مع ظهور هلال شهر رمضان من كل عام تتبارى الأقلام فى التعبير عن حالة الضيق العامة التى تنتاب الجمهور المصرى من التخمة الدرامية, مع التزايد المتوالى فى أعداد الأعمال التليفزيونية عاماً تلو الآخر لا لارتفاع معدلات الطلب أو التوزيع العربى والعالمى -لا سمح الله- ؛ ولكن لازدهار تجارة الفضائيات المصرية التى فتحت شهية منتجي الدراما ليلقوا إلينا ما يقرب من 70 مسلسلاً تتقاتل على شاشات مصرية لينكل بعضها ببعض، خاصة مع غرق الدراما وسط بحر المواد الإعلانية وتقلص مساحة الحلقات من 45 إلى 30 دقيقة بناء على رغبات المعلنين. وقد يتذكر بعضنا ما واجهته دراما العامين السابقين التى ضربت وقتها رقماً قياسياً بتقديم 40 مسلسلاً فى الموسم الرمضانى. بعد ان تعثر عدد لا بأس به من المسلسلات نتيجة لعدم خلو الشاشات حتى إن أسماء كبيرة مثل عادل إمام ويحيى الفخرانى ونور الشريف ويسرا وشريف منير خرجوا من السباق بلا شاشات أو تسويق فلم يقدم بعضهم أعمالا ولم يكمل البعض الآخر تصوير ما بدأوه كما فى «فرقة ناجى عطاالله» و«كاريوكا» و«فرح العمدة» وغيرها من الأعمال المؤجلة التى عرضت لتسهم فى ازدحام موسم 2012 . ولكن الظاهرة الأبرز هذا العام والتى تسببت فى زيادة عدد المسلسلات لدرجة عدم استيعاب القنوات التليفزيونية لها وهو ما يأتى كنتيجة حتمية لكون الدراما التليفزيونية هى الملجأ الاخير لنجومها الكبار، بالاضافة للوافدين عليها من النجوم الذين فقدوا اهليتهم السينمائية، فطلبوا حق اللجوء الفنى لجمهور التليفزيون ومنتجيه سواء لفشلهم فى العمل على التجديد فيما يقدمونه من افكار او نتيجة للأزمة التى تمر بها السينما وتراجع انتاجها بنسبة كبيرة جعلت الرهان يقتصر على اسماء بعينها لضمان تحقيق ايرادات تقترب من تغطية كلفة الفيلم السينمائى لتصبح الدراما التليفزيونية هى البديل لممارسة فعل التمثيل والإخراج. ولا يمكن ان ندين غزو نجوم السينما لدولة الدراما التليفزيونية رغم اختلاف قوانينها عن قوانين جمهورية السينما، ولا يمكن ان نحملهم مسئولية ازدحام الفضاء الرمضانى لانهم قبلوا ان يكونوا مجرد سلعة فى مقابل الحصول على عدة ملايين تقيهم غدر السينما التى استسلمت لبيات انتاجى متعمد، ولكن المؤسف ان اطلالة بعض نجوم الشباك لم تقدر ذكاء جمهور التليفزيون ولم تحترم عقليته التى نمت بمرور السنوات. ويأتى فى مقدمة نجوم السينما فتى الأكشن الأول أحمد السقا الذى دخل السباق بمسلسل «خطوط حمراء» والذى ظلم فى قراءته الأولى واتهم باستلهام أحداثه من فيلم السقا الاخير «المصلحة» لأنه يقدم فى كلا العملين شخصية ضابط شرطة، وهى رؤية تحمل من القصور ما يحمله العمل الذى حاول ان يلعب الدراما التليفزيونية بقوانين السينما ولكنه فشل فى اللعبة التى تحولت لمباراة فى الافتعال على مدار العشر حلقات الأولى، قبل ان يستسلم السيناريو للإيقاع التليفزيونى البطيء ويحاول السقا ان يسترد وعيه التمثيلى ويبدو أكثر اتزانا مع وضعه خلف القضبان , ويشارك السقا بطولة العمل كتيبة من النجوم تميز من بينهم أحمد رزق الذى تنازل عن تصدر التترات وراهن على الشخصية والأداء ليقدم «كراكتر» جديداً فى شخصية المخبر خفيف الظل التى خففت من ثقل الأحداث ورتابتها كما يختلف أحمد رزق فى مسلسله الثانى «الإخوة أعداء» ولكن اختياره «للتأتأة» فى محاولة للعب دور الشخصية ذات التركيبة النفسية المعقدة فى «الإخوة كرامازوف» لم يكن موفقاً فى كثير من المواقف ليصبح دوره مع احمد السقا فى خطوط حمراء هو الأفضل والأكثر تميزاً. وعلى طرفى نقيض يقف منافس السقا الأول كريم عبدالعزيز فى السباق الرمضانى متكئاً على سيناريو أفضل لبلال فضل يحاول من خلاله ان يستلهم الروح الكوميدية لفيلمه الأخير «فى محطة مصر» مع اختلاف محسوب فى تركيبة الشخصية وتدفق الدراما التى تلقى بالبطل من مأزق إلى آخر ولكن أزمة كريم الحقيقية مع أدائه للكوميديا هى اعتماده على كراكتر واحد يكرره من فيلم لفيلم مع اختلافات فى الجمل الحوارية لا فى أسلوب وطريقة الأداء وكأن موجة الكوميديا مضبوطة على هذه النغمة الصوتية والحركات المصاحبة للإفيهات التى يلقيها من آن لآخر. والأزمة نفسها وقع فيها هانى رمزى الذى ينافس بمسلسل «ابن النظام» الذى يقوم على فكرة جيدة تتماس مع الأوضاع السياسية الراهنة من خلال بطل يصفه لطفى لبيب بأن أباه هو الحزب وامه هى لجنة السياسات ولكن النوايا الطيبة لا تكفى لتقديم عمل فنى، خاصة مع لجوء هانى رمزى لنفس الأداء المفتعل واتلافه لكثير من المشاهد الكوميدية التى تعتمد على الموقف واصراره على تقديم مشاهد مكررة من اعمال سابقة وكأنه يمشى على خريطة افيهاته الخاصة ويخشى الخروج عنها حتى لا يتوه عن المنطقة التى تميز بها، وكانت سبباً فى تراجع نجوميته قبل ايراداته. ورغم موهبة هند صبرى الفطرية واختياراتها التى تحسد عليها فى السينما إلا أنها تنافس هذا العام بمسلسل «فيرتيجو» الذى لا يخلو من أمراض الدراما التليفزيونية فى المط والتطويل، رغم ان به جهداً ملحوظاً فى البناء الدرامى كما يقدم حالة تمثيلية رائعه خاصة بين هند صبرى ونضال الشافعى الذى قدم «كراكتر» جديداً ومختلفاً عن شخصية الفتى الشعبى الفهلوى التى قدمها فى اكثر من عمل درامى سابق حتى انه عاد لتكرارها بناء على توجيهات الزعيم فى مسلسل فرقة ناجى عطا الله. وبالنسبة لمسلسل «فرقة ناجى عطا الله» فالحكم عليه من الحلقات الأولى قد يظلمه ويضرب عرض الحائط بالجهد الكبير والواضح لرامى امام كمخرج، خاصة أن المسلسل بدأ أقرب لأفلام نادية الجندى المجانية على طريقة «مهمة فى تل ابيب»، ما يثير الاهتمام هو هذا التضارب فى وجهة النظر تجاه الكيان الصهيونى الذى تحمله أحداث المسلسل الذى تشعر أنه مع فكرة التطبيع أحيانا وأنه رافض لها فى احيان اخرى بالتحديد فى شخصية البطل وتكوينها المادى فى بداية الأحداث ثم اثناء العبور إلى الأراضى الفلسطينية وما بعدها. وما زال الصراع العربى الإسرائيلى وسيلة جذب لقريحة صناع الدراما، خاصة مع منافسة شريف منير على شاشات رمضان بمسلسل الصفعة الذى يعيدنا لأجواء مسلسل «رأفت الهجان» ولكنه حتى هذه اللحظة يقدم بطلا إسرائيليا من أصول مصرية فى استثمار واضح لنجاح شريف منير فى اداء شخصية ضابط المخابرات الاسرائيلى فى فيلم شريف عرفة «ولاد العم» ولكن قد تخفى الاحداث القادمة الكثير من التحولات التى تبررها مطاردة ضابط المخابرات المصرى هيثم زكى لباروخ أو شريف منير بدون مبرر درامى واضح حتى الآن، وقد يكون أداء شريف منير وهيثم زكى جيداً الى حد كبير ولكن العمل لا يخلو من كلاشيهات دراما الجاسوسية التى تدفع الممثلين للتحدث بالعربية، كانهم لا يعلمون من العبرية الا «شالوم» التى ابتلانا بها محمود عبد العزيز فى «رأفت الهجان» وما زالت ملتصقة بألسنة واذهان كتاب ونجوم الدراما ولا يقدمون شخصيات ابعد من تلك الشخصيات اليهودية التى طالما اجترتها السينما المصرية منذ الاربعينات والآن تعيد الدراما التليفزيونية كلاشيهات الشخصية الإسرائيلية للشاشات العربية فى مسلسلى «الصفعة» و«فرقة ناجى عطاالله». ورغم ابتعاد مصطفى شعبان عن السينما وتوقف مشاريعه الجديدة إلا أنه ضمن المحسوبين على جمهورية السينما ويشارك هذا العام بمسلسل «الزوجة الرابعة» بعد نجاحه العام الماضى فى مسلسل «العار»، الذى قدم من خلاله شخصية مختلفة عن تلك التى شاهدناها فى الفيلم الشهير ولكن حالة الإفلاس التى تملكت من الجميع دفعت مصطفى شعبان للاستعانة بموضوع يقترب من الموضوع الذى تعرف عليه الجمهور من خلاله فى مسلسل «الحاج متولى» وفى استمرار لحالة الإفلاس واجترار طرق الأداء يقدم شخصية تتطابق تركيبتها وطريقة ادائها مع شخصيته فى مسلسل العار التى أضحكت جمهور العام الماضى، وأشك أن تضحكه هذا العام لأنها أصبحت نكتة قديمة، ونفس الأزمة وقعت فيها علا غانم رغم تقبل الجمهور لشخصيتها فى العار وشارع عبد العزيز الا انها تحكم على نفسها بالسجن المؤبد فى زنزانة الكراكتر الواحد، رغم امكانياتها التمثيلية الكبيرة التى تتغاضى عنها وتلعب ادوارا تلعبها أخريات ولكن هذه الكلاشيهات تسقطها من صفوف النجوم الاولى لتقف فى طابور الكراكترات. محمد شكر