"اطمئن يا أبى أنا بخير لا تخف منهم"، كلمات رددها الطفل الفلسطينى محمد الدرة، قبل أن يرقد شهيدًا على ساق أبيه، فى مشهد أدمع البشرية وهز ضمائر الإنسانية، فهى جريمة بشعة كشفت للعالم مدى وحشية قوات الإحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. وقد أصبح الطفل محمد الدرة، أيقونة الانتفاضة الفلسطينية وملهمها، وصورتها الإنسانية، وذلك من خلال مشهد لن ينساه العالم، وهو يتلقى وابلًا من الرصاص ليموت إلى جوار والده في 30 سبتمبر عام 2000، لتشتعل بعدها الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقعت حادثة استشهاد الطفل محمد الدرة، الذى لم يكمل عامه الثاني عشر بعد، يوم الثلاثين من سبتمبر عام 2000، فى اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، بينما كان الطفل محمد يسير مع والده فى شارع صلاح الدين بقطاع غزة، فوجئا بوقوعهما تحت نيران إسرائيلية، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضى الفلسطينية. ولد محمد جمال الدرة، يوم 22 نوفمبر عام 1988 فى مخيم البريج بقطاع غزة، لأسرة تعود أصولها إلى مدينة الرملة التى احتلت وطرد أهلها منها عام 1948، كان والده يعمل نجارًا، بينما والدته ربة منزل. التقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان، المراسل بقناة فرنسا 2، مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد، خلف برميل إسمنتى، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية، وبذلك كشفت أكاذيب المنظمات اليهودية المتطرفة وقوات الاحتلال والتي كانت تلقي اللوم على المقاومة الفلسطينية في مقتل الطفل من أجل تشويه صورة الفلسطينيين لدى الرأي العام الدولي. كما أن الصحفى أندرلان، أشار فى كتابه "موت طفل" باعتراف قائد العمليات فى الجيش الإسرائيلى "جيورا عيلاد"، الذى صرح لهيئة الإذاعة البريطانية فى الثالث من أكتوبر، بأن الطلقات جاءت من الجنود الإسرائيليين. وتبقى صورة الطفل محمد الدرة وهو يحتمي بأبيه من أقوى المشاهد الصعبة التي ما زالت عالقة في أذهان العالم ولم يمحيها الزمن، وسيظل الدرة مثالًا للطفولة العربية التي قتلتها رصاص الاحتلال الغادر إلى يوم الدين.