مازالت أصداء الفعلة الشنعاء للمعلمة التى قامت بقص شعر التلميذتين اللتين لم ترتديا الحجاب ، والمربى الفاضل الذى تخلى عن آدميته وتحول فى غفلة من الزمن إلى وحش افترس تلميذته ذات الأعوام الستة فى أحد الفصول دون رحمة ، ودون وازع من ضمير مازال حديث يتداول بين المصريين ، ليصدموا ويروعوا من جديد بسلوك لم يعهدوه من قبل ، هاهى معلمة بمدرسة مصطفى مشرفة بالأسكندرية تتفنن فى عقاب جديد للتلاميذ الذين تقاعسوا عن آداء الواجب المدرسى ، تجبرهم على مسح حذائها ، ولنا أن نتخيل اللحظة التى ينحنى فيها التلاميذ ، خاضعين خانعين لحظة إهدار كرامتهم وآدميتهم ، إذلالهم بين أقرانهم ، درسا سيظل عالقا بأذهانهم إلى الأبد ، وقد جلست " الأبلة " على الكرسى ، ربما مدّت قدماها على الطاولة فى وجه التلاميذ ، أو وضعت ساقا فوق ساق ، لحين الإنتهاء من تنظيف الحذاء بضمير ، وربما أعادته إليهم مرة أخرى لأنهم لم يقوموا بالواجب على أكمل وجه ، فمازال الغبار عالقا بإحدى فردتى الحذاء ، من المؤكد أن تلك الشخصية مريضة ، ربما تعرضت للقهر النفسى ، فهى تشعر بالنقص والدونية ، حياتها الخاصة مضطربة غاب عنها الحب والإستقرار ، تشعر بالضعف والإنكسار ، الأمر الذى جعلها أسيرة لهذا الواقع المؤلم الذى يستحيل تغييره من وجهة نظرها ، بداخلها سلسلة من الأمراض والعقد النفسية ، فى حالة خصام دائم مع نفسها ، تعانى انفصام الشخصية ، فهى تحاول أن تثبث لذاتها قدرتها على التحدى ، من خلال إصدار الأوامر التى بالتأكيد سوف تلبى عندما تقهر أطفال لاحول لهم ولا قوة ، فتشعر بالإنتشاء والزهو حتى ولو كان للحظات لأن كلمتها مسموعة ، هذا الفعل القمئ ربما يرضى غرورها أحيانا ، لكن الفشل حليفها دائما إذ لم تستطع ان تصنع صداقة بينها وبين التلاميذ كالأسوياء ، تزرع فى أفئدتهم الخوف ، تسقيهم من ذات الكأس المر الذى تجرعته ، مازال المرض يستشرى فى جسدها يوما بعد يوم ، لن تبرأ منه ،لأنها عمياء فقدت نور البصر والبصيرة ،والإحساس بالإنسان الكامن داخل كل ذى عقل ومروءة ، فقدت أنوثتها وأمومتها إن كانت أمّا ، تحوّلت إلى جلّاد ، حيّة رقطاء فى ثوب إمرأة ، بماذا شعرت بعدما انهى التلاميذ مهمتهم ؟ هل أثلجت أساريرها إبتهاجا بفرح الإنتصار على البراءة والتشفى من الصغار؟ فى المقابل من منّا لايتذكر معلمه الذي تأثر به وكان لهم الفضل الأكبر على حياته العلمية والعملية ؟ من منا لم يحاول جاهدا أن يرد بعض من هذا الفضل لمعلمه إما بالإتصال والإطمئنان عليه حتى إذا شغلتنا أمور الحياة لكننا نحاول ان نرد له الجميل والعرفان ، أو بالزيارة وإظهار المودة والوفاء ، بعدما تقدم به العمر وصار أحوج من أى وقت مضى لكلمة مضيئة تعيد إليه الأمل فمصر ستظل ولادة عامرة بأبنائها الطيبين ، وأن عطاءه مازال محل تقدير واحترام ، أمثال معلمة الحذاء دخيل على المهنة المقدرة التى قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقى بيت الشعر : قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا ليت كل من ليس أهلا للتعليم أن يلتزم داره لحين تقويمه ، الأطفال أمانة فلنغرس فيهم كل قيمة ،المعلم قدوة ، والوطن لاينقصه عاهات