حالة من الغليان تسود الأسواق الآن بسبب موجات ارتفاع الأسعار المتتالية ومن المتوقع أن تزيد خلال الأيام القادمة بسبب انهيار الجنيه المصري.. موجة الغلاء التي يعيشها المصريون الآن شملت كافة المرافق والخدمات والسلع الغذائية وغير الغذائية، وباتت شواهدها ودلائلها واضحة المعالم في كافة القطاعات تقريباً. شهدت السلع الغذائية ارتفاعاً ملحوظاً خلال 12 شهراً، وتزايدت في الفترة الأخيرة، ووفقاً لتقرير الغرف التجارية ارتفعت أسعار زيوت الطعام بأنواعها بنسبة تتراوح بين 10 و30٪، والمسلي والألبان ومنتجاتها ما بين 4 و8٪، والزبادي 20٪. ورغم حالة الركود في أسواق الجملة، إلا أن أسعار الخضراوات شهدت ارتفاعاً لا يتفق مع احتياجات المواطنين، واختلفت آراء المواطنات حول أسعار الطماطم، فالبعض يراها مرتفعة رغم استقرارها عند سعر جنيهين للكيلو في الأسواق الشعبية، وتراها أخريات مناسبة في ظل ارتفاع أسعار الخضراوات التي تعتبر أساسية في البيت المصري، ومنها السبانخ التي وصل سعرها إلي خمسة جنيهات للكيلو، والباذنجان خمسة جنيهات، والفاصوليا والكوسة 4 جنيهات، وارتفع سعر الكرنب - الوجبة الشتوية التي يعشقها المصريون في الشتاء - ليصل إلي 15 جنيهاً للواحدة. واستمرت شكاوي المواطنين من ارتفاع أسعار الزيت والسكر التي تختلف حسب الأنواع، بل والمناطق التي تباع فيها، لكن وصل متوسط سعر لتر الزيت «العادي» إلي 9 جنيهات، وتتراوح الأنواع الفاخرة بين 12 و13 جنيهاً، أما السكر فيتراوح سعره بين 5 و5.5 جنيه للكيلو، وسعر كيلو الأرز في المتوسط 5 جنيهات، وتصل بعض الأنواع إلي 6.5 جنيه للكيلو، وتتأرجح أسعار الدواجن بين صعود وهبوط بمعدل جنيه أو أكثر في بعض المناطق، لكن في المتوسط يباع كيلو الدجاج البلدي بسعر 18 جنيهاً، والدجاج الأبيض ب 13.5 جنيه، أما البانيه فسعره 33 جنيهاً. وتنوعت أسعار اللحوم الحمراء لتصل في المتوسط إلي 65 جنيهاً للكيلو، وتباع بعض الأنواع ب 80 جنيهاً وتوجد أنواع أخري في الأسواق الشعبية ب 50 جنيهاً. ومن الملاحظ وجود اختلاف كبير بين أسعار التجزئة والجملة، خاصة فيما يخص الخضراوات والأسماك.. فقد شهدت أسعار الخضراوات في سوق 6 أكتوبر للجملة ارتفاعاً في كثير من الأصناف وتلاه ارتفاع في أسعار التجزئة بفارق جنيه أو جنيهين علي الأكثر.. وتراوحت أسعار الطماطم الجملة بين 40 و60 قرشاً والبطاطس بين 160 قرشاً وجنيهين، ووصل سعر الخيار إلي 190 قرشاً، والفاصوليا إلي ثلاثة جنيهات، والكوسة ب 3.5 جنيه، ووصل سعر كيلو السمك البلطي في سوق العبور للجملة إلي 11 جنيهاً ويباع في أسواق التجزئة بأسعار تتراوح بين 15 و17 جنيهاً، أما السمك البوري فيباع بسعر يتراوح بين 25 و27 جنيهاً، حسب الحجم.. ويتراوح سعره في المحلات بين 30 و33 جنيهاً. ولهذه الأسعار أثرها السيئ علي ربات البيوت اللاتي أعربن عن سخطهن بسبب ارتفاع الأسعار التي فاقت الحدود.. وقالت صفاء إبراهيم، من شبرا: إن الأسعار «غالية علينا» ورغم أن الطماطم «رخيصة» وسعرها جنيهان، إلا أن أي صنف خضراوات آخر يباع بخمسة جنيهات، فضلاً عن الأرز واللحم، وأكدت أنها تشتري كيلو اللحم البلدي «الكبير» ب 55 جنيهاً، وينقص وزن اللحم مع استمرار الغليان علي النار، لذلك لا تكفي الأسرة. وأعربت سماح محمد، من فصيل، عن قلقها من ارتفاع الأسعار، وقالت: إن الوجبة الواحدة تتكلف أكثر من 100 جنيه أي أنها تساوي نصف المعاش الذي أحصل عليه، وصرحت بمخاوفها هي وجارتها من موجة ارتفاع أسعار جديدة، لأنها سمعت في التليفزيون أن الجنيه المصري «أصبح مالوش قيمة أمام الدولار»، وفهمت من المتحدثين أن الحكومة تنوي رفع الأسعار مرة أخري، حتي الكهرباء والغاز اللذان ارتفعا بالفعل، وقالت: إن آخر فاتورة كهرباء تم تحصيلها منها هي 100 جنيه رغم أنها «فصلت السخان» كي تخفض الاستهلاك. وقالت حميدة حسين، من 6 أكتوبر: إنها تحصل علي راتب زوجها العامل كله وقدره 350 جنيهاً.. وتساءلت: كيف أطبخ منه لأطفالي الخمسة وأدفع فواتير الكهرباء لشقة عبارة عن حجرة واحدة، والفاتورة تأتي ب 70 جنيهاً؟ صرخات النساء في الأسواق تؤكد أنهن يعشن أزمة حقيقية بسبب توالي ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمرشحة للزيادة في الفترة القادمة. أكدت فاطمة عيسوي - إحدي ربات البيوت - أن استمرار ارتفاع أسعار الطعام يؤدي بملايين المصريين إلي جوع حقيقي، خاصة مع عجز كثير من الأسر عن شراء احتياجاتهم اليومية.. وقالت: إنها تحصل علي معاش شهري عن زوجها المتوفي يبلغ 400 جنيه، وتدفع منه إيجار السكن وقدره 150 جنيهاً، ولا يتبقي لها سوي 250 جنيهاً.. وتقول: إن الكهرباء ستزيد مرة ثانية وأسطوانة البوتاجاز خارج بطاقة التموين ب 30 جنيهاً، أي أنها يمكن أن تصل إلينا ب 50 جنيهاً، ومش كل الناس معاها بطاقة تموين، مثل اختها وزوجها «الصنايعي».. أضافت فاطمة: إن الحكومة لا تشعر بالغلابة ولا تنظر لأحوالهم بل علي العكس تبذل كل جهدها لرفع الأسعار وتفريغ جيوب الناس وهي أصلاً خاوية! والمشكلة الكبري أن الأسعار مرشحة للزيادة في الفترة القادمة، وهو ما حدث من شعبة البقالة والمواد التموينية لأننا نستورد نحو 80٪ من المواد الغذائية لتغطية الاستهلاك المحلي، ومن أهم السلع المرشحة للزيادة في الأسعار، الزيت والسكر والألبان والحبوب والدقيق.. وأكد الخبراء أن زيادة الأسعار لن تقل عن 20٪ بنفس قيمة انخفاض الجنيه والدولار، وسط مطالبات بمساندة ودعم الإنتاج المحلي من السكر تحديداً. انشغلت حكومة «قنديل» بزيادة الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والغاز علي مراحل، وتواجه مصر كارثة انخفاض المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، ووفقاً لتقرير البنك المركزي في أكتوبر الماضي كان احتياطي النقد الأجنبي لشراء السلع الأساسية يكفي لمدة 93 يوماً فقط، أي أن الاحتياطي يسد حاجة البلاد من السلع الأساسية لمدة ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، أي أننا أوشكنا علي إنهاء الاحتياطي خلال الفترة القليلة المقبلة، ورغم هذا يصر وزير التموين علي أن الحديث عن انتهاء الاحتياطي من السلع مجرد شائعات وأن مخزون القمح يكفي لمدة 6 أشهر، والسكر حتي فبراير، مؤكداً أن لدينا احتياطي من الزيت التمويني يبلغ ما مقداره 105 آلاف جنيه وزيت حر 155 ألفاً و7 ملايين من الأرز! ويؤكد خبراء الاقتصاد أن انهيار الجنيه المصري أمام الدولار ينذر بارتفاع الأسعار المحلية نتيجة الاعتماد علي الاستيراد، وبالتالي يواجه الموردون صعوبة في شراء السلع الخام اللازمة للإنتاج المحلي والسلع الغذائية، خاصة مع وجود فجوة بين العرض والطلب تصل إلي 30٪، واضطرت الشركات إلي اللجوء للدولار للشراء من عملائها. يأتي هذا متزامناً مع أزمة ستواجهها الحكومة في الفترة القليلة القادمة بسبب ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية عالمياً، مما يستوجب زيادة مخصصات دعم السلع وتوفير ما يقرب من 15 مليار جنيه لتعويض فروق الأسعار العالمية في السكر والقمح والذرة - وفقاً لخبير الاقتصاد الدكتور حمدي عبدالعظيم - مؤكداً ضرورة اتخاذ التدابير السريعة اللازمة لتغطية احتياجات المواطنين الأساسية دون تحميلهم أعباء ضريبية أو تحميلهم فروق ارتفاع الأسعار. هناك جانب آخر من ارتفاع الأسعار يتعلق بخامات التغليف، ومنها البلاستيك ومواد أخري يتم استيرادها من الخارج ستؤدي إلي زيادة سعر المنتج النهائي في السوق، ومن المنتظر أن تصل الزيادة نتيجة ذلك إلي 10٪ ويشمل ذلك الدواء، وهنا ستكون الزيادة في اتجاهين، اتجاه المادة الخام المكونة للمنتج، واتجاه زيادة سعر عبوة التغليف، وكل هذا يتحمله المواطن. حالة الغلاء يلازمها حالة من الركود في الأسواق، وإن كان ذلك لا يبدو واضحاً في حالة المواد الغذائية، ويظهر الركود في أسواق أخري كالملابس، ومن أهم ملامحه خلو الأسواق والمحلات من المشترين، مما دفع المسئولين في شعبة الملابس الجاهزة بالغرفة التجارية إلي اتخاذ قرار ببدء الأوكازيون مبكراً، أملاً في تحريك السوق، وبعد أن كان مقرراً أن يبدأ في شهر فبراير تم تبكير الموعد لشهر يناير «بشكل غير رسمي» وبعيداً عن قرار الوزارة، وذلك لأن أصحاب محلات الملابس يصرخون من فواتير الكهرباء والضرائب ويعانون من توقف حركة البيع والشراء، ولذلك وافقوا علي بدء الأوكازيون مبكراً. أكد أصحاب المحلات بوسط البلد أن عملية البيع لا تتجاوز 10٪ منذ بداية موسم الشتاء، وفي هذا «خراب بيوت» للمحلات، وأضافوا: ندفع مصروفات المحل من جيوبنا دون بيع أي بضائع، وذلك كله أملاً في أن يشجع الأوكازيون الزبائن علي الشراء، خاصة أن التخفيضات ستكون حقيقية، لأن استمرار توقف المحال ينذر بإغلاقها تماماً وتوقف نشاطها.