بما مضى أم بأمر فيك تجديد (المتنبي) يحتفل المسلمون بفضل الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها في هذه الأيام بحلول عيد الفطر المبارك، فالعيد هو الفرح وأيامه هي أيام الفرح. وإذا كان قد ورد في الحديث الشريف أنه يوم أكل وشرب وفرح وسرور، فإن كلمة العيد اقتبست لتدل على كل مناسبة سارة أو سعيدة. ويبلغنا المولى عز وجل في رسالة العيد بأن نفرح ونسعد بقدومه وأيامه على ما قدمه العباد من عبادة وصوم وصلاة وتعبد وتهجد، فإذا كنا نحتفل بالعيد، فهو ابتغاءَ مرضاته تعالى. لقد امتلأت المساجد في رمضان تضرعا لله وإقامة عباداته وتلاوة القرآن ودروسه والتدبر فيه، وتدربنا على التضحيات والتحلي بالأخلاق الحسنة، ولو واظبنا الآن على كل هذه الحسنات في حياتنا اليومية فسيكون هذا مدعاة للطاعة الكاملة لله تعالى ولرسوله والتقرب إليهما. وهذا هو العيد الحقيقي الذي يحظى به المؤمن بعد تقديم التضحيات وإحداث التغييرات الطيبة في نفسه. ها نحن نستقبل عيد الفطر المبارك ونودع شهر الصوم والخير والبركة، لنستكمل الفرحة بعد عبادات الشهر الفضيل، وعلينا أن نجعل من أيام العيد المباركة فرصة حقيقية للسعادة. فالعيد فرصة لتجديد أواصر المحبة والتواصل، بين الأهل والأقارب، وفي العيد نبدد الأحزان بالفرحة، ونترك الأوهام والخلافات لنسعد فقط بفرحة العيد وبهجته. واليوم؛ علينا أن نحتفي بالعيد بصورة يومية بحيث لا تحرمنا الدنيا من مرضاة الله، حتى يثيبنا الله لصيامنا وإصلاح نفوسنا، ولكي نستحق الجزاء الحسن ومضاعفة الأجر والأهم نيل رحمة ربنا. فرحمته وسعت كل شيء. قال الله تعالى عن وعده بإعطاء الأجر أضعافا مضاعفة: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (الأنعام 161). وإذا كنا قد صمنا أيام شهر رمضان الفضيل وأقمنا لياليه وقيامه، فلنا أن نفرح في يوم العيد ونشكره الله على نعمه ومنها اختبارنا ونجاحنا في الاختبار لنيل مثوبة العتق من النار والرحمة والمغفرة، فالله لا يضيع أي تضحية بغير حساب. ونحن نستقبل أيام العيد، علينا بجعلها مناسبة للترويح عن النفس وتبادل مشاعر الحب والألفة وهجر المشاجرات والخلافات، وعدم شحن النفوس بالغضب، حتى لا تنقلب فرحة العيد نفوس غاضبة ومكتئبة. فالعيد مناسبة ربانية لنشر المحبة والألفة والاستقرار بين أفراد الأسرة الواحدة والعائلة الكبيرة. والعيد مناسبة للأطفال الذين يرتادون الأماكن الترفيهية للترويح عن أنفسهم سواء كانوا مع أسرهم أم بمفردهم. والعيد مناسبة أيضاً لتجديد أواصر المحبة ولم شمل الأسر. ولكي نجعل من عيد الفطر مناسبة لتجديد الود والحياة السعيدة والعشرة الطيبة، ولتأكيد المعاني الرائعة للحب والألفة بين أفراد الأسرة، علينا أن نعرف كيف نقضي أيام العيد، وكيف نستمتع بها، ليصبح عيد الفطر عيد فرحة وبهجة كما هو في حقيقته. ونحن نحتفل بالعيد، علينا بصلة الرحم بصحبة كل أفراد الأسرة لتنتشر الفرحة والمحبة والتآلف بين ذوي الأرحام، وليكون هذا درسا في تربية النشء حتى يكبر الأطفال ليكونوا حريصين على صلة أرحامهم كما اعتادوا وهم صغار. ونحن نحتفل بالعيد ونستقبله بالفرحة والسرور والأمل، نكمل معا نحن شعيرة من شعائر شهر رمضان المبارك بعد صيام أيامه الجليلة التي تحمل معاني عظيمة. فالعيد يكمل فرحتنا برمضان، فالمولى عز وجل وهبه لنا لنشكره على تمام العبادة، وابتهاجا بزكاته التي تدل على التآخي بين الأغنياء والفقراء. وهنا نفهم الحكمة العظيمة من هذه السنة الحميدة، فالكل يفرح ويسعد بقدوم العيد وينتظر أيامه المباركة، فمن عدل المولى علينا جميعا أن وهبنا نعمة زكاة الفطر، لننشر بها فضيلة الإحسان وليعطي الموسرون والأغنياء ضريبة بسيطة من سعة الله عليهم لإخوانهم ليتذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعموا بأطايبه، ولتقل الفجوة بينهم وتسعد البشرية بهذا الهبة الإلهية. وهي هبة يطبقها غيرنا على أنفسهم في جميع أوقات السنة وسبقونا إليها تأسيا بسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. والعيد ليس فقط رحمة وخيرا وسعة من العيش، فهو أيضاً هبة ربانية، فأيامه تسامح ورحمة وتزاور، وتجديد لأواصر المحبة بين الأقارب والجيران والأسر، ونسيان الخلافات لتتصافى القلوب بعد كدر، وتتصافح بعد ضغائن، والعيد بحق يعكس معنى بر الأرحام والتواصل بينها، لتأكيد معنى وصل ذوي القربى. وإذا كان العيد مناسبة دينية شرعها الله عز وجل للترابط والتواصل الأسري والاجتماعي، فهو مناسبة أيضاً تتوحد فيه الأمة الإسلامية، ومن نعمة الله علينا في العيد أن يتساوى الجميع، فالاحتفال والصلاة يشارك فيها جميع المسلمين وليس فئة دون الأخرى، والعيد مناسبة يسعد فيها الفقير والغني، ويلتقيان معا، الغني بقوته مع الفقير بضعفه على محبة ورحمة وعدالة، محبة وهبها الله للمسلمين ليتآلفوا بينهم، ورحمة منه بالغني ليزيده من فضله ونعمه عز وجل وبالفقير ليخفف عنه معاناته وآلامه وعوزه، وعدالة ليسوي الخير بينهما. والعيد مناسبة فرحة للكبير والصغير، تتألف فيه القلوب وتزول الأحقاد ويتواصل الناس فيه مع بعضهم البعض. وأخيرا.. على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عيدنا هذا أن نحمد الله عز وجل الذي شرع لنا في ديننا أعيادا حرم منها الآخرين، ونسأله جلَ وعلا أن يمن علينا باتباع السنة في حياتنا. فالعيد هو شكر لله على تمام العبادة لتطمئن النفوس وتعيش سكينة ووقارا تعظيما للخالق عز وجل، وشكرا على نعمه التي وهبنا إياها لنستبق إلى فعل الخيرات لنفوز بمكرمة الصوم والتصدق والزكاة وفرحة العيد. ففي العيد، تتجلى معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، ففي العيد تتقارب القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر. وفي العيد تذكير بحق الضعفاء في المجتمع الإسلامي حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، وهذا هو الهدف من تشريع "صدقة الفطر" في عيد الفطر. ويتجلى أيضاً المعنى الإنساني، عبر فرحة المسلمين وسرورهم في وقت واحد، ليظهر اتحادهم لتلقي الأمة الروابط الروحية. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية