أشعل القضاة معركة الدستور برفضهم القاطع للمسودة التي أعدتها الجمعية التأسيسية، وقاد نادي القضاة المعركة بعقد جمعية عمومية بدار القضاء العالي، حضرها مؤخرا ما يقرب من سبعة آلاف قاض، وقررت الجمعية رفض باب السلطة القضائية الوارد بمسودة الدستور، والمطالبة برفعه منها لحين إعادة صياغته، وتفويض مجلس القضاء الأعلي، ومجلس إدارة نادي القضاة بصياغة فصل السلطة القضائية بما يضمن استقلال القضاء، وعدم تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية فيه، ورفض أي مساس بالنائب العام أو سلطات النيابة العامة في الدستور باعتبارها شعبة أصلية من شعب القضاء. وهدد القضاة بتعليق العمل في جميع المحاكم، ومقاطعة الإشراف علي الاستفتاء علي الدستور والانتخابات البرلمانية في حالة رفض الجمعية التأسيسية للمشروع المقترح من قبل المجلس الأعلي ونادي القضاة، بل هددت الجمعية باتخاذ قرار بأن أي قاض لن يلتزم بهذه القرارات سيتم شطب عضويته من الجمعية العمومية للنادي. وبعد ذلك تقدم نادي القضاة بمسودة باب السلطة القضائية لمجلس القضاء الأعلي تمهيداً لتقديمها للجنة التأسيسية للدستور، لاستبدالها بباب السلطة القضائية بمسودة الدستور الحالية. جاءت ثورة القضاة ضد مشروع الدستور الجديد بسبب ما تضمنته مسودة الدستور من مواد اعتبرها القضاة مساساً بالسلطة القضائية وانتقاصاً منها، حيث نصت المسودة في المواد من 177 وحتي 182 من باب السلطة القضائية والخاص بعمل النيابة العامة، علي قصر عملها علي الادعاء وإنشاء النيابة المدنية، وهو ما اعتبره القضاة انتقاصاً من دور النيابة العامة وغموضاً أماط بها في الدستور، حيث قصر الدستور الجديد دورها في الفرع الثاني من الفصل الثالث علي الإدعاء فقط دون التحقيق، وهو ما يشكل ردة علي ما اكتسبته النيابة العامة في ظل النظام السابق، والذي اعتبرها شعبة من شعب السلطة القضائية. كذلك أغفل مشروع الدستور النص علي ضرورة عرض مشروعات قوانين السلطة القضائية علي مجلس القضاء الأعلي بصفته القائم علي شئون القضاء في مصر، وهو ما اعتبره القضاة انتقاماً من استقلالية القضاء، وتدخلاً من السلطة التشريعية في شئون السلطة القضائية، كذلك أغفلت مسودة الدستور إلزام الدولة بتأمين وتوفير الحماية اللازمة للمحاكم والقضاة وأعضاء النيابة العامة والعاملين بها لتمكينهم من أداء واجبهم ورسالتهم باستقلال تام، كما لم تتضمن المسودة أي نص بإلزام الدولة بتنفيذ الأحكام القضائية أو النص علي تحصين الأحكام ومصدريها من التناول بالقدح أو المدح. أما أهم وأخطر المواد التي اعترض عليها القضاة فهو المادة 187 الخاصة بتحديد مدة شغل النائب العام لوظيفته، والتي وصفها القضاة بأنها تفقد النص الدستوري التجرد والعمومية التي من المفترض أن تكون موجودة به، كما اعترض القضاة علي المادة 232 من النصوص الانتقالية، والتي نصت علي تحويل هيئة قضايا الدولة كاملة إلي نيابة مدنية، وهو ما يعني دمجها في القضاء دمجاً صريحا. وامتدت اعتراضات القضاة علي مسودة الدستور إلي النص الخاص بالطفل رقم 67 من الفصل الثالث، والتي تحتاج الي إعادة صياغة. ويري المستشار عبدالعظيم العشري وكيل نادي القضاة أن القضاة لن يقبلوا تمرير الدستور بصفته الحالية، حيث تم إغفال تمثيل القضاة داخل تأسيسية الدستور منذ البداية رغم أن القضاة كانوا الأجدر علي القيام بهذا الدور، ثم جاءت مسودة الدستور لتغتال استقلالية القضاء، ومن ثم أعد النادي مسودة جديدة لباب السلطة القضائية، وإذا لم يؤخذ بها، فسيتم تنفيذ قرارات الجمعية العمومية للنادي والتي اتخذت مؤخرا. وطالبت المسودة بإلغاء المادة 187 في المسودة الحالية والخاصة بتحديد مدة معينة لبقاء النائب العام في منصبه، وكذلك إلغاء المواد الخاصة بإنشاء النيابة المدنية لأنها ستتسبب في بطء التقاضي، كما أكدت مسودة النادي أن اختصاصات النيابة العامة تشمل الادعاء والتحقيق، وليس الادعاء فقط كما ورد في مسودة الدستور التي وضعتها اللجنة التأسيسية. وأضاف العشري أن المسودة المقدمة من النادي شملت المواد التي أغفلتها المسودة الحالية وأهمها ضرورة عرض مشروعات قوانين السلطة القضائية علي مجلس القضاء الأعلي، وضرورة التزام مؤسسات الدولة بتأمين الحماية اللازمة للمحاكم وأعضاء النيابة العامة لتمكينهم من أداء عملهم، وضرورة التزام الدولة بالعمل علي تنفيذ الأحكام القضائية، وتحصين الأحكام من النقد أو المدح. وكان القضاة قد اتخذوا في جمعيتهم العمومية عدة قرارات لتصعيد الموقف إذا ما التزمت اللجنة التأسيسية بتغيير المسودة الحالية، والأخذ بالمسودة التي أعدها القضاة بأنفسهم، تصل لحد توقف العمل بالمحاكم، والامتناع عن الإشراف علي الاستفتاء والانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجري بعده، والكرة الآن أصبحت في ملعب التأسيسية، فهل تتخذ موقفاً مرناً، وتقر بمبدأ الفصل المطلق بين السلطات، أم تصر علي موقفها، وتسلب السلطة القضائية أهم سماتها وهي الاستقلالية التي منحتها لها كل الدساتير السابقة والتي تنص عليها كل دساتير العالم أيضاً، فالأيام القليلة القادمة ستحمل لنا مفاجآت أكثر في معركة القضاة مع الدستور الجديد.