لم تعرف مصر طعم الوحدة بعد ملحمة 25 يناير إلا فى خطاب تنصيب الرئيس محمد مرسى الذى لم يبخل على شعبه وأهله وعشيرته المتعطشين للحرية بأى من عبارات نبذ الفرقة وتوحيد الصفوف، وساعتها ركب من ركب سفينة «مرسى» لينقلنا من الفوضى غير الخلاقة إلى واحة الديمقراطية الموعودة، واستبدلنا أغنية «اخترناك.. اخترناك» التى خدرتنا فى عصر مبارك المخلوع بلحن «انتخبناك..انتخبناك» لعلنا نفيق على عهد جديد.. هكذا تصورنا حالنا بعد ثورة يناير، أليس من حقنا أن نصدق قيادتنا ولو لمرة واحدة، خاصة إذا صدرت الوعود والعهود من أول رئيس منتخب. تعالوا نخرج قليلا من المشهد الراهن الذى يمزق أوصالنا ووحدتنا ويغرقنا جميعا بطوفان لا تفلح معه سفن الاخوان ولا قوارب الأصدقاء والأعداء، لنقف لحظة مع خطاب تنصيب الرئيس مرسى ونطالبه بتنفيذه، بل نعتبره مبادرة ووثيقة رئاسية للخروج من الأزمة الراهنة التى هبت علينا فى غفلة من قبل مؤسسة الرئاسة، الرئيس مرسى قال وبالحرف الواحد، فى أول كلمة وجهها للأمة بعد فوزه بانتخابات الرئاسة: أتوجه إليكم جميعا فى هذا اليوم المشهود الذى أصبحت فيه بعد فضل الله بإرادتكم رئيسا لكل المصريين وسأكون لكل المصريين على مسافة واحدة، لكل قدره ومكانته لا يتميزون إلا بقدر عطائهم لوطنهم واحترامهم للدستور والقانون، مصر التى أبهرت العالم بثورتها وتضحيات شبابها التى أبهرت العالم بطوابير ناخبيها وحرص أبناء الوطن على الوقوف فى طوابير أمام لجان الانتخابات سواء فى الإعلان الدستورى فى مارس 2011 أو انتخابات مجلس الشعب فى نهاية 2011 أو انتخابات مجلس الشورى فى أوائل 2012 أو انتخابات الرئاسة فى جولتيها التى انتهت يوم 17/6/2012 ونحتفل اليوم بنتائجها ونحترم هذه النتائج. إن مصر فى حاجة الآن إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة حتى يجنى هذا الشعب العظيم الصابر ثمار تضحياته فى العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية وهى الشعارات الأساسية والأهداف الاساسية التى انطلقت بها حناجر الثوار فى كل ميادين مصر فى 25 يناير 2011، والتى لا تزال هذه الحناجر تعلنها قوية فى كل مشاهد الثورة المستمرة حتى تتحقق كل أهدافها معا نستكمل هذه المسيرة. لقد صبر الشعب المصرى كثيرا من قبل وعانى من المرض والجوع والظلم والقهر والتهميش وتزوير الإرادة والانتخابات حيث كنا ننظر حولنا فى العالم ونقول متى يصبح شعب مصر هو مصدر السلطة؟! واليوم أنتم مصدر السلطة كما يرى العالم كله فى هذه الملحمة والمنظومة العظيمة التى نمر بها بمصرنا إلى الخير والغد الأعظم والأفضل إن شاء الله. إننى فى هذه اللحظة التاريخية والكلام متواصل للرئيس مرسى أدعوكم أيها الشعب المصرى العظيم، أهلى وعشيرتي، لتقوية وحدتنا الوطنية الشاملة ولتمكين الأواصل بيننا، فنحن جميعا مصريون وإن اختلفت اجتهاداتنا، ونحن جميعا وطنيون وإن اختلفت أحزابنا وتياراتنا، ونحن جميعا أوفياء للثورة ولدماء الشهداء.. لا مجال للغة التصادم ولا مجال للتخوين بيننا». إن هذه الوحدة الوطنية هى السبيل الآن للخروج بمصر من هذه المرحلة الصعبة والانطلاق نحو مشروع شامل نحمله جميعا، لنهضة وتنمية مصرية حقيقة ولتوظيف حقيقى لكل مواردنا.. مواردنا كثيرة والحمد لله، ونعم الله علينا كثيرة، ولكنها وكما تعلمون أهدرت وأسيئت إدارتها، ونحن اليوم بصدد إدارة هذه الموارد، بما يحقق المصلحة لنا جميعا إن شاء الله. أدعوكم إلى الانطلاق نحو مشروع شامل لنهضة مصرية بسواعد كل المصريين.. إننا كمصريين مسلمين ومسيحيين دعاة حضارة وبناء كذلك كنا، وسنبقى إن شاء الله كذلك.. سنواجه معا الفتن والمؤامرات التى تستهدف النيل من وحدتنا الوطنية وتماسكنا الاجتماعي، كما صنعنا معا ثورة يناير المجيدة، بل وأصر معكم وبكم على إبهار العالم مجددا بنهضة مصرية إن شاء الله تحقق الكرامة والاستقرار والرخاء والعيش الكريم لكل مصرى حر آبى على أرض مصر، إننى عازم معكم وبكم على بناء مصر الجديدة الدولة الدستورية الوطنية الحديثة، وسيكون كل وقتى فى العمل لهذا المشروع الكبير وفق هويتنا ومرجعياتنا. وفيما يخص استقلال السلطة القضائية التى نسفها الإعلان الدستورى الأخير، قال الرئيس مرسى «نصا» فى خطاب التنصيب: تحية واجبة أيضا لجميع قضاة مصر الذين أشرفوا على انتخابات مصر الثورة وحتى الذين لم يشرفوا, فقضاة مصر جميعا محل تقدير واحترام وحب, وهم السلطة الثالثة التى يجب أن تبقى دائما كما كانت شامخة مستقلة تمتلك ايرادتها وتنفصل عن السلطة التنفيذية وهذه مسئوليتى فى المستقبل أن يكون قضاة مصر مستقلين عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. هذا ما جاء فى خطاب تنصيب الرئيس مرسي، والمفترض أنه وثيقة عهد والتزام مع شعبه قبل عشيرته، ونحن لا نطلب أكثر من الوفاء بهذا العهد لأننا نتعامل مع وثيقة رئاسية وليس حديث «فض مجالس»، وهذه الوثيقة لم تتحدث من قريب أو بعيد عن مسيرات طائفية ولا دساتير غير توافقية ولا مشانق نقابية أو مذابح قضائية، وبعيداً عن هذا وذاك أتصور أننا بحاجة إلى دستور توافقى يلبى طموحنا ويدعم مسيرتنا، لا استفتاء يمزق صفوفنا ووحدتنا.. وعلينا أن نختار قبل فوات الأوان ولك الله يا مصر.