بات من المؤكد أن التيار الإخوانى والسلفى سوف يحشد مليونية اليوم السبت، لإعلان تأييده لما يسمى بالاعلان الدستورى، الذى اصدره الرئيس «محمد مرسى» يوم الخميس الماضى 22 نوفمبر، وان البحث يجرى عن المكان الذى ستقام فيه هذه المليونية، وان من بين الخيارات المطروحة، ان تعقد فى ميدان التحرير، الذى مازال يعتصم به المطالبون بإلغاء الاعلان الدستورى وكل مايترتب عليه. ومع التسليم بحق كل القوى السياسية ان تدعو لمليونية وان تحدد مكانها، إلا أن وضع ميدان التحرير ضمن الخيارات المطروحة، يعكس نقصا فى الذكاء السياسي، فضلا عن رغبة مضمرة فى الصدام والاقتتال،لان ميدان التحرير كما هو معروف، يقيم به معتصمون ينتمون للتيارات والفئات الاجتماعية والسياسية، التى عارضت هذا الإعلان، واعتبرته إسقاطا لدولة القانون، وتأسيسا لدكتاتورية جديدة.، وبالتالى فإن احتشاد انصار الدكتاتورية والاستبداد، فى نفس المكان هو نوع من التحرش السياسى لامعنى له، إلا إذا كان الذين يدعون الى هذه المليونية ينوون ان يمارسوا العنف، والارهاب، ضد المختلفين معهم فى الرأى، كما سبق ان فعلوا قبل اسابيع، فيما عرف بجمعة الحساب! وبصرف النظر عن ان الحكمة قد تتغلب فى النهاية، فيعدل التحالف الإخوانى السلفى عن إقامة هذه المليونية فى ميدان التحرير، ويقيمونها فى مكان آخر نتوقف عند عدة ملاحظات: انه لا يجوز المقارنة بين مليونية يتم الحشد لها عبر اساطيل من الاتوبيسات، تنقل المواطنين من المحافظات إلى العاصمة، تحت تحريض سافر بأن الخلاف يدور بين اسلاميين وغير اسلاميين، وبين مؤمنين وغير مؤمنين، وبين انصار للشريعة، وأعداء لها، وبين ثوار وفلول، وهى كلها توصيفات غير صحيحة ولئيمة للموضوع محل الخلاف، فضلا عن انها تأتى عبر سلسلة من الحوافز المادية المبتذلة، كصرف تذاكر السفر مجانا لكل أفراد الأسرة، والتوزيع المجانى لزجاجات المياه والمشروبات والسندوتشات، وصرف حوافز مالية أخرى لمن يتعطلون عن أعمالهم فى هذا اليوم ممن يعملون باليومية، وهى أشياء لا تحتاج إلى أدلة مادية للكشف عنها، فأساطيل الاتوبيسات تزحم ميدان التحرير،، ويسجل مشاهدها كل الفضائيات، وتنشر صورها معظم الصحف، وبين مواطنين يشاركون فى المليونيات بمحض إرادتهم، وينضمون إليها حين يرون مظاهرة تتجه إلى ميدان التحرير تضامنا مع الشعارات المطروحة، فيأتون من المحافظات، ومن منازلهم فى القاهرة الكبرى، على نفقتهم الخاصة كما حدث فى مليونية «للثورة شعب يحميها» يوم الثلاثاء الماضى. ان الموضوع المطروح ليس موضوعا لحرب مليونيات، ولا حتى استفتاءات كما يدعو إليها التحالف الإخوانى- السلفى، لان المليونية التى شهدتها القاهرة وعواصم المحافظات الأخرى يوم الثلاثاء الماضى، كان موضوعها الرئيسى هو الاحتجاج على ما سمى الاعلان الدستورى، وما يتفرع عنه من قضايا مثل تغيير قانون السلطة القضائية لعزل النائب العام المستشار «عبد المجيد محمود»، وتعيين نائب عام جديد على مقاس «الجماعة» وتحصين كل قرارات رئيس الجمهورية من الطعن امام القضاء منذ توليه الحكم فى يونيو الماضى ،وحتى يصدر الدستور الجديد، ومنحه الحق عبر صياغات مبهمة فى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة فى حالة جود خطر يهدد ثورة يناير، او يهدد حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن او يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور مما يتوقع ان تصدره غدا الاحد المحكمة الدستورية العليا من حكم بحلهما. تلك مسألة ليس فيها آراء، لكن المسألة هل هى حق أم باطل، قانونية أم غير قانونية، ديموقراطية أم ديكتاتورية؟. وليس الأمر فى حاجة إلى إلى أى اجتهادات للاجابة على هذه الاسئلة، فذلك ما قاله القضاة الذين اعتبروها قرارات منعدمة لا سند قانونيا لها، وانقلابا على دولة القانون، فاعتصموا فى ناديهم حتى يتم إلغاؤها، وعلقوا جلسات العمل القضائى فى المحاكم فيما لا يتعارض مع مصالح المواطنين، ومع قضايا الفساد ونهب المال العام، وقضية استاد بور سعيد، وانضم إليهم للمرة الأولى منذ انشائها فى ثلاثنيات القرن الماضى محكمة النقض. ان استخدام مليونية لتأييد الاستبداد ، وتبرير قرارات تنقلب على دولة الدستور والقانون، لا يمكن وصف أنصارها إلا انهم أعداء للثورة بالطبيعة، لانهم فى واقع الأمر، يؤسسون لاستبداد بديل يحل محل الاستبداد الذى ثار عليه المصريون فى 25 يناير، وستبدلون فرعونا بفرعون، وهى مسألة لا تدعو للفخر إلى حد القيام بمسيرة، لان من يقوم بها يفضح نفسه ويشهر بها وبسجل نفسه فى اسود صفحات التاريخ. وبينما كانت آلافا مؤلفة من القوى السياسية ، والنقابية ومن المؤسسات القضائية والقانونية والمهنية، تطالب فى مليونية الثلاثاء الماضى باسقاط ما يسمى بالاعلان الدستورى، وتنشد «عيش.. حرية .. اسقاط التأسيسية»، كان اخرون من المستشارين المجهولين والمعلومين ومن المؤلفة قلوبهم، الذين حصلوا على مقاعدهم فى مجلس الشعب الأخير، بتحالفهم مع الإخوان المسلمين، أو الذين حصلوا على مواقعهم فى أماكن اخرى بسبب تحالفهم معهم، أو الذين يمسكون العصا من المنتصف، ويصطنعون معارك وهمية تغير الموضوع، لإبعاد النظر عن المعركة الحقيقية المتمثلة فى الانقلاب الدستورى الذى يقوده الرئيس، يقولون شيئا اخر، يبدأ عادة بتعميم ذى صيغة واحدة وهو «أنا مش اخوانى»، ثم ينطلق قائله فى تبرير كل ما هو إخوانى، وتقديم مبررات لتمريره، لا يقبل بها عقل طفل صغير، بعد ان يضفى صفة التاريخية والعظمة على كل ما يتفوه به الرئيس، سواء كان إعلانا دستوريا، او كان خطبة خطيب الجمعة! وليس هناك أسوأ من الإعلان الدستورى سوى مستشارى الرئيس ومؤيدى قرارته، أحد المستشارين، ممن دأبت الرئاسة على تكذيب معظم تصريحاته للإعلام، يقول ان المهم الآن، ليس الإعلان الدستورى، ولكن المهم هو ان مصر منقسمة مما يشكل خطرا على الأمن القومى، دون ان يجيب عن سؤال منطقى هو: من المسئول عن انقسامها؟ أليس هو من يتحدى كل سلطاتها القضائية، وكل قواها السياسية، ويرفض مطالب شعبها بالتوافق حول دستور لكل المصريين؟ أليست هى القرارات المبهمة والعشوائية والحزبية للرئاسة، التى لا تنصت سوى لصوت «الجماعة» التى تلبس قادتها حالات غير مسبوقة من الغطرسة والتعالى، والرغبة الشرهة والشريرة للانقلاب على كل المؤسسات والثوابت؟ ويا سيادة الرئيس ان مستشاريك يسيئون إليك قبل الإساءة للوطن وللشعب، فامنع رئيس ديونك من التحدث بعنجهية بالغة عن ان الرئاسة لن تتحرك قيد أنملة عما يسمى الإعلان الدستورى، وامنع أهلك وعشيرتك من التظاهر اليوم فى ميدان التحرير فأرض الله واسعة، إذا كنت تريد ان تجنب البلاد مخاطر حرب أهلية، وانصت إلى من هم فى ميدان التحرير، فبعضهم كان من بين من منحوك أصواتهم، إذا كنت حقا رئيسا لكل المصريين!