تحت عنوان "إذا انقلب العلويون على الأسد فإن مصيره محتوم"، كتب "روبرت فيسك" الكاتب البريطانى المعروف فى مقاله اليوم بصحيفة "إندبندنت" البريطانية. وقال: إن التطورات الاخيرة فى سوريا تثير العديد من التساؤلات والاستفسارات. وبدأ الكاتب مقاله بالحديث عن مدينة "حلب" العاصمة الشمالية لسوريا وأغنى المدن السورية. وقال: إن هذه المدينة التاريخية ذات الحضارة القديمة والآثار العريقة التى تعود الى القرن الرابع عشر والتى تبعد 70 ميلا من البحر المتوسط، أصبحت لأول مرة منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية مركزا للقتال بين الجيش السورى وقوات المعارضة. يأتى ذلك متزامنا مع حدث كبير أذهل العالم العربى، وهو التفجير الضخم الذى هز دمشق ووجه ضربة قوية لنظام الرئيس السورى "بشار الاسد" الاسبوع الماضى وأودى بحياة أربعة من كبار القيادات الأمنية والعسكرية بمن فيهم وزير الدفاع ونائبه ورئيس المخابرات والمستشار العسكرى للرئيس بشار. ولم تمر ساعات على هذا الحادث المروع، حتى اندلع عنف مفاجئ فى مدينة حلب، وهو الحدث الأكثر أهمية. وأشار "فيسك" الى أن حلب التى تضم أثرياء سوريا والنخبة التى تتحكم فى عالم المال والاقتصاد، ظلت طوال الاشهر الماضية المدينة الأكثر دعما للاسد . وهناك اتفاق ضمنى بين الحكومة التى تنتمى للطائفة العلوية والطبقات الوسطى السنية فى المدينة وغيرها من المدن، إلا أن المؤشرات تؤكد أن هذا الاتفاق بدأ فى الانهيار. وتعتبر حلب مهد الزراعة - فنهر الفرات يجرى على بعد 70 ميلا فقط إلى الشرق من المدينة، وهى أيضا مقر المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا)، وهو واحد من أفضل المؤسسات من نوعها في العالم. حيث يعمل المركز على زيادة إنتاج الغذاء في آسيا وأفريقيا، اللتين يعيش فيهما أكثر من مليار نسمة، 50% منهم يكسبون رزقهم من الزراعة. وتقوم الجهات المانحة وتشمل بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وألمانيا وهولندا والبنك الدولي بتمويل المركز وهناك 500 موظف دولى ما زالوا يعملون في حلب. وقال الكاتب إن مجموعة مسلحة قامت بمهاجمة محطة البحوث الرئيسية في "تل هداية"، 20 ميلا من مدينة حلب، وقامت بسرقة السيارات – لاستخدامها كسيارات مسلحة مزودة بمدافع رشاشة - إلى جانب الآلات الزراعية وأجهزة الكمبيوتر. ومن حسن الحظ أن بنك "إيكاردا" الجينات آمن وتم نقله خارج سوريا. كما تحركت الحكومة السورية وأقامت حاجزا عسكريا بالقرب من ممتلكات إيكاردا في تل هداية . والآن وبعد أن انتشرت الثورة عبر كل سوريا تقريبا، للأسف، يقوم الحزب البعثى بتدمير القرى السنية المتاخمة لمعاقل العلويين . ففى يوم الأربعاء الماضي، على سبيل المثال، هاجمت طائرتان هليكوبتر بلدة "حوش" السنية الصغيرة، مما اضطر 7 آلاف من السكان للفرار خوفا على حياتهم. ولمدة أسبوعين، تعرضت "حوش" وغيرها من المدن السنية الصغيرة للقصف، وهي في الواقع لا يوجد بها متمردون لكن هناك شكوكا متزايدة بتواجدهم . وقال الكاتب إن هذه هي سياسة متعمدة من حزب البعث للتحضير لتقسيم سوريا اذا سقطت دمشق، ويطابق هذا الوضع ما حدث تقريبا ل "دولة العلويين" التى نشأت مؤقتا من قبل الولاية الفرنسية التى احتلت سوريا بعد الحرب العالمية الأولى وقسمت البلاد الى دويلات مصغرة على أسس طائفية. ورأى الكاتب أن مذبحة "الحولة"، وهى قرية سنية، التى وقعت فى الخامس والعشرين من مايو الماضى، كانت بداية الانتقام العلوى من السنة، خصوصا أن المذبحة كانت انتقاما لتسمم "آصف شوكت" نائب وزير الدفاع وصهر الرئيس "بشار"، والذى اغتيل فى أحداث الاربعاء الماضى بدمشق، وتدور شكوك حول ما إذا كان "شوكت" قتل بالفعل فى أحداث الاربعاء أم أنه قتل منذ حادث التسمم فى مايو الماضى. وأثار "فيسك" نفطة مهمة، وهى حالة التنافر وعدم التناغم بين التجمعات الدرزية ونظام "الاسد"، وقال إنه رغم العلاقة الغريبة التى جمعت بين الزعيم الدرزى اللبنانى البارز" وليد جنبلاط" ونظام الرئيس "الاسد"، والتى كانت جيدة أحيانا وعدائية أحيانا أخرى، الا أن "جنبلاط" دعا الدروز في الأسبوع الماضي، وكذلك العلويين في سوريا للانضمام الى التمرد ضد نظام "الأسد". وقد هاجم حتى حلفائه في موسكو، واصفا مساندة روسيا لبشار بأنها لم تعد مقبولة أخلاقيا أو سياسيا". وأضاف الكاتب أن "جنبلاط" يتحدث بهذه اللهجة بعد أن قتل تل ثلاثة دروز سوريين هذا الشهر. فقد قتل "مجد زين"، وهو درزي عضو فى الجيش السورى الحر، خلال هجوم على الرستن. وأعدم "شفيق شقير" و"عواد ياسر" على يد الجيش السوري عندما اكتشفوا أنهم يساعدون جنودا فى الجيش السورى على الانشقاق. ولذلك يدعو "جنبلاط" حاليا جميع العلويين للانضمام الى التمرد بدلا من أن يصبحون أقلية تعتمد على "الأسد" من أجل البقاء. وأضاف: "أقول لهم إن عليهم أن يكونوا سوريين قبل أن يكونوا علويين". وختم الكاتب بأن الإحصاءات الأخيرة تظهر أن 58% من عدد السكان في سوريا تحت 24 سنة عاطلون عن العمل (أعلى، حتى، من مصر)، في حين أن 48% من هذه المجموعة العمرية 18-29 عاما - ليس لديهم وظائف، وقد انضم معظمهم للثورة.