عزيزتنا »جولي«.. لقد كنتي رمزاً للمحبة والسلام والبراءة وأدخلتي الي حياتنا البهجة والسرور لن ننساك مدي العمر.. ارقدي في سلام حتي نلتقي«.. لن ننساك الي لقاء قريب هنا يرقد الصديق العزيز الغالي »هذه رسائل الحب والوفاء لم تكن مكتوبة علي قبور أشخاص بل حفرت علي مقابر الكلاب والقطط. نعم مقابر الكلاب والقطط.. التي وجهت رحلتي اليها هذه المرة لم تكن لمقابر العشوائيات أو الصدقة أو مقابر الأثرياء.. »أولاد العز والذوات« كما يطلق عليهم انما توجهت الي مقبرة الكلاب والقطط.. أعددت خصيصاً لدفنهما بنادي الجزيرة بالقرب من اسطبل الخيول وتتبع نادي الجولف.. أسست عام 1882. منذ تفكيري في زيارة هذا المكان شعرت بالخجل لأني لا أتوجه لزيارة مقابر »بني آدم« وانما هي كلاب وقطط »مع اعتذاري لأصحابها«.. وعندما تطرقت اليها بالفعل شعرت بالخجل اكثر وانتابني شعور بالأسي مخلوطاً بالاستغراب من مقابر مرصوصة رخامية أعدت علي جانب ليعبر من خلالها مالكو هذه الكلاب عن وفائهم وتتمثل في رد الجميل الي اخلاص حيوان لم يجده في بني جنسه.. لم أكن أعرف ماذا أفعل أول دخولي وردت بداخلي عبارات كثيرة »اقرأ الفاتحة ولا أعمل إيه بالضبط.. أدخل وأدوس علي المقابر وماذا أفعل لو رأتني احدي صاحبات الكلاب.. حقاً ستقتلني. زادت من دهشتي الحكايات التي حدثني بها حارس المقبرة والذي رفض ذكر اسمه، انه يتم دفن الكلاب والقطط في مراسم تأتي صاحبة أو صاحب الكلب حاملاً إياه بمساعدة المختصين بالأمر وسط دموع غارقة وأحياناً يسكبون التراب علي رؤوسهم حزناً علي فقدان حيواناتهم ويضعون بوكيهات الورود علي المقابر الرخامية ويكتبون كلمات الحب والاعزاز عليها. ويحكي الحارس »من شدة انهيار أعصاب احدي حسناوات نادي الجزيرة علي كلبها انهالت بالضرب علي الموظف المسئول بتصريح الدفن«.. وحكاية أخري يسردها الحارس ان مواطناً مصرياً يعيش بأمريكا يأتي لزيارة قبر كلبه بطائرة خاصة بين الحين والآخر. ويضيف: الكلاب لاتتسبب فقط في المشكلات والأزمات بين أصحابها بعد وفاتها فقط ولكن قد تصل الي حد الاشتباكات، وقد تصل الي الضرب بالأيدي بين أعضاء النادي بسبب كلب ضرب كلباً آخر أو عضه.. وكانت هذه القصص من أغرب المواقف التي مرت علي حراس مقابر الأثرياء من الكلاب والقطط، لم يكن بوسعي أثناء تجولي بين المقابر الا تذكر قطط قريتنا التي تموت وتتعفن في الشوارع وتدهسها السيارات واحدة تلو الأخري دون رحمة، أو الكلاب التي دوماً مصير من يموت منها هو »الترع«، ولا تجد من يواري سوءاتها أو يكتب فيها زجلاً وكلمات الأطراء المليئة بالمشاعر الجياشة، والتي فضل أولاد الذوات كتابتها في الحيوان لفقدانهم الوفاء في الإنسان. رسائل كثيرة تدغدغ المشاعر بالعربية والإنجليزية والفرنسية ومدون عليها تاريخ الميلاد والوفاء وأسماء أصحابها عبارات تقال في لحظات صفاء وحب بين أم وأولادها. الأمر هنا مختلف لأنها مكتوبة في حب الكلاب والقطط لفت انتباهي رخامة جديدة التي دفن أسفلها كلب وديع يدعي »تتازو« يوم »6 فبراير« الماضي أي أثناء ثورة »25 ناير« كنت أتمني في هذه اللحظة أن أتقابل مع صاحب هذا الكلب، الذي ترك الأحداث المشتعلة في جميع أنحاء مصر ليهتم فقط بدفن كلبه وتوديعه، ورسالة أخري موقعة من رئيس حزب العدالة الاجتماعية الدكتور محمد عبدالعال الي كلبه الذي كتب »أولجا« يا أرق وأجمل كلبة.. أبداً لن ننساك،ورسالة أخري عبرت من خلالها صاحبة القطة عن قيمة قطتها التي لم تجدها في البشر وكانت من رانيا الكردي الي قطتها »بلاكي« أدتيني أجمل احساس عمري ما لاقيته مع البشر«.. وكلمات غزل كثيرة »وداعاً... »روي« يا أخلص وأجمل وأرق مخلوق«، و»ثلاثة أربع أيام مضت علي فراقك كأنها دهر طويل لكن مشيتك الدلوعة بصمت علي أرض بيتنا ذكري جميلة حلوة ولم ننساك الي الأبد.. يالوزة مقشرة يانوسة »نتاشا« سأظل أبكيكي حتي آخر عمري لأنك عمري.. وبدونك سأفقد أهم ما في الحياة وهو الحب.. فإنت الحب الصادق الوحيد في حياتي »أما الرسالة التي توقفت أمامها »نوشكا.. غدرت بي الدنيا وأخذتك مني فجأة أموت عليك ولا أملك سوي دموعي وحزني الذي يمزق قلبي فانت ابنتي وحبيبتي ونور عيني.. فياحب عمري.. افتقدتك بجنون.. وحشتيني أوي«. ورسائل عاطفية ورومانسية مكتوبة باللغة الإنجليزية »شيري«.. قطتنا العزيزة.. منحتينا السعادة ل17 عاماً وأخري بالفرنسية »بروني.. أحبك ووحشتيني كل لحظة تمر علينا« بوزو.. هتوحشينا دائماً وبنحبك كثيراً منحتينا المحبة في عالم ضاع منه المعني وستظلي جزءاً مننا الي آخر العالم«. غادرت المقبرة ومازالت حالة الاندهاش تلاحقني.. وأثناء الخروج فوجئت بالحارس الذي يتبعني ينادي علي »مايلو« ظننت انها الكلبة التي تلاعبها احدي سيدات النادي الا انه ابلغني انها »مني هانم« التي تحب كل اعضاء النادي ينادونها باسم كلبها»مايلو«. تحدثت اليها وجدتها مولعة بالكلاب لأنها تربت معها منذ الصغر.. عرفت من خلالها انها دفنت الكلبة أم »مايلو في مقبرة نادي الجزيرة في عام 2006 وكانت تسمي ب»مايلا«.. طلبت منها ان نزورها سوياً الا انها رفضت قائلة »أرجوكي.. بلاش تقلبي عليا المواجع«. وواصلت حديثها »النادي كله زعل عليها لما ماتت دي كانت حبيبتي وأغلي حاجة في حياتي وفي الدنيا النادي كله كان بيحبها جداً.. وكانت عروسة النادي لأنها كانت الكلبة الوحيدة والباقي كله كان ذكور يعني كانت عروسة النادي.. كل الناس عزتني بها بالتليفون.. أنا لحد دلوقتي منذ 5 سنوات وأنا لسة موجوعة. وأضافت »أنا دايماً بخرج من الباب الخلفي لكي ألقي نظرة من شرفة سيارتي علي مقبرتها يومياً، وأقوم بزيارتها عندما تحل بي أزمة أو في المناسبات.. وأتذكرها كثيراً في أي مكان وأبكي عليها، قالت »منهم لله الحكومة هي السبب في موت »مايلا« وضعوا سماً لكلاب الشوارع الذي تناولته هي أثناء سيرها بجانبي وكان هذا عام 2006 وهو عام ثورة موت الكلاب كل أصحابي مات لهم كلاب في ذلك الوقت.. لم أستطع مقاضاة صاحب القرار لأننا كنا في عهد تكميم الأفواه«. ويبدو أن تكميم الأفواه لم يكن علي فساد الحكومة وحسب وانما كان علي أموت الكلاب بالسم في الشوارع أيضاً عزيزي.. هذه ليست نكات نطلقها عليك وانما هي واقع بنادي الجزيرة كتبت هذه القصة ويداعبني شعور انه اذا قام الفقراء بالعشوائيات التي زرتها من قبل بقراءتها سيكون أمامهم حل من اثنين اما ان يهشموا رأسي وإما أن يذهبوا الي نادي الجزيرة ليحتلوا تلك المقابر »مقابر أولاد الذوات«.. عفواً »مقابر كلاب أولاد الذوات«.