لا أعرف من الذى يفكر للدكتور عصام العريان؟، ولا من الذى يمده بأفكار القضايا التى يطرحها يوما بعد يوم فى وسائل الإعلام أو على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي؟، لكن على أية حال جميع الأفكار التي يطرحها العريان لها العديد من المميزات، الأولى أنها تشغل النخبة والإعلام وتصرفهم عن الأحداث الجارية على أرض الواقع، الثانية: أن هذه الأفكار تفتح منافذ فى جدار الرأي العام النخبوي، كما أن بعضها يخدم على أجندة الإخوان السياسية المستقبلية، ثالثا وهو الأهم أنك تشتم من بعض هذه الأفكار رائحة أجهزة مخابراتية أو أمنية. الدكتور عصام العريان طالب الأسبوع الماضى بعودة اليهود المصريين والعرب إلى بلدانهم، الدكتور العريان يرى أن الزعيم جمال عبدالناصر هو الذى قام بتهجير المصريين اليهود قسراً، وأن حكام بعض الدول العربية اتخذوا نفس المنحى، وهؤلاء اليهود العرب بعد طردهم سافروا إلى إسرائيل وأقاموا هناك على أراضى فلسطينية محتلة، الدكتور العريان توصل بفطنته العالية اللماحة إلى أن دعوة هؤلاء إلى العودة واسترداد ممتلكاتهم سوف يخلى المساحات التى يسكنون عليها فى الأراضى المدن والقرى الفلسطينية، وهنا يسترد الفلسطينيون أرضهم بعد رحيل اليهود العرب منها. هذه هى فكرة الدكتور العريان التى كلف بأن يطرحها إعلاميا لكى يشغل الرأى العام من ناحية، ولكى يمهد لتنازلات إخوانية سوف تقدم باسم مصر خلال الفترة القادمة، والفكرة لا تخلو من طرافة وسذاجة، كما أنها ليست بجديدة، حيث طرح البعض خلال السنوات الماضية فكرة عودة المصريين اليهود إلى مصر، واسترداد ممتلكاتهم التى تركوها عند رحيلهم بعد ان يقدموا ما يثبت ملكيتهم لها، وقد طرحت هذه الدعوات ليس من باب إخلاء المساحات التى يحتلونها من الأراضي الفلسطينية، بل من باب الحقوق، فالمصري اليهودى أو المسيحي أو البوذي من حقه أن يعيش في وطنه ويتمتع بكامل حقوقه المدنية، وتفكير بعض المصريين اليهود فى العودة إلى محل مولدهم وتربيتهم هو حق أصيل طالما لم يتورط فيما يشوش هويته وجنسيته ووطنيته المصرية، وبالطبع المغزى من الطرح هنا يختلف تماما عن الهدف الذى طرح من أجله العريان نفس الفكرة، لكن الذين لقنوا العريان فكرة العودة أفهموه أنه الحل السحرى لحل القضية الفلسطينية، حيث سيتركون مساحة محتلة، كما انها ستجعل الإسرائيليين يعاملون الفلسطينيين بالمثل، ويسمحون بعودة المهجرين والمطرودين منهم فى دول الشتات إلى مقر إقامتهم فى موطنهم المحتل، وهذا هو الجزء الساذج فى إعادة طرح الفكرة، لأن الكيان الصهيونى لم يقم أولا بتوطين المصريين والعرب اليهود فى المناطق الأهلة بسكان فلسطينيين، كما أن الدولة الصهيونية لن تسمح بعودة الفلسطينيين المهاجرين فى مقابل عودة اليهود العرب، لأنهم لو قبلوا بهذا المبدأ لقام كل يهودى بالعودة إلى موطنه فى الدول العربية أو الأوروبية وساعتها تهدم فكرة الدولة اليهودية وتمسح تماما من الخريطة، الدكتور العريان لم يدرك جيدا او أغفل الفكرة الأساسية التي أقيمت عليها دولة إسرائيل، وهى العودة إلى أرض الميعاد، وهذه الأرض التى اختاروها فى الشرق الأوسط قاموا بتجميع اليهود من بلدان العالم للإقامة بها وإخراجها إلى خريطة العالم، وهو ما يعنى أنهم لن يسمحوا لمن هم على قيد الحياة من اليهود العرب بتركها والعودة إلى بلدانهم، كما ان العرب اليهود لن يقبلوا بفكرتك يا دكتور عريان، لماذا؟، لأنه من غير المنطقى ان يقبلوا الحياة تحت مظلة نظام دينى ديكتاتوري، ثانيا: من المستحيل أن يقبلوا أن يعيشوا فى بلد هم فيه أهل ذمة أو أقلية وهم في دولة الميعاد، ثالثا: من المستبعد أن ان يقبل أى إنسان حر وعاقل ان يعيش فى مناخ يسمح بأفكار وفتاوى مثل التى تصدر ويصرح بها ياسر برهامى، وعبدالله شحاته، وعبدالله بدر، وأبوإسلام، وأبو حفص ، وام رجل مسلوخة، كيف سيعيشون مع من يأمر اتباعه باسم الله ورسوله بعدم تهنئتهم فى الأعياد، أو تحيتهم فى الطرقات، ان يعينهم فى الطوارئ، أن يعيدهم فى مرضهم، ان يشاركهم فى العمل. على أية حال يتبقى من الفكرة التى لقنوها للدكتور العريان وأمروه بطرحها أمران، الأول مصدرها، والثاني توقيتها، من حيث مصدر الفكرة لا أظن أنها من بنات أفكار العريان، ولا من صنيعة مكتب الإرشاد، لأن الذى يدلنا عنهم يؤكد قلة خبرتهم وضعف تفكيرهم، وأغلب الظن أنها طرحت فى هذا التوقيت لشغل الرأى العام وتخفيف الضغط عن دستور الجماعة، وانصراف الأنظار عن الدكتور مرسى وفشله الإقتصادى والسياسى لفترة.