من أهم ثمرات الصيام هى تدريب المرء على القدرة على الحياة مع الحرمان فى صورة ما.. فالصيام يربى فى المرء الانتصار على النفس، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يسأل أهل بيته فى الصباح : أثَم ما يفطر به؟ فيقال : لا! فينوى الصيام، ويستقبل يومه كأنه لم يحدث.. ويذهب فيلقى الوفود ببشاشة ويبت فى القضايا، وليس فى صفاء نفسه غيمة واحدة ! وينتظر بثقة تامة رزق ربه دونما ريبة، ولسان حاله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. إنها لعظمة نفسية جديرة بالإكبار أن يواجه المرء البأساء والضراء مكتمل الرشد، باسم الثغر، والأفراد والجماعات تقدر على ذلك لو شاءت!.. فقد استخدم الزعيم الهندى «الماهاتما غاندي» على سلاح الصيام واعتمد عليه عندما حارب «بريطانيا» تلك الامبراطورية التى كانت لا تغيب عنها الشمس.. فقد كان الإنتاج البريطانى يعتمد على الاستهلاك الهندي.. وقرر غاندى أن ينتصر بتدريب شعب الهند على الاستغناء فلبسوا الخيش ولم يلبسوا منسوجات «مانشيستر»، وأكلوا الطعام بدون الملح ما دامت الدولة تحتكره، وركبوا أرجلهم ولم يركبوا سياراتهم.. وقاد غاندى حركة المقاطعة رجل نصف عارٍ جائع، يتنقل بين المدن والقرى مكتفيًا بكوب من اللبن. واستجاب الهنود لغاندى ذاك الرجل الزاهد، وشرعوا يسيرون وراءه فإذا الإنتاج البريطانى يتوقف، والمصانع تتعطل، وألوف مؤلفة من العمال الإنجليز يشكون البطالة. واضطرت الحكومة إلى أن تطلب من «غاندي» المجيء إلى لندن كى يتفاوض معها، أو يملى شروطه عليها!!. إن الإنسان الذى يملك التحكم فى شهواته قوة خطيرة، كذلك الشعب الذى يملك القدرة فى التحكم فى شهواته قوة أخطر، فهل نعقل ونعمل؟.. د/عبد الوهاب القرش باحث فى التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية
