الحياة الطيبة مطلب كل إنسان، يسعى لتحقيقها في بيته وعمله، ويريد أن يجدها بين أهله ومع أصدقائه، فهي سعادة يشعر بها المرء، فيكون من أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا؛ تملأ الطمأنينة قلبه، وتغمر السكينة جوارحه، يتقلب في نضرة النعيم، يهنأ بصفاء الخاطر، وراحة البال، وذلك لما تشمله الحياة الطيبة من أسباب الراحة كلها. فما هي أسباب الحياة الطيبة؟ إن الإيمان بالله تعالى من أعظم أسباب الحياة الطيبة ، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، ويشرح له صدره، ومن استقر الإيمان في قلبه، وأحسن عمله؛ أكرمه الله تعالى بالحياة الطيبة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة، قال عز وجل:( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب). أي: تطيب حياتهم، فهم يستشعرون قيمة وقتهم، فيعمرونه بطاعة ربهم سبحانه، ويحافظون على صلاتهم، ويجدون فيها سعادتهم وراحتهم، قدوتهم في ذلك سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل :« يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها». فبالصلاة وذكر الله تطيب النفوس، قال سبحانه:( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ومن ذكر الله تعالى قراءة القرآن الكريم، فتلاوته وتدبر معانيه من أسباب الحياة الطيبة، قال سبحانه:( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى). فكلما أقبلت على كتاب ربك تتلو آياته ازداد لسانك طيبا، ونفسك طمأنينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب. بهذا بدأ الدكتورابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول الحياة الطيبة ،وأضاف قائلا:ان من أسباب الحياة الطيبة؛ الكسب الحلال، قال تعالى:( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون). ومن تقوى الله عز وجل في طلب الرزق أن يتحرى المرء الإتقان في عمله، والأمانة والصدق في تعاملاته، فتطيب حياته، فإذا زكى قبلت زكاته، وإذا تصدق ضاعف الله سبحانه له أجر صدقاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل». والفلو هو المهر الصغير، وإذا كنت يا عبد الله قانعا بما رزقك الله تعالى من الحلال الطيب، راضيا بما قدره لك، ورزقك إياه، استراحت نفسك، وطاب عيشك، يقول رسول اللهصلى الله عليه وسلم :« طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع». والقناعة من معاني الحياة الطيبة وأسبابها، وهي كنز لا يفنى. ومن أسباب الحياة الطيبة الهانئة؛ الأسرة السعيدة، قال تعالى:( والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات). أي: الطيبات من النساء للطيبين من الرجال. فما أطيب حياة الأسر التي تبنى على طاعة الله تعالى، وتسود فيها قيم المودة والرحمة، وتكتمل سعادتها بالذرية الصالحة، فالأولاد ثمرات الفؤاد، وفلذات الأكباد، وزينة الحياة، ذرية مباركة طيبة، فقد توجه سيدنا زكريا عليه السلام إلى الله تعالى بطلب الذرية الطيبة، وتضرع بين يديه بالرجاء فقال:( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء). و(ذرية طيبة) أي: نسلا صالحا مباركا. وبذلك تكتمل الأسرة الطيبة، المتماسكة السعيدة، وتعيش في مودة، وتنعم بالرحمة والمحبة، والاستقرار والأمان، والتآلف والإحسان. إن تقديم الإحسان إلى الناس من صور الحياة الطيبة، والسعادة الغامرة، تشعرون بها عند كل لمسة وفاء، وصنع معروف، وكلمة طيبة، كيف لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم « الكلمة الطيبة صدقة». يقبلها الله تعالى، ويفتح لها أبواب السماء (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). والكلمة الطيبة تزرع لك في قلوب الآخرين محبة، وتغرس لك في نفوسهم مودة، فإن أثرها ثابت، وأجرها في السماء صاعد، قال تعالى:( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون). فإذا اعتاد اللسان أن ينطق بالطيب من القول، والعذب من الكلام؛ فإن صاحبه يكون بين الناس محبوبا، والتعامل معه مرغوبا، فيسعد في حياته، ويهنأ عيشه، ويعم على الناس خيره، وتزداد به البركة في وطنه، قال عز وجل:( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه). فنحمد الله تعالى أن رزقنا حياة طيبة في وطن طيب، أكرمه الله عز وجل بقيادة رشيدة حكيمة وخيرات وفيرة، بلدة طيبة ورب غفور. واوضح الدكتورابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب:إن أهم ما نتواصى به تقوى الله عز وجل، والمبادرة إلى تحصيل أسباب الحياة الطيبة، فالذين يعملون الصالحات تطيب حياتهم في الدنيا، وفي الآخرة يدخلون الجنة يتنعمون فيها، ولهم فيها مساكن طيبة، قال الله عز وجل:( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم). حليهم في الجنة من الذهب واللؤلؤ، وثيابهم فيها حرير، ويهديهم الله تعالى إلى الكلام الطيب، كما كان كلامهم طيبا في الدنيا ( وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد). فمن أنعم الله تعالى عليه بحياة طيبة في الدنيا يتولاه عز وجل بحياة أطيب وأكرم منها في الآخرة. فهل نحرص على القيام بأسباب الحياة الطيبة؟