عشاق الطرب مازالوا يعيشون على أعمال الكبار تراجع السعادة بسبب تراجع الفن لم نتخيل يومًا أن يصل حال الغناء إلى هذا التدنى الإنترنت جعل كل من هب ودب يتصور نفسه مطربًا أدركت أن دخول بوابة مجد الغناء فى أغنية وأن السقوط فى هاوية التاريخ سببه أغنية، فاجتهدت حتى أصبحت منذ أول إطلالة ومسمع عفاف راضى ذات الصوت الدامى التى غنت أغانى شعبية تشعر فيها بدفء وونس الحارة المصرية التى يمثلها أبناؤها الطيبون، وليس الخارجين على القانون والجمال، وهى تجتهد فى حاضرها كى تجد أملاً لحال الأغنية التى أظلم قمرها وصارت بفعل فاعل حالة من الضجيج المفتعل، وصار الأمل فى إصلاح حال الغناء فى حجم ثقب ابرة بعدما تشوهت أجيال وراء أجيال وصار الغناء الجميل كأنما اصطدم بصخرة فهوى. سألتها: هل كنت تتصورين أن يصبح حال الفن كما هو الآن؟ - باستثناء مجهودات فردية تحاول بكل جهدها أن تقدم فنا جميلاً، لكنه بعد رحيل من كانوا يملون الساحة فنًا رائعًا أمثال «عبدالوهاب» و«بليغ» و«الطويل» و«الموجى»، أصبحت الساحة خالية خاصة أنهم علامات لا تتكرر وصعب أن يجود الزمان بأمثالهم، فقد لونوا سماء الأغنية بنجوم أغنياتهم المتلألئة والتى مازال الذين يسمعون يعيشون عليها، وقد كنا فى هذا الزمان وبينهم لا نتصور مطلقًا أن يصبح حال الفن على ما هو عليه الآن من قبح وركاكة وسرعة انتشار فى ذات الوقت، لقد كنت أنا ورفاقى من كبار الموسيقيين فى لجان الاذاعة والتليفزيون وما كنا نسمح بمثل هذه الأعمال الساقطة أن تصل للناس فتشوههم وتخلق منهم مسخًا، إن تأثير الفن شديد الخطورة وما السعادة التى تقلصت فى صدور الناس إلا بسبب اقصاء الفن الجيد والسماح لمروجى الضجيج بالظهور والانتشار فصاروا مثلاً يحتذى لدى الصغار، وإذا لم نلتفت إلى خطورة هذه النماذج فإن أجيالاً بأكملها ستتأثر سلبًا بهذه الظواهر التي تستفحل وتشوه صوت مصر الجميلة، وأنا بدورى اتساءل أين حق ونصيب الموسيقى والغناء من هذا، مع أن الفن هو صورة مصر وقوتها الباقية على مر الزمان والتى هى أعظم دعاية للأوطان فى مواجهة الظلم والقهر والقبح الذى يصيبها. ما هى الأزمة التى تواجه الفنان الحقيقى الآن؟ - تتمثل أول ما تتمثل فى تراجع الانتاج فلا الدولة تنتج فنًا كما كان فى الماضى، والشركات كلها باستثناءات قليلة أغلقت أبوابها، وكانت حركة الانتاج فى الماضى تفرز فنًا وفى ذات الوقت تجعل الكل يربحون ولا تذاع أعمال جيلنا إلا قليلاً. هل ساهم النت إيجابا أم سلبا فى نشر الفن؟ - الايجابيات أنه جعل الانتشار سريعًا لكنه جعل كل من هب ودب يتصور نفسه مغنيًا، وصعّب عملية الانتاج على المنتج لأنه يجعل الأغنية متداولة ولا يربح منتجها. هناك أغنيات كثيرة لا تذاع لكِ ولسائر نجوم الأغنيات أيضا؟ - هذا صحيح، فنحن نملك رصيدًا كبيرًا من الأغنيات سجلناها عبر تاريخنا ولا يذاع منها إلا القليل وسائر المحطات الفضائية فى الوطن العربى لا تذيع ولا تبث هذه الأغنيات رغم روعتها وعبقرية كتابتها وتلحينها وتوزيعها وتنفيذها وغنائها أيضا، وهذا التجاهل للفن الحقيقى يخلق أجيالاً لا تعرف ولا تستطيع تذوق الجمال خاصة وأن ما يملأ أذنها قبحًا متصاعدًا فى قبحه يزداد باستمرار، وعلينا أن نذكر أن مصر طوال تاريخها كانت لها الريادة الفنية من «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» و«عبدالحليم» ومن جاء بعدهم وكذلك فى سائر أشكال الفنون، فأين نحن الآن من ذلك كله، والفن الفردى الآن يتيم فى ظل تجاهله. ما هى الآلة التى تجيدين عزفها؟ - أعزف على البيانو، وكان هو أول دراستى الموسيقية فى معهد الكونسرفتوار ثم كانت دراستى الصوتية فى الغناء الأوبرالى الذى اكتشفت فيه فنا جميلا وقد أضفى على صوتى ليونة واقتدارًا ثم جاءت دراسة الغناء العربى فى المعهد على يد الموسيقار رياض السنباطى فعلمنى الموشحات والأدوار ثم أخذ المعهد قرارًا بحتمية التخصص إما الغناء الأوبرالى أو العربى فكلاهما يتعارضان فى طريقة الغناء وبعد حيرة طويلة قررت مواصلة دراسة الغناء الأوبرالى وقلت سأعوض دراستى للغناء العربى فى المعهد بسماع الأسطوانات، ففى الغناء الأوبرالى أستطيع أن أحضر خبيرًا روسيًا يدرس لى ومناهجه متدرجة فى التعليم، وكذلك العربى استطيع مواصلته فى دروس خاصة، لكننى كنت استرق السمع لأسمع حصص الموسيقار رياض السنباطى، ثم استمع إلى الأخوين رحبانى فى زيارتهما للمعهد وسمعانى وأنا أغنى أوبرا وقلت لهما أيضا أغنى عربى فسمعانى فى الفندق إذ كان محرمًا علينا الغناء العربى ما دمنا قد اتخذنا طريق الغناء الأوبرالى. لماذا لم يكن هناك استثمار لقدرتك على الغناء الأوبرالى فى الأغنيات العربية؟ - نحن كنا نغنى ما يقدمه لنا الملحنون الذين كانوا يرون فيما غنيته أفضل شكل. سمع عني «بليغ»، وقال أريد عفاف راضى لأن لدى أفكارًا جديدة تصلح لها، وكنت ذات يوم فى حفل بالجامعة الأمريكية بين زملائى فوجدت أخى ماهر الذى أبلغنى أن الموسيقار بليغ حمدى يريد مقابلتى فذهبنا إليه أنا وأخى إلى الاستديو فغنيت له قطعة من أوبرا وموشح علمه لى «السنباطى» وكذلك أحدى الأغنيات الرحبانية فقرر تبنى صوتى، ولحن لى أغنية «ردوا السلام» وجعلنى أشارك عبدالحليم بها فى أول حفلة لي فى أبريل 1971 وقرر «بليغ» قيادة الفرقة بنفسه وكانت فى مسرح سينما ريفولى، وشاركت عبدالحليم فى كل حفلاته داخل وخارج مصر وقد قدم لى «بليغ» عقد احتكار مع شركة صوت الفن التى كان يمتلكها عبدالحليم حافظ والموسيقار محمد عبدالوهاب ثم قدم لى بليغ عدة أغنيات مثل هوى يا هوى، وتساهيل، والنبى ده حرام، وكله فى الموانى، ولمين يا قمر التى كانت «تتر» لمسلسل وأيضا «سلم سلم» كانت فى مسلسل يذاع فى رمضان وكان الاستماع كبيرا من قبل الجماهير فى هذا الشهر الفضيل. وكان «بليغ» يحب المسرح فجاءت عملي بمسرحية سياسية وهى «ياسين ولدى»، وكانت اخراج كرم مطاوع وكان فيها شكرى سرحان وتحية كاريوكا، وكان «بليغ» يقود الفرقة الموسيقية كل يوم ثم تواصلت الأعمال مع كمال الطويل الذى سجل لى أولى أغنياتى فى استديو 46 وحفظت أول ألحانى فى الاستديو وسجلته وهو الباقى هوه الشعب. وكان بمصاحبة الفرقة الماسية. وكانت أغنية ثورية وكان عبدالحليم حافظ هو المقرر أن يغنيها فاعتذر عنها لأسباب سياسية ثم منعت وقتها بعد اذاعتها مباشرة ثم قدم لى أغنية «مصر هيه أمى» و«حبك أصيل» وسجلتهما فى وقت واحد وصورتهما فى يوم واحد. ثم قدم لى منير مراد أغنية «ابعد يا حب» التى كانت موسيقى ثم كتب عليها مرسى جميل عزيز كلماتها التى كانت مقنعة جدًا. و«الموجى» الذى لحن لى «عوج الطاقية» وتواصلت أعمالى مع ملحنين آخرين. لماذا لا نسمع الآن أغنيات أطفال جديدة رغم تجديد الحاجة إليها بسبب ظروف العصر؟ - هذا صحيح، فقد قدمت مع «ماما سميحة» فى بداية مشوارى أغنيات للأطفال ثم قدمت بعد ذلك عدة أغنيات، لكن الأزمة لاتزال أزمة انتاج رغم أن الأغنية هى التى تربى وتعلم وتمتع.