أيام قليلة وساعات تكاد تكون معدودة هى التى فصلت بين حلف اليمين والقسم الذى أقسمه رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسى أمام المحكمة الدستورية العليا باعتبارها أعلى سلطة قضائية فى مصر والثالثة علي مستوى العالم بعد بريطانيا وأمريكا فى نفاذ أحكامها وبين قراره الصادم بعودة مجلس الشعب المنحل للانعقاد مرة أخرى ومباشرة اختصاصاته ضاربًا عرض الحائط بحكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب والذى يجب أن يكون حكمها واجب النفاذ وغير مطعون عليه. هذا القرار الصدمة اعتبره علماء الاجتماع والمثقفون ضربة موجعة للدولة المدنية فى مصر. يرى الدكتور أحمد يحيى أستاذ الاجتماع بجامعة قناة السويس أنه من المؤكد أن الرئيس محمد مرسى قد استعجل فى اتخاذ هذا القرار وكان من المفترض أن يعطى نفسه برهة من الوقت وفسحة من النقاش مع القوى السياسية والأحزاب المتواجدة داخل البرلمان بالاضافة إلي حوار واضح وصريح مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومع الهيئة القضائية التى أصدرت هذا الحكم، وهذا كله يعنى أنه رجل لا يسعى إلي الصدام وبما أنه اتخذ هذا القرار دون أن يفعل ذلك فهى مواجهة صريحة وغير مفهومة أو مبررة وتأخذ شكل خدمة الأغلبية الإخوانية والتيار السفلى بالدرجة الأولى، وهذا ما يؤكد أن الرئيس يعمل لصالح الإخوان فى المقام الأول، والسؤال هنا: ألم يتعلموا أو يفهموا أن ثقافة الاستحواذ والتكويش علي مقدرات هذا البلد سوف تفقدهم مصداقيتهم وتعمق من رفض المجتمع لما يقومون به من أعمال؟ ثم يأتى السؤال الأهم: من ينقذ مصر من الإخوان؟ خاصة أن كل المؤشرات تؤكد سعيهم الحثيث نحو السيطرة علي مقدرات هذا البلد وامتلاك السلطة دون أن يقدموا لنا أى نموذج نستطيع أن نقول إنه ذو كفاءة أو خبرة. وكنت أتمنى أن يهتم الرئيس أولاً بدعم مؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية من تشكيل حكومة وتسمية رئيسها والعمل علي مشاكل الناس واحتياجاتهم بدلاً من إصدار قرار يعمق من الخلاف والصدام ويحمل فى طياته سوء النية وفقدان المشروعية ويظل السؤال قائمًا: من يحمي مصر من الإخوان؟! ويضيف الدكتور أحمد يحيى قائلا إنه غير متفائل علي الاطلاق، مشيرًا إلى أن المقدمات التي حدثت فى مصر منذ الثورة تشير إلي ثلاث قضايا تتكون من: الفشل والفوضى والانفلات فكيف نتفاءل دون معالجة هذه القضايا الثلاث فمازال الفشل مستمرًا والفوضى تعم كل المؤسسات، ومن هنا فإن التفاؤل يأتى من مقدمات صحيحة منها رفض قطاع من السلفيين تحية العلم والنشيد الوطنى فكيف نأمن لهؤلاء أن يضعوا دستور المستقبل وكيف أتفاءل من جماعات التيار الاسلام السياسى التي تأخذنا للخلف وإلي عهود الظلام والاحتكام إلي شرائع فى مخيلتهم وتهديد الأمن والسلام الاجتماعى مثلما حدث فى السويس وغيرها ناهيك عن ارتفاع الاسعار وتدنى مستوى المعيشة والقلق الاجتماعى الدفين والخوف من المستقبل وعلاقات أطياف المجتمع المختلفة فالمجتمع منقسم تمامًا. فهل يستطيع رئيس الجمهورية أن يزيل هذا الانقسام والتوتر والقلق المشروع أم يعمق بقراراته وانحيازاته إلي مزيد من الانقسام داخل المجتمع المصرى. الدكتور على بركات أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان يرى أن قرار الرئيس الدكتور «محمد مرسى» هو تجاوز لحكم المحكمة الدستورية العليا والتي تعتبر حسبما يشير إليها رجال القضاء أعلى سلطة قضائية فى البلاد، وبما أن المحكمة أقرت عدم مشروعية مجلس الشعب وعدم صلاحيته واعتباره باطلاً فما كان يجب أن يأتى الرئيس ويرفض هذا الحكم. وأنا هنا أتحدث عن منطق المواطن العادى الذى سيصدر ضده أو معه حكم من المحكمة عندما يجد أن قرارات أعلى سلطة قضائية فى مصر لا تنفذ فبالتالى هذا المواطن العادى قد ينفذ حكم المحكمة أو لا ينفذه، ثم هذا القرار يأتى فى وقت والبلد فى حالة مأزومة والوقت غير ملائم ولا أستطيع أن أفسر القرار الذى اتخذه الرئيس سوى بأن الإخوان المسلمين يريدون الانفراد بالسلطة القضائية والتنفيذية ومن خلال تجربة السنة ونصف السنة بعد ثورة 25 يناير فالأمر لا يبشر بالخير، وكنت أتصور أن الرئيس «محمد مرسى» سينحاز لجموع المصريين وسينفصل عن توجهات الإخوان وعندما أقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا الكل اعتبر هذه الخطوة مطمئنة إلي حد بعيد إلا أننا صدمنا بهذا القرار بعد أقل من أسبوع من حلف اليمين! وحتى إذا فسرنا هذا القرار تحت فقه الضرورة فالوقت لا يسمح بهذه الضرورة. بل على العكس تمامًا كنت أرى أن تكون البداية التي ينطلق منها الرئيس محمد مرسى هى أن يبقى علي حكومة الجنزورى لوقت أطول حتى ينشط الاقتصاد المصرى المتعثر فنحن فى حاجة إلي حكومة قوية ووزارة الجنزورى قادرة أن تفعل ذلك وأن تصبح فترة رئاسة الدكتور مرسى نفسه فترة انتقالية لعودة الاستقرار فى البلاد، ومن يقرأ التاريخ يعرف أن الفترات الانتقالية للشعوب تحتاج إلي وقت وليس كما يتردد مائة يوم وغير ذلك من اللغو السياسى فالثورة الفرنسية أخذت 30 عامًا حتي استقرت الأمور فى فرنسا وليس عيبًا أن يكون رئيس دولة مصر بعد ثورتها المجيدة فى 25 يناير هو رئيس انتقالى يعبر بالبلاد إلي حالة الاستقرار والأمان وأن يعيد بناء مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية وأن يضع خطة اقتصاد ممتدة السنوات يشرح فيها أى اقتصاد سوف تتخده مصر فى المرحلة المقبلة سواء كان اقتصادًا اشتراكيًا أم رأسماليًا أم حرًا وغير ذلك من خطط ومشاريع بناء الدول بدلاً من صدور قرار بعودة مجلس الشعب الباطل. فى النهاية يقول د. على بركات أن الدكتور محمد مرسى كان يجب عليه أن يعلن انحيازه للشعب المصرى وليس لقطاع وفصيل سياسى معين والقلق كل القلق فى ظهور دكتاتورية جديدة أكثر شراسة من قبل فلم يحدث فى عهد عبدالناصر أو السادات أو مبارك نفسه الذى قضت المحكمة الدستورية العليا فى عهده ببطلان مجلس الشعب ولم يجرؤ على أن يطعن فى قرارها. الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس يرى أن قرار مرسى بعودة مجلس الشعب قرار جانبه الصواب وخلق فجوة بينه وبين المصريين وكذلك بينه وبين المجلس العسكرى الذى لم يتدخل حتى الآن فى الأحكام القضائية، كما أن هذا المجلس الذى أعاده الرئيس بقرار جمهورى وانتخبه الشعب كان مجلسًا معيبًا سيئ الأداء واتهم اثنان من نوابه بقضايا مخلة بالشرف فى غضون شهور قليلة. مما جلب إلي المجلس بأكمله سخطًا شعبيًا، ويضيف كما أنه خلال الفترة الماضية كان هناك خروقات للإخوان منها جلوس سعد الكتاتنى فى الصف الأول أثناء خطاب الرئيس فى جامعة القاهرة فى حين لم يجد شيخ الأزهر مكانًا يجلس فيه، هذه الأمور تجعل الجماعة تقترب من نهايتها لأنها بدأت تفقد تعاطف الناس الذى طالما تمتعت به عندما كانت جماعة محظورة ومضطهدة من النظام، وأى جماعة يرفضها الناس لابد لها من أن تختنق لأنها فى النهاية جماعة شعبية وتنمو بين الناس. الدكتور عبدالمنعم تليمة أستاذ النقد يرى أن قرار الرئيس محمد مرسى بعودة مجلس الشعب إلي مزاولة نشاطه وانتهاكه أحكام المحكمة الدستورية العليا هو جانب من جوانب متعددة للصراع على السلطة، هذا الصراع القائم بين القوتين الشموليتين، القوى الدينية التي تحكمنا باسم الدين دون أن يوصى إليها من الله بذلك، والقوى الأخرى هى المجلس العسكرى الذى يحكمنا باسم السياسة دون أن نوكله فى ذلك أو ننتخبه، وأضاف تليمة أن قرار الرئيس هو انتهاك صريح للقانون والدستور اللذين أقسم مرارًا علي احترامهما، وأكد أن الأمل الآن مرهون بالثوار الذين أذهلوا العالم فى 25 يناير هم مازالوا قادرين علي إذهال العالم الآن بالحفاظ على مدنية الدولة. الدكتور حسين حمودة أستاذ النقد يقول نحن بحاجة إلى إعادة نظر فى بعض البديهيات التي كنا قد قطعنا شوطًا بعيدًا فى معرفتها، من هذه البديهيات أن فكرة الدولة تتجاوز مفهوم العشيرة وليس الدولة. فالدولة يجب أن تستند إلي قوانين واضحة ودستور يحترم حقوق الجميع بعيدًا عن تنوع انتماءاتهم الدينية والفكرية، ويجب أن يرتبط هذا كله باحترام الأحكام القضائية، وعندما تتوفر كل هذه الأشكال التي تنظم الدولة والمجتمع يمكن بعد ذلك أن نفكر فيما يواجهنا من مشكلات وكذلك فى إمكانية حلها، أمام قرار الرئيس محمد مرسى بعودة مجلس الشعب رغم أنف القانون هو هدم لأركان دولة القانون ويضيف لا أرى معنى لعدم احترام حكم قضائي صدر عن مؤسسة قضائية بمرسوم جمهورى خاصة وأن هذا المرسوم لا يستند إلي أى مبررات واضحة، بعد أن تخيل المصريون أنه رئيس لهم جميعًا وليس رئيسًا لفصيل بعينه، وتمنى حمودة أن يكون المصريون اكتسبوا الخبرة الانتخابية التي تجعل لديهم القدرة فى اختيار المجلس القادم بحيث يكون برلمانًا حقيقيًا يناقش قضايا حقيقية أكثر أهمية من تلك التى اهتم بها البرلمان المنحل والذى انتهى دوره وأعيد وضعه فيما يشبه غرفة للعناية المركزة.