قضية متجددة.. هي قضية تعدد الزوجات والمطالبة بإصدار قوانين تحول دون زواج الرجل بأكثر من واحدة في نفس الوقت، وهي المطالب التي يتبناها العديد من جمعيات حقوق الإنسان، والمدافعين عن حقوق المرأة، الأمر الذي يلقى رفضاً قاطعاً من علماء الدين الذين يؤكدون أن تعدد الزوجات مباح شرعاً وأنه رخصة من الله شرعها لعباده القادرين، ووضع لها القواعد والضوابط التي تحكمها وتسيرها. وتظهر الإحصاءات وجود أكثر من 164 ألف رجل في مصر يجمع بين أكثر من زوجة في نفس الوقت، يتركز معظمهم في الريف والصعيد بصورة مرعبة، كما تشير إحصاءات أخرى إلى وجود خمسة آلاف مصري من بينهم أساتذة جامعات متزوجون من أربع زوجات. ثانية وثالثة ورابعة البعض يرى أن الجمع بين أكثر من زوجة يتسبب في حدوث الكثير من المشكلات والجرائم، بينما يرى آخرون أنها ربما تكون حلاً للكثير من المشكلات الاجتماعية من بينها أزمة العنوسة التي تعاني منها 9 ملايين فتاة مصرية. وفي مصر وضعت بعض القيود على تعدد الزوجات، حيث ألزم قانون الأحوال الشخصية الجديد إخطار الزوجة الأولى بالزواج الثاني، ورغم عدم وجود تقديرات دقيقة لنسب هذه الظاهرة إلا أن هناك من يقدرها بنسبة 4% من حالات الزواج في مصر، وترتفع النسبة قليلاً لتصل إلى 5% في سوريا والعراق بينما تصل إلى 8% في دول الخليج. التقينا بعدد من الحالات التي لبعت دور الزوجة الثانية والثالثة والرابعة أحياناً. (أمينة) من بولاق تقول: رضيت أن أكون زوجة ثانية، فزوجي كان يعاني من مشاكل أسرية مع زوجته الأولى رغم وجود أطفال بينهما، وإلى الآن لم تنته المشاكل بل اتسعت بعد أن أنجبت أنا أيضاً طفلتين. (حنان) تزوج عليها زوجها من سيدة أخرى ثرية طمعاً في مالها، وحبها لأطفالها جعلها ترضخ للأمر الواقع. (أم أحمد) تعمل خادمة لتستطيع الحصول على قوت يومها هي وأطفالها، فهي زوجة ثانية لرجل كان متزوجاً قبلها لكنه الآن مسجونا في قضية شيك بدون رصيد. شعبية وراقية هذه حالات من أوساط فقيرة وشعبية لكن الغريب أن هناك صورا طبق الأصل في اوساط المتعلمين والمثقفين.. فهذه "هاجر" مهندسة شابة تعدت الثلاثين لم تجد الزوج المناسب، لكنها وجدت ضالتها في زميلها المتزوج حيث شعرت تجاهه بنوع من الود، وقررت استكمال مشوار حياتها الزوجية معه وهي راضية لأنه قرارها، وترضى بالقليل ولا تطالب بالعدل لن زوجته الأولى لا تعلم شيئا عن هذه الزيجة. ولا يختلف الحال كثيرا مع "هايدي" مدرسة لغة إنجليزية، حيث هربت من شبح العنوسة لتتزوج من رجل متزوج ولديه طفلان، وهي تؤكد أن فرصها في الإنجاب أصبحت ضعيفة بعد أن تعدت الخامسة والثلاثين، ولاتضع أملا كبيرا في ذلك ولكن المهم ان تتزوج وتستقر ولايشيرون لها بلقب عانس. وهذه الطبيبة "سلوى" التي تزوجت منذ 15 عاما من زميلها أثناء فترة الامتياز، جاءته فرصة سفر للخارج.. حزم حقاءبه وسافر وترك لها عبء تربية الأبناء، اكتفت بشهر واحد في العام هو إجازته السنوية يعود بعدها لمواصلة عمله.. استمرت على هذا الحال عشر سنوات تقطعها زيارات لمدة أسبوع كل عام في البلد الذي يعمل فيه.. ملت الفراق وطالبته بالعودة لكنه دائما يرفض متحججا بالحاجة إلى المال,, ولما تحرت الأمر اكتشفت أنه متزوج بأخرى في البلد الذي يعمل فيه وأصبح له حياة جديدة وهي الآن حائرة بين أن تصبح مطلقة أو ترضى بالتعدد. فتش عن الرجل ولا شك أن نموذج الرجل المزواج بات حلما يراود أغلب الرجال متعللين في ذلك بالعديد من الأسباب، منها أن بعض الزوجات ترفض أن تكون صديقة لزوجها تستمع له وتتحاور معه في النقاش وتبحث له عن حلول لمشكلاته، فيضطر للبحث عن زوجة ثانية تكون له صديقة فبل أن تكون زوجة. ومن الرجال من يبحث عن زوجة ثانية لأن أولويات الحياة لدى زوجته هي الأولاد وشئون المنزل، وليس الرجل الذي لا يجد من زوجته أي اهتمام وكأنه مواطن من الدرجة الثانية في منزله. كما أنه هناك رجالا يبحثون عن الزوجة الثانية من أجل إقامة علاقة خاصة بصورة مختلفة عن تلك التي يمارسها مع زوجته التي قد تكون متحفظة معه فيها. التقينا بالدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر والذي أكد أن وراء هذه الظواهر الرجل غير المتدرب على التعامل مع الأزمات الزوجية، فعندما يصلون إلى مرحلة الأزمة وتزايد المشكلة فإما أن تطلق الزوجة أو يتزوج عليها زوجها، ولا يجيدان فن التعامل بشكل أفضل من ذلك وإنما تكون نهاية الأزمة مأساوية بخيار من هذين الخيارين. أما النقطة الثانية فهي أن الرجل نفسه في أزمة منتصف العمر يشعر بأنه قد بذل كل جهده وماله ووقته من أجل أسرته، وأنه قد حان الوقت ليعيد تقييم حياته على أساس يحقق له السعادة والمتعة والشعور بالتجديد، ويبدأ التفكير في حياته الماضية هل هو سعيد أم أنه لابد من الزواج الثاني لأن هناك أشياء كثيرة تنقصه ولابد من تعويضها، فهو في تلك المرحلة يعيد اكتشاف نفسه متوقعاً أنه سوف يستريح بعد زواجه الثاني ولكن الحقيقة عكس ذلك فقد لا يجد الراحة.. بل هذه هي الخطورة أنه حل قصير النظر لأزمة منتصف العمر. وأشار د. بحري إلى نقطة ثالثة تتعلق بميل بعض الرجال للصيد في المياه العكرة في ظل وجود عدد كبير ومتوافر من العانسات اللاتي فاتهن قطار الزواج وعلى استعداد تام بقبول أي شيء وأن يصبحن زوجة ثانية. وأوضحت د. عزة كريم ،أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن مشكلة التعدد يصاحبها مشاكل أخرى مثل انتشار الطلاق بسبب رفض العديد من الزوجات فكرة الزوجة الثانية، مشيرة إلى أنها صادفت العديد من حالات الجمع بين أكثر من زوجة لطبيبة ومهندسة متزوجتين من طبيب وتعيشان معا في نفس المنزل إحداهما تعمل والأخرى تربي الأطفال، مما يدل على أن الفكرة أصبحت موجودة ومقبولة في مجتمعنا. وأضافت أن الرجل بطبيعته غير المرأة، فهو لديه الاستعداد لأن يعيش مع أكثر من امرأة فضلا عن أن الغريزة الجسدية عنده أقوى من المرأة. الزوجة الثانية هي الحل من جانبها أكدت د. ملكة يوسف زرار ،أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر، أن التعدد رخصة مباحة وأن الإسلام أجاز التعدد للرجل إذا توافرت له القدرة على النكاح من مصروفات كاملة للزوجة الثانية شأنها شأن الأولى، مع تطبيق معيار العدل بين الزوجين في كل شيء كالمسكن والنفقة والمعاشرة الزوجية، وإذا لم يستطع الرجل الوفاء بذلك فواحدة أفضل. بينما أكد د. محمد رأفت عثمان ،عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أن تعدد الزوجات مباح شرعاً استناداً لقوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، مشيراً إلى أن غالبية الصحابة كان لهم أكثر من زوجة، ولفت إلى أن الزواج أكثر من مرة لابد أن يكون مشروطاً بضوابط أولها أن يستطيع الرجل الباءه وأن يستطيع النفقة وإذا عجز عن ذلك يحرم عليه التعدد. وأضاف: لابد أن يعدل الزوج بين الزوجتين في النفقة والسكن، وليس في الميل في القلب لأن القلب لا يمكن التحكم في مشاعره، ولكن لا يجب الميل نحو واحدة كل الميل، كما أشار إلى أن تعدد الزوجات يساهم في القضاء على مشكلة العنوسة في المجتمع فبدلاً من أن يكون للزوج امرأة أخرى صديقة ويقع في المحظور يكون له زوجة ثانية في الحلال. "رخصة" إلهية لا تقبل الجدال "رفضت دار الإفتاء الدعاوى المطالبة بتقييد الزواج" بهذه الجملة بدأ د. محمد الشحات الجندي ،الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حديثه قائلاً: لقد رفضت دار الإفتاء فكرة تقييد الزواج التي طالبت بها جمعيات حقوق المرأة في مصر وذلك بمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 وهو ما أثار جدلاً فقهياً وقانونياً. وقال: أريد الرد على من يقولون إن التعدد فيه إهانة للزوجات، فالإسلام لم ينشئ التعدد ولم يأمر به على سبيل الوجوب وإنما رخص فيه وقيده لمن كان في حاجة إليه، وله فائدة عظيمة في ظل ما يشهده العالم من انحلال أخلاقي لا حل له سوى هذا التشريع الإلهي الحكيم. فيما أكد د. حامد أبو طالب ،عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تعدد الزوجات له فوائد اجتماعية وأخلاقية فهو الحل عندما تكون هناك زيادة للنساء عن الرجال، كما هو شأن كثير من البلدان التي تعاني من قلة الرجال فيها عن النساء نتيجة الحروب أو الكوارث، وقد يكون مفيداً لأسباب تتعلق بكون الزوجة مصابة بمرض لا يستطيع معه الزوج أن يعاشرها، أو أن يكون الرجل دائم السفر ويتعذر عليه نقل زوجته وأولاده كلما سافر، أو يمتلك من القوة الجنسية ما لا يكتفي معها بزوجته. نقلا عن مجلة آخر ساعة- بتصرف