تحرك برلماني عاجل لمحاسبة الشركات الوهمية المسؤولة عن سفر الحجاج المصريين    أسرار النمو والنضارة.. كل ما تحتاجه لمعرفة احتياجات نباتاتك من الضوء والماء    مدير المتحف الزراعي بالدقي: أكثر من 200 عارض بمعرض الزهور في نسخته ال91    «فلوسك في أمان».. البنك الأهلي يكشف تفاصيل خدمة الحساب الوسيط    قمة السبع تقرض أوكرانيا 50 مليار دولار باستخدام فوائد الأصول الروسية المجمدة    في الجول يكشف قائمة الأهلي لمواجهة فاركو    ذروة الموجة الحارة تسجل 48 درجة مئوية.. هل تستمر حتى عيد الأضحى 2024؟    محمد حفظي يهنئ المخرج طارق العريان على عرض فيلم "ولاد رزق 3: القاضية"    في هذا الموعد.. فيلم الصف الأخير لأول مرة على قناة ART    أعمال يوم التروية للحجاج.. الإفتاء توضح شعائر أولى محطات مناسك الحج    افتتاح معمل تحاليل بمستشفى القلب والصدر الجامعي في المنيا    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، أسرع أكلة وعلى أد الإيد    أوبك: لا نتوقع بلوغ الطلب على النفط ذروته على المدى الطويل    محافظ الجيزة يستقبل وفود الكنائس بالمحافظة للتهنئة بعيد الأضحى المبارك    محافظ شمال سيناء يعتمد الخطة التنفيذية للسكان والتنمية    بزيارة لمتحف المركبات الملكية.. أتوبيس الفن الجميل يواصل جولاته وأنشطته التثقيفية    رئيس هيئة الدواء: دستور الأدوية الأمريكي يحدد معايير الرقابة ويضمن سلامة المرضى    سفاح التجمع يشعل مواجهة بين صناع الأعمال الدرامية    وزير الرياضة يشهد المرحلة التمهيدية من مشروع صقل مدربي المنتخبات الوطنية    رسميًا.. «إيتو» أول صفقات بايرن ميونخ الصيفية    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    عيد الأضحى 2024 | أحكام الأضحية في 10 أسئلة    "تموين الدقهلية": ضبط 124 مخالفة في حملات على المخابز والأسواق    محافظ أسيوط يضع حجر أساس مدرسة المحبة بمدينة المعلمين    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    "المحطات النووية": تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة الرابعة بالضبعة 19 نوفمبر    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا بعد إنقاذه 3 أطفال من الموت فى ترعة بالشرقية    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    ضبط أحد الأشخاص بسوهاج لزعمه قدرته على تسريب امتحانات الشهادة الثانوية    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    أمريكا توافق على حزمة مساعدات عسكرية جديدة تؤمن لأوكرانيا أنظمة دفاع جوية    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    رئيس جامعة حلوان: المعمل المركزي يوفر بيئة محفزة للبحث العلمي    الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال حجاجنا    الإسماعيلى يستأنف تدريباته اليوم استعدادا لمواجهة إنبى فى الدورى    الحماية المدنية تنقذ طفلا عالقا خارج سور مدرسة في الوادي الجديد    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الخميس    أجواء مضطربة في فرنسا.. و«ماكرون» يدعو لانتخابات برلمانية وتشريعية    قيادي ب«مستقبل وطن»: جهود مصرية لا تتوقف لسرعة وقف الحرب بقطاع غزة    على خطى كرة القدم.. ريال مدريد بطلا لدوري السلة    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد سالم : الخلط بين الدين والسياسة.. أبرز أسباب الإرهاب
نشر في الوفد يوم 02 - 07 - 2020


رموز التيار الدينى فقدوا مصداقيتهم أمام الشباب
حالة الفصام بين السلف والخلف أدت إلى التخلف الفكرى
تجديد الخطاب الدينى وضبط أداء المنصات الإعلامية.. ضرورة لمواجهة «التكفير
غياب فقه المصلحة.. سبب رئيسى لأزمتنا الراهنة
تقدم الأمم مرهون بالعمل والعلم وثقافة التسامح
الدكتور أحمد محمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية والفكر العربى الحديث بكلية الآداب جامعة طنطا، ساهم كثيرا فى إثراء الحركة الفكرية العربية بجهده المتميز من خلال مؤلفاته وأبحاثه ومقالاته ودراساته.
حصل «سالم» على الليسانس فى الآداب قسم الفلسفة الإسلامية بتقدير جيد جدا من كلية الآداب جامعة طنطا، ثم الماجستير فى الآداب قسم الفلسفة بتقدير امتياز، وكان عنوان الرسالة «إشكالية التراث فى الفكر العربى.. دراسة نقدية مقارنة بين حسن حنفى ومحمد عابد الجابرى»، ثم نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عن رسالة بعنوان «الإمام سعيد النورسى وآراؤه الكلامية».
له مؤلفات عديدة أبرزها: «المرأة فى الفكر العربى الحديث» و«الإسلام العقلانى.. تجديد الفكر الدينى عند أمين الخولى» و«نقد الفقهاء لعلم الكلام بين حراسة العقيدة وحركة التاريخ» و«التنوير» و«إشكالية التراث فى الفكر العربى المعاصر» و«العقل والدين من الخطاب الإصلاحى إلى الخطاب العلمانى» و«إقصاء الآخر.. صناعة التكفير فى علم العقائد» ومن أهم كتبه التى يعتز بها «تجلى الإله.. جدلية الإلهى والإنسانى فى الثقافة الإسلامية».
شارك الدكتور «سالم» فى العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية فى مصر ودمشق والأردن واسطنبول، كما شارك فى تحرير موسوعة أعلام المصريين فى العصر الحديث بمكتبة الإسكندرية.
«الوفد» التقته وهذا نص الحوار.
بداية.. لماذا ترهلت الأمة الإسلامية وتخلفت عن دورها الحضارى بالرغم من أن القرآن والسنة بين يديها؟
كثير من الأمم تقدمت بدون الإسلام وليس لديها الكتاب أو السنة، فتقدم الأمم ليس مرتبطًا بمجرد التعلق بالكتاب والسنة، فالتعلق بالكتاب والسنة لابد أن يصحبه العلم والعمل، وبالتالى هنا ليت لدينا تدين حقيقى، لكننا لدينا تدين طقوسى، تدين شكلى، أما الدين فسلوك قويم، ونحن سلوكنا معيب، وممارستنا فى الواقع معيبة، ونسلك على عكس قيم الدين السامية، فليس هناك تكافل بين بعضنا البعض، وليس هناك اهتمام بالعلم، ولا عمل حقيقى، وانتشار للفساد والرشوة، وهناك الاستبداد السياسى الموجود فى المنطقة يشوه روح البشر، وهو مسئول مسئولية مباشرة عن تخلف المسلمين فى المنطقة العربية، لأن الإسلام خارج دائرة المنطقة العربية أكثر تقدما وأكثر حضورًا وأكثر فاعلية ووصلًا بالدين نفسه، فالدين محفز للتقدم إذا أخذنا بمنظومة القيم العامة التى جاءت فيه، وبالتالى لا نستطيع أن نقول إن الدين وحده أساس التقدم، لكن الدين أحد روافد التقدم وليس كل روافده.
من يتعمق فى دراسة الإسلام يكتشف أنه جاء وسطًا بين غلوين ويسرًا بين تشددين فكيف تسلل التشدد والغلو إلى الفكر الإسلامى وما أسباب ذلك؟
التشدد فى الفكر الإسلامى مرتبط بتداخل الدينى بالسياسى، فمنذ الفتنة الكبرى بدأ المسلمون ينقسمون إلى فرق ومذاهب، وبدأت تظهر هناك سنة وشيعة ومرجئة وخوارج، وبالتالى هنا جزء من التشدد نابع من التوظيف الدينى للسياسة، كما أن توظيف السياسة للدين يعلى من شأن فرق على حساب فرق، ويرسم مذاهب ويقصى مذاهب أخرى، وعبر تاريخ الإسلام كله ظهر التشدد الدينى مصاحبا إما لرفض الوضع السياسى أو الخروج عليه أو نتيجة لإقصاء مذهب أو فرقة عن المجال العام الاجتماعى، فجزء جوهرى من المسألة نابع لتوظيف الدينى للسياسى، أو توظيف السياسى للدينى وهو الغالب، أما الجانب الآخر فى الفترة المعاصرة هو أن حركات العنف الموجودة فى المنطقة التى اختطفت الإسلام نتيجة عدم وجود تيار رسمى يعبر عن الدين يكون مراعيًا لمتطلبات الواقع الاجتماعى، وليس لدينا كهنوت فى الإسلام، ومن المفترض أن تكون تلك ميزة فى الإسلام، لكن هذه الميزة تحولت إلى عيب، فقد صار من حق كل شخص أن يفسر الدين كما يشاء، وأصبح لكل فصيل من حقه أن يختطف الدين ويقدم له تفسيرا معينا يوافق مشربه وهواه وأصبح الإسلام كلأ مباحًا بين جماعات العنف، والخطورة كذلك أنه يوجد فى الإسلام كدين بذرة المقاومة المسلحة (وهو الجهاد) وهو ما يجعله يختلف عن كل الأديان، فى أنه دين مقاوم، يحث على الجهاد، وبالتالى إذا لم تترسم فكرة من يأمر أو يحض على الجهاد أعتقد أن الإسلام سيكون مشاعًا بين الناس والمذاهب والفرق والجماعات التى تختطفه، وتقدمه على أنه دين يحض على العنف وإرهاب الآخر، وترويع الناس، وليس هذا من الدين.
أيضاً.. بالتأكيد الخطاب الفلسفى يلعب دورا رائدا فى مواجهة الفكر المتشدد والمغلوط حول المفاهيم الإسلامية الرصينة.. نود إلقاء الضوء على هذا الدور؟
الخطاب الفلسفى مهم جدًا فى أشياء كثيرة، فهو يقر بالفكر النسبى، والحقيقة النسبية، والفكر النسبى هو أن رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، وبالتالى ففى الفلسفة لا توجد فكرة امتلاك الحق المطلق فى الرأى، فهناك فكرة أن كل واحد يدرك جزءًا من الحقيقة، فإذا طبقنا روح الفلسفة على الفكر الدينى سيكون توجه التسامح أكبر من توجه التشدد فى الفكر الدينى، لكن مشكلة الفكر الدينى أن كل فريق أو فصيل أو جماعة يفسر الدين وفقًا لرؤيته الشخصية، ويعتقد أن هذا التفسير يملك الحقيقة المطلقة، فلو استطعت تدريس الفلسفة فى أنظمة التعليم للطلاب فمن الممكن أن يسهم فى ترسيخ فكرة التسامح وحق الاختلاف، فالفلسفة تقول دائما بتعدد الرؤى ووجهات النظر ونسبية الحقيقة، ولذلك أرى أن تدريس الفلسفة يؤصل لفكرة مقاومة العنف، لأن كل فكرة سيتم طرحها أو عرضها على محاكمة العقل، ولن يسلم تسليمًا مطلقًا، فالفلسفة هى محاكمة العقل للأفكار والعقائد، ولكل ما يتلقاه.
فى رأيك هل نحن فى حاجة إلى تجديد الخطاب الدينى بالمعنى الدينى الاصطلاحى أم أننا بحاجة إلى خطابات جديدة تنطلق من الأفكار وعلاقتها بالواقع لا من الماضى؟
الخطاب الدينى هو جزء من كل، فالخطاب الدينى هو جزء من الخطاب الثقافى، والخطاب السياسى، ومن الخطاب الأدبى، الخطاب الإعلامى، وبالتالى التركيز على تجديد الخطاب الدينى نابع من ضرورة الحالة الراهنة، وهى مسألة انتشار العنف فى المجتمع باسم الدين، وبالتالى قد يأخذ تجديد الخطاب الدينى الأولوية لكنه مشروط بتجديد الخطاب السياسى والثقافى والإعلامى، فلا نستطيع أن نطالب بتجديد الخطاب الدينى وحده، فتجديد الخطاب الدينى فى أى وعاء ثقافى سائد، فإذا كان نفس الوعاء الثقافى الذى أنتج الخطاب الدينى متخلفًا فلن نستطيع تجديد الخطاب الدينى، لأن الوعاء الثقافى أشمل وأعم، وإذا كانت ثقافتنا تقوم على الإقصاء والعنف، وكذلك الخطاب التربوى يبث العنف والإقصاء، فكيف يمكن تجديد الخطاب الدينى بمعزل عن الخطابات السائدة، لأن الخطابات السائدة ستقاوم هذا التجديد من داخل الثقافة والتربية إلخ، وبالتالى حين نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى، فسوف نتحدث عن تغيير شامل فى وجه المجتمع فى مستوى الخطابات ومستوى الممارسات أيضاً، فلا يصح أن نقول بتجديد خطاب دينى بمعزل عن السياق الثقافى فى المجتمع، لكن تجديد الخطاب الدينى مركزى لفاعلية تأثيره.
وهل للخطاب الدينى المتطرف دور فى بروز ظاهرة الإلحاد؟
الخطاب الدينى بالمجمل العام، المتطرف وغير المتطرف له مثالب كثيرة، فالخطاب الدينى المتطرف منفر لأنه يقدم الإسلام كدين عنيف، والخطاب السائد
«السلفي» على سبيل المثال خطاب يركز على الغيب والترهيب أكثر ما يركز على الترغيب والحاضر المادى، خطاب يسكن الناس على الآلام والأوجاع ولا يحث الناس على العمل والتغيير، خطاب يحض على الكراهية والاستعلاء، أيضاً خطاب المؤسسة الرسمية خطاب تقليدى فاقد للمصداقية لدى الجمهور، ينبغى أن يكون هناك تقديم خطاب دينى يحث الناس على ضرورة العمل والتغيير على قيم الحياة، على المحافظة على الوقت، فالدين يقول: «إذا جاء أحدكم الموت وفى يديه فسيلة فليغرسها» فلابد من العمل على التغيير والعمران، وبالتالى الشباب بدأ يقرأ الثقافة الحديثة على الإنترنت فلم يعد يرضيه شىء ويستخفون برموز الخطاب الدينى وبتعبيراتهم حول ملك اليمين والإيماء وحول الحياة والزواج من أربع.. إلخ. يدعونهم إلى الزهد وهم لا يجدون قوت يومهم، يدعونهم إلى الاستغناء وهم يتزوجون بالأربع ويركبون أحدث السيارات، يكفرون الغرب ويذهبون إلى العلاج فى مستشفياته، ويركبون سيارات الغرب، لقد فقدوا المصداقية أمام الشباب، وكان من تبعات ذلك أن بعض الشباب أصبح لا يرى فى الدين طاقة روحية خلاقة، أصبح يكفر بدين هؤلاء ولا يكفر بالدين ذاته، وبالتالى الأزمة التى تتعلق بالإلحاد هى حالة تمرد واحتجاج على الخطاب الدينى السائد من ناحية، وحالة تمرد والاحتجاج ضد المجتمع لفقدان الأمل وانكسار الحلم من ناحية أخرى.
هل تؤمن بنظرية المؤامرة من العالم الغربى ضد العالم الإسلامى وما حجتك فى ذلك؟
فكرة المؤامرة من العالم الغربى ضد العالم الإسلامى جزء من تاريخ العالم هو الصراع بين الأديان، فلا نستطيع أن ننفى أن هناك دماء كثيرة سالت فى تاريخ البشرية باسم المقدس على الأرض، لكن لماذا نضع أنفسنا دائما أمام نظرية التآمر، ولماذا لا نكون فاعلين، فالذى يقدم تفسير التآمر هو الذى يبرر انكساره وهزيمته، ليتغاضى عن مسئوليته الحقيقة أمام واقعه المهزوم المنكسر المتخلف فلم تكن فكرة المؤامرة موجودة خلال فترة ازدهار الحضارة الإسلامية فى غرب أوروبا وشرقها، لكن عندما أصبحنا فى موقع المهزوم والمنكسر أصبحنا نتحدث عن فكرة التآمر حتى نتخلى عن فكرة مسئوليتنا عن واقعنا المتخلف والجامد والمنكسر الذى نعيش فيه أنظمة وشعوبًا.
كيف ترى خطورة أطماع المشروع الفارسى فى المنطقة العربية الفارسية؟
الصراع بين العرب والفرس صراع قديم، ما قبل الإسلام وما بعده، فكان الفرس ينظرون إلى العرب على أنهم قوم رعاع وقبائل كأسرة تقتل بعضها البعض وتغزو بعضها البعض وتسبى نساء بعضها البعض، فهم بلا تاريخ ولا حضارة، وحينما جاء الإسلام تم فتح بلاد الفرس،
فكان الفرس ينظرون إلى العرب ويتساءلون كيف نجح هؤلاء فى أن يسيطروا علينا وكيف صرنا عبيدا لهؤلاء؟ ثم حين جاء العباسيون للحكم لم يحكم العباسيون إلا بمساعدة الفرس فى الوزارة وفى الكتابة وأنظمة الدولة وفى كل شىء، لأن الفرس كانوا أصحاب تاريخ وحضارة حتى عمر بن الخطاب حين جاء ليدون الدواوين جاء أحد الفرس يقول له كيف نوزع المال، قال له كنا ندون الدواوين، فدون عمر الدواوين بلغتها الأصلية، وبالتالى الصراع قائم بين العرب والفرس لكن هناك مشكلة أكبر لماذا يصدر العرب لأنفسهم دائمًا أن الأطماع الفارسية فى المنطقة العربية أطماع لا تنتهى، حتى إن إسرائيل نجحت أن توحى للعرب أن الفرس عدوهم الأول وإسرائيل صديقتهم، وهذا من رابع المستحيلات، لأن اليهود العدو الأول للعرب فى المنطقة منذ عهد النبوة، وبالتالى إمكانية التعايش بين العرب والفرس إمكانية قائمة على الأقل يحكم وحدة الدين ويحكم المصالح المشتركة، لأن الأصول الفارسية توجد فى كثير من دول الخليج، والأملاك الفارسية توجد بكثرة فى هذه الدول، وهناك زواج من العرب والفرس، وهناك شراكة كبيرة بين الفرس والعرب فى الإمارات والبحرين، والكويت، وشرق السعودية، والعراق، وسوريا، فتصدير فكرة العداء التاريخى بين العرب والفرس هو محاولة نسيان العداء التاريخى الحقيقى بين اليهود والعرب.
ماذا عن تصوركم لشكل الخطاب الإسلامى المعاصر الذى يجمع بين مقاصد الشريعة ويحقق مصالح العباد؟ وماذا عن أزمة الفكر الإسلامى حاليا من وجهة نظركم؟
جزء من أزمتنا غياب الاتجاه المقاصدى فى الإسلام، الاتجاه المقاصدى ينادى بالحفاظ على الدين والنفس والمال.. إلخ وهذا يحافظ على مصلحة الناس، فنجم الدين الطوفى فى رسالة فى المصلحة يقول: «إذا تعارضت مصلحة الناس مع النص وجب تقديم المصلحة على النص» وهى كلمة خطيرة وينادى بتفسير النص بما يوافق مصلحة الناس، فنحن اليوم على سبيل المثال لا نستطيع التخلى عن نظام البنوك فى المجتمع، تحت دعوى الربا حرام فلابد من تفسير معين يقول بمشروعية العمل مع البنك، فنحن لا نستطيع أن نتاجر أو نصنع أو نستورد إلا بحسابات بنكية، فمصلحة الناس ليست فى تبرير الربا، ولكن مصلحتهم تقتضى أن البنك مشروع كمؤسسة لاستثمار الأموال، وبالتالى هناك أرباح، فالمسألة ليست بها مشكلة، وبالتالى لابد من تغليب اتجاه مقاصد الشريعة فى حياة الناس، ففى الوقت الراهن أوقفنا الصلوات والشعائر أكبر من الشعيرة نفسها، وبالتالى هنا يجب تغليب الفقه المقاصدى فى الإسلام، ولذلك كان الاجتهاد فى الإسلام الذى يقتضى أعمال العقل بما يناسب الظروف وأن ننتج من الأحكام ما يتوافق مع روح العصر، ومصالح العباد، وبما يوافق تغير المجتمع.
هل تعتقد أن الحرص على التراث وتقديس السلف هو السبب وراء ما نراه من تناقضات بين المسلمين حتى إنه فى الوقت الذى يتهافتون فيه على منتجات العقل الغربى المادية نراهم يعرضون عن تقبل المنتج الفكرى لهذا العقل؟
نحن نعيش فى الحاضر بأجسادنا لكن الماضى يتحكم فى أرواحنا وعقولنا، فنحن يوجهنا ابن تيمية والشافعى وابن حنبل وهم فى القبور، وبالتالى الخلف منح السلف حاكمية على الواقع المعاصر، واستقال العقل فى الواقع المعاصر لدى الخلف، فبدلا من أن يفكروا فى تطوير واقعهم، وكيف يتحرروا من العوز والفقر والاستبداد استدعوا السلف ليحكمهم، فأصبحنا نعيش فى حالة انفصامية، نعيش بأقدامنا فى اللحظة المعاصرة استهلاكا ومعيشة ورؤية وكل شىء ونعيش روحيا، ونحن ننظر إلى الخلف، فهذه الحالة الفصامية فى العلاقة بين الماضى والحاضر أحد أسباب تخلفنا، لأن الماضى يزاحم الحاضر وعلاقتنا به معيقة.
البعض يرى أن التطرف الذى نشهده الآن وفى العقود الماضية استقى فكره ومعلوماته من
كتب وفتاوى ابن تيمية والبعض الآخر يؤكد أن الرجل ظلم كثيرا فإلى الفريقين تميل؟
ابن تيمية رفع راية التكفير ضد كل من أسهم فى تحلل العقيدة فى الواقع، فكفّر الشيعة والصوفية، وكفّر الفلاسفة والنصيرية، وكفّر كل من فرق المسلمين لاعتقاده أن التفسير السنى هو التفسير الحقيقى للدين، وعندما سجن ابن تيمية فى قلعة قايتباى كان يؤلف هذا الكلام، فهناك جزء من فكر ابن تيمية أسير ظروفه التاريخية ونتاج حياة الانهيار التى عاشها المسلمون، وذلك لا يمثل سوى وجه واحد له، ونستطيع أن نقول إن ابن تيمية له وجه آخر كان عقلانيا وله فتاوى فقهية متقدمة جدا، ابن تيمية ليس خليطا واحدا، فعندما نقرأ كتبه نجد له وجوها كثيرة منها العقلانى، والتكفيرى، والصوفى، لكن المشكلة أننا ننزع ابن تيمية من ظروفه التاريخية، وأرى أن نراه على أنه ابن عصره، وأن فكره هو فكر الأزمة، وأن فكره مرتبط بشروطه التاريخية، والسؤال: من الذى استدعى ابن تيمية فى الوقت الراهن؟ الخلف هم من استدعوه، لكى يحملوه المواجهة مع ظروف عصرنا المهزوم الشبيه بعصر ابن تيمية، فاستدعاء ابن تيمية الآن، هو استدعاء فى لحظة مهزومة ومنكسرة، ثانيا هل استدعاء ابن تيمية يعبر عن استقالة العقل، أم يعبر عن اختيار التفسير المقاوم؟ لأن ابن تيمية بقدر ما فيه من تكفير هناك جزء مقاوم فى فكره، وخلف استدعاء ابن تيمية الآن تقف حالة الانهيار على كل المستويات وعلى كل الأصعدة، بدليل أن الدين يختطف من قبل الأنظمة ومن قبل الجماعات، فاعتماد السعودية المذهب الوهابى فى القرن السابع والثامن عشر حتى تعضد رابطة الجماعة المسلمة بأرض الحجاز، فهو فعل سياسى يبتغى من الدين أن يكون أداة فى وحدة الجماعة، والمذهب الوهابى مذهب متشدد، وفى الوقت الراهن استنفدت الوهابية فى اللحظة المعاصرة أغراضها، لأن التشدد لديها أصبح أمر غير مقبول، فتخلت المملكة عن الوهابية، فالفعل الأول كان سياسيا والثانى أيضاً كان سياسيا، وفى كلتا الحالتين كان الدين مطية للسياسة، فعندما تكون هناك لحظات إخفاق تاريخية –وهى ما نعيشها حاليا– ونريد الهروب من المسئولية كسلطة زمنية عن الإخفاق فنستدعى كائنات مغيبة لنحملها واقع الإخفاق، خلف العنف السائد صراع سياسى، والذى يستخدم العنف ضد المجتمع يرفعه باسم المقدس، والذى يتهرب من الإخفاق عن مواجهة العنف فى الواقع يحمل التفسير الدينى العنيف المسئولية، فالدين مطية بين المتصارعين بالأساس سياسيا، والذى يرفع شعار العنف يقول الجنة والله والذى يخفق فى مواجهة العنف يحمل الإرث الدينى مسئولية هذا الإخفاق وخلف كل هذا يكمن الاستبداد.
إذن كيف نحاصر آفة التكفير فى المجتمع؟
محاصرة آفة التكفير فى المجتمع حين يسود خطاب دينى يقوم على تسامح وحق الاختلاف (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم) فالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح صلب الإيمان، الكل على حق طالما يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا، لكننا تصارعنا مع أصحاب الأديان الكتابية كما تصارعوا هم معنا، وداخل الدين الواحد بين المذاهب الدينية لرغبة الكهانة فى كل الأديان أن تكون لها أتباع، فأعلام أهل السنة يريدون للسنة أن تسود فهم على حق والباقى على باطل، وأئمة الشيعة يريدون للشيعة أن تسود، فهم على حق والباقى على باطل، رغم أن المشترك بين المذاهب أكثر من المختلف عليه، وأن الاختلاف بين المذاهب الإسلامية معظمها يكون فى قضية الإمامة وليس فى القضايا العقيدية، وبالتالى ينبغى تفسير الدين بالشكل الذى يؤدى للتسامح والمحبة والخير وحق الاختلاف والتعايش وقيم احترام الآخر أم أن كل طرف يملك الدين الصحيح دون غيره.
ويجب ضبط المنصات الإعلامية وعدم اتاحتها لأصحاب الفكر التكفيرى ومقاومة وتعرية جذور العنف والتطرف النابع من بنية الثقافة، وإعلاء ثقافة التسامح داخل منظومات التربية والتعليم والإعلام، وضرورة بث القيم الإيجابية، والإيمان بالحوار وفقه الاختلاف.
تؤكد أن «التصوف» ثورة فى البناء الروحى للإنسان.. فماذا تقصد؟
لابد أن نميز بين مستويين من التصوف، «الدروشة والتدين الشعبى والطرقية، والتصوف الأخلاقى، بمعنى السلوك، فالتصوف والدروشة هذا خاص بالعوام، الذين يتبركون بالمقامات والأضرحة ويتبعون الطرقية المعاصرة، أما التصوف الحقيقى فهو ثورة روحية فى الإسلام لأنه يعمق العلاقة بين العبد وربه، التصوف خلق، وآداب، وتطهير للنفس، وتحرير الروح، لا ينبغى للتصوف أن يكون فيه عطالة وانهزامية وتراجع عن الحياة، لأن الذى نشر الإسلام فى وسط أفريقيا وجنوب شرق آسيا هم المتصوفة وليس بالسيف فالمتصوفة الذين كانوا يتاجرون، كانوا يقدمون الإسلام بالخلق، بالمعاملة، بالدين، فلماذا التصوف ثورة روحية فى الإسلام؟ لأن المجتمع ليس سوى مجموعة من الأفراد، وإذا عمقت بناء الفرد قويت بناء المجتمع، وبالتالى هنا مضمون التصوف كله ينصب على بناء إنسان قوى، والتصوف يشمل نقطة مهمة أيضاً أنه يحرر روح الإنسان من التعلق بالأشياء، فيعطيه مساحة من الاستغناء «كلما استغنيت غنيت»، «فالغنى غنى النفس وليس فيما تملك»، «إذا وضعت المال تحت قدميك رفعك وإذا وضعت المال فوق رأسك قضى عليك»، ولذلك نحتاج التصوف ليكون الوسيلة لإعادة الدين الحقيقى إلى القلب فى مواجهة الدين الطقوسى الذى رسخه الفقه، نحتاج إلى أن يؤسس التصوف الجانب الروحى للإنسان، كما أن التصوف هو ديانة الحب فى الإسلام، فكيف نؤسس للعلاقة بين الإنسان والله القائمة على الحب؟، فنحن لا نعبد الله مخافة الله ولكن نعبده حبا فيه، وبالتالى علاقة العبد بربه هى علاقة عشق فى التصوف، وليست تجارة أو خوف مع الله، ولذلك نحن فى حاجة إلى أن ندعو إلى أن يكون التصوف الحقيقى أساس لبناء ثورة روحية التى من الممكن أن تكون أساسا للثورة المادية، ليس تصوف الانهزامية والتواكل والهروب من مواجهة الواقع.. إلخ ولكن التصوف هو الفاعلية والقوى الروحية والعلاقة الجذرية بين العبد والرب وبناء التجربة الروحية الخاصة بكل إنسان على حدة وفقا لظروفه.
صدر لكم كتاب بعنوان «تجلى الإله.. جدلية الإلهى والإنسانى فى الثقافة الإسلامية» ما أهم الأفكار التى أردت طرحها فى مؤلفكم؟
كنت أريد أن أقدم صور لتجليات الجدل حول الإله فى العلوم الإسلامية الثلاثة «علم الكلام والفقه والتصوف»، فكان من الواضح أن علم الكلام أصل للصراع المذهبى بين الفرق الإسلامية وأصل لكراهية الآخر بين الإسلام والمسلمين وغيرهم، وبدلا من أن يكون أداة الدفاع عن العقيدة بالعقل أصبح أداة المذهبية والفرقة، وأنه أداة كل فرقة لترسيخ مذهبها، فالإمام عبدالحليم محمود فى كتابه «الإسلام والعقل» يقول عن علم الكلام يقولون «إنه علم التوحيد وما هو من التوحيد فى شيء» كشفت عن مثالب تطور علم الكلام والآثار السلبية فى العلاقة بين الدين والسياسة فى المجتمع، وفى الفقه وأصول الفقه، كنت أتحدث عن سيطرة الفقه على المجال العام وكيف تدخل الفقهاء فى كل شىء فى المجتمع من الزى للغناء وكل مظاهر الحياة، لدرجة أن هناك فقها يسمى الفقه الافتراضى وهو استحالة تحققه فى الواقع، فالذى جمد الدين هو الفقه والذى صنع دينًا مغايرًا للدين الأصلى على الأرض هو الفقه، وخلق الإسلام الطقوسى هو الفقه، فالفقهاء يتحملون مسئولية كبيرة فى اتساع دائرته ومحاولة السيطرة على المسار الزمنى للمجتمع، وإعاقة تطور الاجتماع. أما الفصل الثالث فأتحدث عن التجربة الصوفية وكيف تكون أساسا لإعادة بناء العلاقة بين العبد وربه، وأعتقد أن هذا الكتاب من أفضل الكتب التى قمت بكتابتها، وأتحدث بإيجابية عن التصوف بالرغم من بعض سلبياته.
أخيرا.. ماذا عن مشروعكم الفكرى الذى تطمح فى تحقيقه؟
لا أستطيع أن أقول إننى صاحب مشروع، ولكننى باحث هاوٍ تشغلنى قضايا تتعلق بهموم ومشكلات مجتمعى، فأتحدث عن آلية التشوه الذى حدثت فى العقيدة وكتبت فى ذلك «إقصاء الآخر» وكيف يمكن استخدام الدين فى الإقصاء بين الفرق والأديان، وكذلك فكرة الاستبداد السياسى وأثرها فى المجتمع فقمت بتأليف «دولة السلطان.. جذور التسلط والاستبداد فى التجربة الإسلامية» وكنت مهتما بالخطاب الدينى فكتبت عن «أمين الخولى والتجديد» لأن هناك مساحة من الممكن أن يقترب فيها الإسلام من العلمانية، فهناك حالة انقسام شديدة بين الإسلام والعلمانيين، وهناك معارك فيسبوكية لا تسمن ولا تغنى من جوع، تعضد الاستقطاب المتبادل بين ما هو دينى وما هو مدنى، وما هو إسلامى وما هو علمانى، وحالة الاستقطاب الشديدة تجعلنا نتساءل هل يمكن أن ينفتح الإسلام على ما هو علمانى وهل يمكن أن يكون العلمانى منفتحًا على الإسلام؟، والإجابة نعم، فعندما نتحدث عن مدارس الإصلاح الدينى تجدها قدمت قراءة علمية علمانية للإسلام منها أمين الخولى وعبد المتعال الصعيدى ومحمد عبده، فهل الإسلام دينى علمانى أم لا، نعم الإسلام دين علمانى، بمعنى يهتم بالعلم وبالعقل والعالم ويهتم بالعمران.. إلخ، وهل الإسلام دين ينزع منزعًا أخرويًا أم دين منفتح على الدنيا، فإذا كانت العلمانية هى الدنيوية والزمنية والعقلانية وهى العلم فالإسلام مع العلمانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.