لم يكن حلم السيطرة على النظام التشريعى فى مصر مجرد خطوة عادية فى إطار سيناريو تمكين الإخوان المسلمين من الحكم، لكنه القاعدة التى انطلقت منها الجماعة نحو تحقيق أهدافها، بدأت الخطة من الإصرار على تحقيق الأغلبية البرلمانية بمجلس لشعب وهو ما حدث بالفعل، ولكن لم يدم الحلم طويلا فقضت المحكمة الدستورية العليا فى يونيو الماضى على الحلم التشريعى عن طريق الحكم بحل البرلمان وهو ما كان بمثابة ضربة قاضية للجماعة. وكان المجلس العسكرى فى ذلك التوقيت واعيا لأهمية التشريع فى مصر وأنه الطريق الأسهل للوصول إلى الأهداف فقام بعمل إعلان دستورى قبيل الإعلان عن نتائج انتخابات مجلس الشعب بساعات قليلة ليمنح نفسه صلاحيات التشريع حارما الرئيس من مجموعة صلاحيات وهو ما قوبل بالاستهجان من كل القوى السياسية وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين. ومع تولى الرئيس محمد مرسى الحكم بعد إعلانه رئيسا للجمهورية أصدر قراراً بعودة البرلمان «ذى الأغلبية الإسلامية» فى تحد للمحكمة الدستورية العليا والقوى السياسية، إلا أنه كان أمرا مرفوضا وتم رفع عدة دعاوى قضائية ضد قرار الرئيس حتى قضت محكمة القضاء الإدارى بتحويل الأمر برمته إلى المحكمة الدستورية العليا من جديد للبت فيه، لتحكم مجددا برفض قرار الرئيس واستمرار حل البرلمان. لم تيأس جماعة الإخوان المسلمين من هذا الأمر فجاء مخطط الإطاحة بالمجلس العسكرى واستغل «مرسى» فى سبيل ذلك أحداث رفح ومقتل 16 جندياً على الحدود المصرية مع إسرائيل، وبذلك تحقق نقل التشريع إليه. ووعد الرئيس بألا يستخدم هذا التشريع إلا فى إطار ضيق للغاية وهو ما لم يلتزم به حيث فوجئ الشعب فى نوفمبر الماضى بإصدار إعلان دستورى من جانب الرئيس مفاده تحصين قراراته، وتحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية للدستور والتى كان أمامها أيام قليلة فى ذلك الوقت وقاموا بحصار المحكمة الدستورية العليا ومنع القضاة من ممارسة عملهم وهو ما حدث بالفعل حتى تم تمرير الدستور الذى جاء بتعظيم دور مجلس الشورى الذى أصبح موازياً تماما لمجلس الشعب فى قراراته حتى إن رئيس المجلس بنفسه الدكتور أحمد فهمى «أحد أعضاء الجماعة» كاد أن يكرر كلمة الدكتور فتحى سرور الشهيرة «المجلس سيد قراره» فى إحدى الجلسات الأسبوع الماضى أثناء مناقشة قانون الانتخابات البرلمانية ولكن الأعضاء قاطعوه مما اضطره إلى أن يقول إن المجلس سيد رأيه بدلا من كلمة «سرور». ومع إقرار الدستور، تسلم مجلس الشورى «الغرفة الثانية من البرلمان» سلطة التشريع إلى حين انتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد «الغرفة الأولى للبرلمان المصري»، فى انتخابات ينتظر أن يتقرر موعدها بعد شهرين من إقرار الدستور، ليصبح منوطاً ب «الشورى» وضع عدد من التشريعات المهمة خلال الفترة الحالية ويصبح مجلس شورى «موازيا لمجلس الشعب». كما أن انتقال سلطة التشريع إلى المجلس ذى الأغلبية المنتمية إلى قوى الإسلام السياسى وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، ينقل ساحة الصراع بين الجماعة ومعارضيها من قوى وأحزاب وحركات التيار المدنى من الميادين إلى قبة المجلس، بعد أن نقل أعضاؤه جلساتهم من مقره الأساسى إلى مبنى مجلس النواب «الشعب سابقاً»، لضيق مساحة الأول عن استيعاب عدد أعضاء المجلس المنتخبين والمعينين بقرار رئاسي، حيث تدرك قوى المعارضة أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى لتمرير عدة تشريعات من شأنها أن تغير وجه الحياة فى مصر خاصة فى الجانب السياسي، منها قانون الانتخابات الجديد وتشريع مباشرة الحقوق السياسية، فضلاً عن التشريعات المتعلقة بالإعلام والحدين الأدنى والأقصى للأجور، كما يثير القلق أن تضع الجماعة وحلفاؤها من الجماعات والقوى والأحزاب السلفية تشريعات تكرس هيمنة قوى الإسلام السياسى على المشهد المصري، وأن تضع الجميع أمام سياسة الأمر الواقع، اعتماداً على نجاحهم فى تمرير دستور جديد للبلاد رغم كل الخلاف حوله. وعلى الرغم من ذلك، تدرك جماعة الإخوان المسلمين كل ما سبق، وبدا لقيادات منها أنها توشك أن تخوض الانتخابات المقبلة منفردة أو بمشاركة بعض التحالفات مع أحزاب صغيرة فى مواجهة تحالفات قوية للمعارضة أعلنت أنها ستخوض الانتخابات بقائمة موحدة وبرنامج انتخابى واحد، بهدف تحقيق أغلبية فى مجلس النواب تمكنها بحسب ما أعلنت قياداتها عن تعديل مواد الدستور، وتغيير أجندة القوانين التشريعية لتعمل لمصلحة المواطن المصرى وليس لمصلحة تيار بعينه، وتخشى جماعة الإخوان من أن تفقدها كل هذه التطورات أغلبيتها فى أول انتخابات تخوضها، لذا تعمل هى الأخرى على الدفع بجملة من التشريعات لتكريس هيمنتها والأجهزة التى صارت تابعة لها مفاصل إدارة استحقاقات مهمة كالانتخابات من جانب، أو للعمل على إنقاذ ما تبقى من شعبيتها عبر الدفع بتشريعات فى الجانب الاقتصادى من بينها مشروع قانون الصكوك الإسلامية ووضع تشريع منفصل أو ملحق بقانون البنوك ينظم عمل البنوك الإسلامية ويضع ضوابط للصيرفة الإسلامية تستند إليها المصارف فى تعاملاتها، بجانب إنشاء هيئة شرعية بالبنك المركزى تتولى الإشراف ومتابعة عمليات الصيرفة الإسلامية بما يضمن مطابقتها للشريعة، فضلاً عن سن قوانين منظمة للتمويل الإسلامى فى مصر من أجل فتح الطريق أمام البنوك ومؤسسات التمويل فى اقتحام هذا المجال. وفى الجانب السياسى، تعد الجماعة حزمة من التشريعات تتعلق بتنظيم حقوق التظاهر والتجمع السلمي، وقوانين لمجلس النواب «البرلمان» ومباشرة الحقوق السياسية والمحليات، فضلاً عن مكافحة البلطجة والحد الأدنى والأقصى للأجور، فضلاً عن فرض قيود على وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً فى ظل الهجوم المستمر من قبل قيادات الجماعة على الإعلام، فيما ترد الجماعة بتأكيد أن مجلس الشورى لن يصدر أى تشريع من دون إدارة حوار مجتمعى موسع بشأنه، وهو ما تنفيه المعارضة بالتذكير أن جميع جولات الحوار التى خاضتها الجماعة فى الفترة الأخيرة لم تكن سوى حوار بينها وبين حلفائها، وأنه حتى الحوارات التى كانت قوى فاعلة بالمعارضة طرفاً فيها سواء مع مؤسسة الرئاسة أو الجماعة لم يؤخذ بأى مما توصلت إليه من نتائج، وعلى العكس من ذلك جاءت الممارسات على أرض الواقع مخالفة لكل النتائج. وأبدى عدد من القوى السياسية استهجانهم لما يحدث من اقتناص لسلطة التشريع معتبرين «أن الرئيس من الإخوان، وأعطى سلطة التشريع لجماعته، وأنه بذلك لم يحدث تغيير، كما أن الشورى «ذا الأغلبية التابعة لتيار الإسلام السياسى» لم يشارك فى انتخابه سوى 7% فقط، ولا يستحق أن يشرع؛ لأن من انتخبوه لم يختاروه على أساس التشريع، ولهذا قاطعته قوى سياسية أخرى فضلا عن أن التعيينات الأخيرة بالشورى رفعت نسبة التيار إلى «الثلثين + 1»، أى ما يعنى أن أى قانون سيصدر لابد أن يوافق عليه الإسلاميون. يرى البدرى فرغلى العضو السابق بمجلس الشعب أن الإخوان سيطروا بالفعل على مجلس الشورى، مما يؤدى إلى كسبهم حق التشريع بهدف واحد هو تمرير قانون الانتخابات البرلمانية وحزمة من القوانين الأخرى التى تخدم أهدافهم، ويشير إلى أن الإخوان لعبوا للوصول إلى رغباتهم بذكاء، فهم أدركوا أهمية التشريع الذى جعل الدولة تسقط فى أيديهم ويسيطرون على كافة مفاصلها. ويوضح «فرغلى» أن سيطرة الإخوان على الشورى لا تمنع أن قوانينه باطلة لأنه فى الأصل باطل دستوريا نظرا لأنه بنى على قانون شابه البطلان، وأضاف: وإذا كان الدستور منحه قبلة الحياة فهذا غير مبرر لأنه دستور غير متفق عليه وطنيا وسياسيا خاصة أنه دستور يمثل فكر جماعة واحدة هى الإخوان، والأخطر هو حصار الجماعة للدستورية لمنعها من حل الجمعية التأسيسية وحل مجلس الشورى، أى أنهم منعوا صدور حكم ضد مبنى تشريعهم بالقوة المسلحة. ويقول «فرغلى» إن ما يصدر عن مجلس الشورى يعد قوانين محكومًا عليها بالإعلام مسبقا، مشيرا إلى أن قانون الانتخابات المعد حالياً من قبل المجلس وضعه ترزى القوانين الإخوانى وتم تفصيله على مقاس التيار الإسلامى، وبالتالى لم يأت باى قوى سياسية معارضة فى البرلمان القادم حتى تتمكن الجماعة من استكمال طموحاتها فى السيطرة على مصر. ويوضح الخبير السياسى فى معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية بمركز الأهرام نبيل عبدالفتاح أن الكارثة تكمن فى النظام القانونى ككل وهو ما يؤدى إلى غياب سياسة التشريع التى تنطوى على فلسفة تنظيم مجموعة من القوانين، وهذا الغياب من شأنه أن يؤدى إلى اضطراب فى الصياغة القانونية، والعشوائية وخضوع التشريعات للخطة السياسية التى لا تعبر عن المصالح المختلفة ولكنها تتبنى رؤية واحدة فقط، وغالبا ما تخدم النظام الحاكم على حساب المجتمع وهو حتما عملية تشويه للتشريع، ومن مضاعفات الأمر أنه لا يضع تصوراً للعلاقة بين الدين والتشريع وهى القضية الأساسية التى تواجه مجلس النواب القادم والشورى الحالى. وأكد «عبدالفتاح» أن مجلس الشورى الحالى أمامه أجندة تشريعية سيحاول تمريرها بسرعة الصاروخ للسيطرة على زمام الأمور فى مصر دون جدوى منها، فضلا عن أن أداءهم الراهن يؤكد غياب دراسة الثقافات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المجالات المختلفة وهو ما يؤدى إلى صدور قوانين غير مدروسة.