"الثور الهائج" الفيلم الحاصل على جائزتى أوسكار (أفضل مونتاج وأفضل ممثل للمبدع روبرت دى نيرو).. قرر المخرج مارتن جيوجيو تصوير جزء ثان منه ويقوم ببطولته الممثل وليام فورسيذى. ويجسد شخصية جيك لاموتا الذى لعب دوره فى الجزء الأول النجم روبرت دى نيرو، ويتتبع هذا الجزء مسيرة الملاكم ذي الوزن المتوسط جيك لاموتا بعد أن فقد نجوميته وكل شيء فى جزئه الأول. ومن المعروف أن روبرت دى نيرو اقترح تصوير (الثور الهائج) على مارتى سكورسيزى لأنه قرأ كتابا عن الملاكمة وفيه حياة الملاكم لاموتا وتأثر بالقصة. على الجانب الآخر رأى المخرج الكبير مارتن سكورسيزى أنه لا يُمكن عمل جزء ثان من العمل، لأن الحكاية اكتملت تماما منذ الجزء الاول, وفى الحقيقة أنا أميل إلى هذا الرأى خاصة أن المقارنة قد لا تكون فى صالحه. فنحن أمام عمل يعد من أهم أعمال دى نيرو الذى بذل فيه مجهودا مضنيا ليظهر بوزنٍ زائد، (ثلاثين كيلوجراماً) ولم يلجأ للوسائل المساعدة, بل قام بنفسه بزيادة وزنه فى أربعة أشهر. وتمرن على الملاكمة مع جاك لاموتا نفسه قبل تصوير الفيلم وأثناء التصوير، وشاهد أفلاماً كثيرة عن الملاكمة إلى جانب قراءة كتب عن الملاكم, والجلوس معه أكثر من ستة أشهر قبل التصوير، ليعرف كل شىء عن حياته الخاصة, الطريف أن الملاكم لاموتا أعجب بأداء دى نيرو فى تمثيل شخصيته لدرجة أنه شجعه أن يصبح ملاكماً محترفاً. وفى هذا العمل استكمل مارتن سكورسويزى سلسة أفلامه مع روبرت دى نيرو، مثل فيلم سائق التاكسى 1976 وملك الكوميديا، ورفقة طيبة والفيلم الأكثر شهرة كازينو. وسكورسويزى فى الثور الهائج يطرح الحالة النفسية للاموتا والظروف الشخصية قبل أى مباراة لذلك تبدو حياة لاموتا الخاصة أهم من حياته كملاكم.. وتلك المعالجة تخلصك من عيوب البيروجرافى (أو السيرة الذاتية) رغم أنه وثق تاريخيا للمباريات،فيظل الفيلم ممسكا بالبعد الإنسانى والظروف العارضة التى مرت فى حياة هذا الملاكم، وهذا يفسر أنه فى أحد المباريات يظهر عاجزا راغبا فى الخسارة، بسبب زوجته ويفوز عليه فوكس ُثم يركز عليه وهو يبكى بحرقة. وعلى الرغم من هذا كنت أعتقد أن التركيز على مرحلة الطفولة لم يحظ بالقدر الذى كان مفروضا لنعرف الكثير عن حياة ملاكم مصاب بالبارانويا. يملك مزاجاً عصبياً وتصرفات عنيفة, أنها قصة صعود فى عالم لا يرحم، إننا أمام قصة الملاكم جيك لاموتا، الذى تحول إلى رجل سمين يملك حانة يلقى فيها النكات على نفسه وجمهوره عن القصة الحقيقية التى قام كل من الكاتبين ماردك مارتن وبول شريدر باقتباسها عن مذكرات جيك لاموتا نفسه وتحمل عنوان «الثور الهائج: قصة حياتي» والفيلم بالأبيض والأسود ولم يستخدم الألوان إلا مع اللقطات الخاصة بالذكريات الشخصية من زواج وحب. ويستعرض الفيلم حياة لاموتا وأخيه مشاركة رحلة الصعود من الحضيض إلى القمة. وهناك أيضا علاقة لاموتا والشقراء فيكى زوجته التى يغار عليها إلى حد البارانويا والشك. هذا الملاكم الفائز بحزام الوزن المتوسط عام 1949 ينهار سريعا بسبب شره والبارانويا التى تؤدى به إلى اتهام أخيه بمضاجعة زوجته.. وتنتهى علاقتهما، مع ملاحقة الشرطة له نتيجة تحرشه بقاصرات. وببيع أثاث منزله وحزام البطولة من أجل سداد ديونه ويلقى به فى السجن ثم مهرج فى حانة. إن المخرج باستعراضه لحياة لاموتا يضعك أمام شخص تحول من ملاكم فى الحلبة إلى ملاكم فى حياته الشخصية.. مصارعا كل شيء فأصبح (جيك لاموتا ضد جيك لاموتا) فأصيب بأمراض نفسية خطيرة..