المكان: أرض القاهرة العامرة بالأحداث والثورات علي تتابع الأجيال جيلا بعد جيل وفرق، الزمان: ما يقارب المائة عام بين ما حدث في السادس عشر من مارس سنة 1919 وبعدها ب92 عاما في 25 يناير 2011 والحدث: هو سقوط أول شهيدة مصرية في مظاهرات تطالب بالاستقلال وهي المُناضلة (حميدة خليل) والتي سقطت برصاص العساكر الإنجليز في قلب القاهرة وهي تتقدم زميلاتها رافعة راية مصر بيدها الضعيفة المرتعشة وهي تصرخ بهتاف من كل الأعماق ويهتفن خلفها زميلاتها في الكفاح والنضال: (تحيا مصر) (نريد الحرية) (نطالب بالاستقلال) (يحيا سعد زغلول زعيم الأمة)... ومنذ هذا الحدث أصبح يوم 16 مارس هو يوم المرأة المصرية تفتخر به كل نساء مصر وطبعا كل رجالها وأبنائها، لأن المرأة هي الجدة والأم وهي الزوجة والحبيبة والابنة والحفيدة، وبعد ما يقارب قرناً من الزمان تسقط شهيدة أخري في 25 يناير 2011 في مظاهرات الشباب صُناع ثورة الأمل في ميدان التحرير والذين رفعوا رأس مصر بثورتهم البيضاء في كل أرجاء المسكونة، سقطت (سالي زهران) أول شهيدة تسطر بدمائها الزكية أجمل قصص الكفاح والنضال لجيلها وللأجيال القادمة وتكون سالي بمثابة الحفيدة للشهيدة (حميدة خليل) وهي امتداد الشرف البطولي للمرأة المصرية التي خرجت وشاركت وقالت كلمتها بكل جراءة وصدق وغيرت بشجاعتها وشجاعة رفقائها في الكفاح وجه مصر الحديثة وأزاحت أكداس الغيوم القاتمة التي كانت تقبع علي سماء الوطن وانجلت وسطعت شمس الحرية والتحرر ليس من استعمار أجنبي ولكن من فساد حكومة مستبدة طغت وأفسدت كل شيء بمصرنا الغالية لمدة عقود وأجيال، خرجت المرأة في 16 مارس في ثورة 1919 خلف زعيمة الأمة (صفية زغلول) قرينة الزعيم الوطني (سعد زغلول) والتي كانت المُلهِمة لهُن وفتحت بيتها ليكون بيت الأمة ليرحب بالمناضلين ليكملوا المسيرة أثناء غياب زعيم الأمة في فترة الاعتقال لتمتد المسيرة وتنجح وتمتد الجذور وتُخرِج شجرة النضال النسائي أفرع ثابتة وبراعم وزهور وثمار لأجيال و أجيال ، نجد كفاح المرأة المصرية لم يهمد ولم يكِل وخرجت (هدي شعراوي) وبعد اول مؤتمر نسائي اشتركت فيه مع خمسمائة سيدة مصرية أنشئت لجنة الوفد المركزية للسيدات ورأستها بنفسها سنة 1924 وبعدها رأينا المرأة المصرية تنطلق في كل مجالات الحياة وتسبق الرجال وتتفوق عليهم ونري طالبات جامعة القاهرة في اكبر مظاهرات لهن في سنة 1946 ضد الاستعمار والملك وأعوانه من الرجعيين وكذلك في 12 مارس سنة 1953 اعتصمت السيدات في مبني نقابة الصحفيين من عضوات حزب بنت النيل يطالبن بالحقوق السياسية الكاملة للمرأة وأضربن عن الطعام حتي تحققت مطالبهن وأصبحت المرأة وزيرة ودخلت كل معتركات السياسة وتستمر الأحداث وتتعاقب الأجيال ونجد المرأة المصرية في مجلس النواب المصري تُعاند وتطالب بالحقوق بكل قوة وتقف في وجه الرجال كما حدث مع النائبة القبطية الشجاعة (د. جورجيت قلليني) والتي شرفت كل فتاة وامرأة مصرية وتخرج المرأة القبطية بعد أحداث ليلة عيد الميلاد 6 يناير 2009 في نجع حمادي وتشارك بقوة وشجاعة في مظاهرات واعتصامات وبعدها احداث كنيسة العمرانية بالجيزة وتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وخرجت بنات ونساء الأقباط يطالبن مع الرجال بكل قوة بالعدل والمساواة والمواطنة وكانت مسيرات ومظاهرات الأقباط تغطي كل ارجاء مصرنا الغالية من أقاصي الصعيد إلي أقاصي شمالها وتخرج وتطالب بسقوط مبارك ونظامه وهو في عنفوان حكمه وحوله مليون وربع من عتاة أمن الدولة والأمن المركزي وحيتان وغيلان النظام، كان حبيب العادلي في أوج قوته وجبروته يرهب ويرعب كل من تم القبض عليهم في غياهب ودهاليز سجونه ومعتقلاته، كل هذا لم يرهب القبطي والقبطية وأقول كانت هي شرارة الثورة الشاملة التي خرجت فيها بنات ونساء ورجال وشباب تهز شوارع العمرانية بالجيزة وباقي المدن والإسكندرية وشبرا وتتجه الي الميادين الكبري تطالب بالقصاص من المجرمين والعدالة والمساواة، وأشعلت هذه الشرارة كل أرجاء مصر في الخامس والعشرين من يناير تساند يدا في يد وكتفا في كتف الشباب والرجال ليعبر الجميع عن رفضهم للفساد والنظام المستبد وسقطت أول شهيدة لثورة الشباب (سالي زهران) وتلتها شهيدات قبطيات أخريات ولكن هذه المرة لم تسقط برصاص الاستعمار الإنجليزي ولا بهراوات العساكر البريطانيين ولكن بعصي وهراوات ورصاص أمن النظام البائد الفاسد وتشبثت أيادي الشباب بالأمل وصمموا بألا يتراجعوا إلا وتنجح ثورة التجديد ويسقط النظام وتتحقق المعجزة ونحتفل سوياً بأول عيد للمرأة المصرية في 16 مارس بعد أن كتبن كل المناضلات من بنات مصر أسماءهن بحروف من نور علي صفحات أمجاد المرأة المصرية لتثبت دائماً وبكل فخر.. أن عطاءهُن عظيم. *كاتب وناشط حقوقي بالولايات المتحدة الأمريكية