخالفة!، فيعمد إلى مواصلة البناء ليلاً، بناء على «نصيحة رجله فى الحى» الذى يطلب منه ذلك باعتباره بنى ولم يره أحد، وقد أصبحت الرخصة فى واقع الأمر مجرد مطية تسهل تعلية ما بعد الرخصة!، وهذا لا يتم بغير رعاية «رجل المالك فى الحى»!، وتبدأ بعد ذلك عملية بيع وحدات العقار للناس!. ولا يفتش أحد بعد ذلك على العقار «المعلى» الذى تم بناؤه!، ولكى تتم عملية بيع وحدات العقار فلابد لصاحبه من توصيل المياه والكهرباء!، ومع أن هذا «التوصيل» يلزم له بالضرورة اطلاع المسئولين فى مرفق المياه والكهرباء على الرخصة التى تسجل مخالفات العقار لها بتعلية عدد من الأدوار، فإن البدعة عندنا قد أدت إلى توصيل المياه والكهرباء إلى المبانى المخالفة!، ومالك العقار يهمه ذلك لتسهيل عملية بيع وحدات العقار، وبعد ذلك يقبض المالك ثمن وحدات عقاره، ولا ينسى تعمد تقسيم أسفل العقار إلى «زاوية للصلاة»، وعلى يمينها ويسارها تتراص المحلات التجارية بصرف النظر عن اختراق القانون الذى يلزم أصحاب القطارات بإنشاء جراجات للسيارات!، ثم يختفى المالك بعد ذلك لتنشأ عملية تشكيل اتحاد الملاك الذى سيدير العقار الذى لا يدرى أحد كيف تم بناؤه سوى مالكه الذى يعرف كم دفع حتى قام البناء!، وكيف يكون هذا الحساب وحده خصماً وتوفيراً فى مواد البناء وأنواعها!، فلا أحد راقب التنفيذ، وينهار العقار فجأة ليبدأ السامر الإعلامى فى الانعقاد لتغطية الحادث الفاجع!، ويبدو الأمر عند التحقيقات للبحث فى الملفات، التى تثبت عادة أن العقار قد صدرت له أوامر بإزالة بعض الأدوار دون أن تنفذ!، ومخالفات تثبت أن مواد البناء لم تكن مطابقة للمواصفات!، وأنه لابد من إزالة العقار بالكامل دون أن يعرف أحد من الذى عليه الإزالة بالتنفيذ الفورى!، والمالك يقول إنه ترك البناء للمقاول والمهندس فهو لا يفهم فى البناء، أما الغرامات المالية فى المحاضر المحررة فى العقار قبل انهياره فقد عرف المالك كيف يتهرب من سدادها!، ومن حرر المحاضر سيثبت حسن نيته فقد حررها وهذا عمله!، دون أن يكون من مهامه تحصيل قيمة المحاضر!، وهذا الذى كتبته مجرد درس بسيط فى أصول انحرافات البناء والجريمة الشائعة فى مصر ومكسبها مضمون!.