ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    مدرب أتالانتا قبل نهائي الدوري الأوروبي: كلنا ثقة بعد عودة هدافنا    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عندما توفرت العدالة فزت على الأهلي.. وأتمنى مواجهته في السوبر الإفريقي    سيراميكا كليوباترا : ما نقدمه في الدوري لا يليق بالإمكانيات المتاحة لنا    معدية أبو غالب.. وكيل القوى العاملة بالنواب: ضعف الرقابة سبب تكرار هذه المآسي    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    إبداعات| «سقانى الغرام».... قصة ل «نور الهدى فؤاد»    تعرض الفنانة تيسير فهمي لحادث سير    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    لعيش حياة صحية.. 10 طرق للتخلص من عادة تناول الوجبات السريعة    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    بلينكن: طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية يعقد اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    الزمالك: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    عاجل - نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الجيزة.. رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني Natiga.Giza    قناة السويس تتجمل ليلاً بمشاهد رائعة في بورسعيد.. فيديو    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير شارع صلاح سالم وحديقة الخالدين    شارك صحافة من وإلى المواطن    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 22 مايو 2024    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    ضد الزوج ولا حماية للزوجة؟ جدل حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق ب"كلمة أخيرة"    كاميرات مطار القاهرة تكذب أجنبي ادعى استبدال أمواله    بعبوة صدمية.. «القسام» توقع قتلى من جنود الاحتلال في تل الزعتر    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    أول فوج وصل وهذه الفئات محظورة من فريضة الحج 1445    عمر مرموش يجرى جراحة ناجحة فى يده اليسرى    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 22-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الإسلامى د. محمد عمارة يكتب: سعد باشا زغلول.. ابن الأزهر الشريف
«الحلقة الثانية»
نشر في الوفد يوم 01 - 05 - 2019

جعل التعليم أهلياً ورفع عدد الكتاتيب فى القرى وضاعف الإعانات المالية
زعيم الأمة يستنكر اجتراء طه حسين على القرآن فى كتابه «الشعر الجاهلى»
وقف ضد محاولات على عبدالرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم»
«سعد» يعترف بدور الدراسة الأزهرية فى استقلاله الفكرى
فى الحلقة السابقة تناولنا المراسلات التى كانت بين سعد زغلول باشا وأستاذه الإمام محمد عبده التى شهدت على مكانة «سعد» عند الإمام، وهى مكانة الابن والتلميذ والمريد والساعد الأيمن والمؤتمن على الأسرار.
فى هذه الحلقة نستعرض نماذج أخرى من الرسائل:
الرسالة الثالثة، والتى أجاب بها سعد زغلول على رسالتين للإمام محمد عبده، أرسلتا فى شهر واحد، وفى أسبوعين متواليين - فإنها ذات دلالة خاصة فى موضوعنا - تأثير الدراسة الأزهرية الشرعية على الشيخ سعد زغلول - فعلاوة على شهادة هذه الرسالة على قيام سعد زغلول بواجبات الابن البار من والده - من مثل إرسال «الفرش» واللوازم المنزلية من القاهرة إلى بيروت عبر ميناء الإسكندرية - وحديثها عن اشتغاله بالمحاماة، وتحسن حالته المالية فإن فيها سطوراً كثيرة يتحدث فيها سعد زغلول عن عقائد إسلامية يدور حولها الجدل فى علم الكلام، وتصدر حولها الكتب، ويناقشها أهل السنة والجماعة.. من مثل عقيدة «خلق القدرة»، ولعلها عقيدة المعتزلة فى خلق الإنسان لقدرته واستطاعته وأفعاله الاختيارية، وسعد زغلول يحكى - فى هذه الرسالة - ما دار بمصر يومئذ من جدل حول هذه العقيدة، ويطلب من أستاذه محمد عبده أن يكتب فى هذا الموضوع شرحاً كالذى سبق وكتبه على «شرح الدوانى للعقائد العضدية».
وفى هذه الرسالة يتكلم سعد زغلول بأسلوب البلغاء من الفلاسفة والمتكلمين.. كما أن فيها حديثاً عن مقالات نشرها جمال الدين الأفغانى عن حال مصر والأمة، وواجبات المرحلة لمواجهة هذا الذى حدث لمصر بعد الاحتلال، وفى الرسالة إشارة إلى تفرغ محمد عبده - فى منفاه - لمناجزة الأعداء، ودعاء حزبه له بالفوز والنصر عليهم، وهذا نص الرسالة:
«حضرة الأستاذ الفاضل والمولى الكامل.
وبعد تقبيل اليد الكريمة، فقد ورد علينا كتابكم، وسررت غاية السرور بما أحسنتم علينا به من إهداء الصورة التى حفظناها فى العيون، وجعلنا بروازها من القوة الحافظة لتكون على الدوام نصب الخاطر، ولا بدع فهى مثال الكمال، ومرآة الجلال، وراموز الوقار، وعنوان الاعتبار.
ذكرت أنك تفرغت لمناجزة الأعداء، فدعونا الله تعالى لجنابك بالفوز العظيم، والنصر المبين، وسألنا منه عناية تلزم أعمالك، ورعاية ترافق آمالك.
اطلعنا على مقالة السيد فى جريدة البصير، فعلمنا أنها لم تصدر إلا عنه، وقد كان لها الواقع الجميل فى نفوس المصريين على اختلاف طبقاتهم، وقد رأينا له مقالة أخرى هذه المرة فى تلك الجريدة عنوانها «مضار الشقاق ومنافع الوفاق» نسجها على منواله المعهود، وبين فيها أسباب سقوط الأمم وموجبات ارتفاعها، ووعد فى آخرها بنشر رسالة تتضمن إيضاًح ما يوجب رفعة الأمة بعد سقوطها، ومن الغريب أن آراءه فيما يختص ببلادنا تصادف منازل الاستحسان عند أولياء الإنكليز الأقدمين، ويصوبونها فى كل محفل حضروه، مع كونها سهاماً مفوقة إليهم، ولكنهم لا يعقلون.
«خلق القدرة» مرت أيام على القائلين به، رأوا فيها من الأحوال ما زلزل اعتقادهم، وألحق بوجوههم غبرة ترهقها قترة، وأولى عقولهم سباتاً تليه حيرة، وصيرهم يوالون من كانوا عنهم يولون، خصوصاً فى الأوقات التى قدم من كانا غائبين، ففيها كثرت قالة الناس فى هذه العقيدة، وسقطت درجة اعتبارها عند من كانوا يعظمون شأنها ويتباهون بكونهم فى متابعتها من المخلصين، بل جاهر الكثير من بتسوئتها، وتزييفها، ولو كانت هذه العقيدة ذات عقل أو إحساس لما رضيت بالإقامة فى مركزها من قلوب بعض معزلاً الذين لا يقدرونها حق قدرها، ولكن تقوت من بضعة أيام وتهافت الناس على أبواب كنهها، ولا يصل إلى إدراكها إلا القليل، وربما ألهم الوصول إليها وإدراكها من بين «النظار» إليها المتشوفين إلى التيمن باعتقادها من لا يحسب له الناظر حساباً، وزادها مهابة وقبولاً عند الأفهام اطلاعهم على كتاب من الكتب المؤلفة حديثاً فى عقائد أهل السنة والجماعة يسمى النظام، فإن ظواهر عباراته وأنفياته وإطلاقه وتقييداته كشفت للعقول أن لهذه العقيدة نفوذاً مبسوطاً فى مملكة الحق، وأن مكانها من الثبوت رفيعاً.
وأظن حضرتكم اطلعت أو تطلع على هذا الكتاب، ولا تتأخرون عن تعليق شرح عليه يكشف نقاب معانيه، ويحل رموز مبانيه، فلحضرتكم شغف شديد بشرح كتب التوحيد وتوضيح مبهماتها، ونود أن يكون على أسلوب الحاشية التى علقتموها على العقائد العضدية فى «اتخاذ أقرب الطرق» إلى حل الرموز وتوضيح المقصود.
أظن الفرش وصل لحضرتكم، فقد وردت إفادة إرساله منذ أسبوع.
طلبتم أن نوضح لحضرتكم كل ما ينفق على ما تطلبونه من المصاريف، ليكون لكم الحرية التامة فى الطلب، وإنى مع جرح خاطرى من هذا التعليل أقول: إن الكتب لم ينفق عليها إلا أربعة وعشرون قرشاً، والفرش لا أعرف ما أنفق عليه، فإن الشيخ أحمد الليثى غائب، وهو الذى تولى إرساله من محطة مصر إلى إسكندرية، والذى أرسله منها إلى بيروت هو قريب حضرة الوالد حسين أفندى وافى، هذه النفقات بالله أرجو من مكارم حضرتكم أن تعافونا من هذا البيان، وكل ما ترغبون إرساله مرونا به ونحن نقوم بإرساله، ونفقاته نقيدها فى دفتر مخصوص، وفى أى وقت نحاسبكم على مقتضاه، والحمد لله عندنا فلوس كثيرة لا نحتاج إلى أن ترسلوا لنا شيئاً منها الآن، فقد شرعنا نتوكل فى بعض القضايا ولا يخفى على حضرتكم، وذلك بمعونة ومشاركة منبع الصفا، وعلى الله نجاح المأمول.
تكلم حضرة الوالد منبع الصفا مع قريبه فى شأن إرسال مصطفى بالطريقة التى أشرتم إليها، فوعد بأن عند توجهه إلى إسكندرية يتكلم مع الحاج سعد الله حلابه فى ذلك ويفيد حضرة حسن أفندى، وقد توجه من يومين وينتظر حضوره غداً أو بعد غد، وهنالك ننظر ما يكون.
ضمن هذا مكتوب من حضرة الشيخ محمد المزين.
يسلم على حضرتكم جميع من تعرفون أسماءهم فى رسائلنا، وحضرة محمد أفندى الألفى، والشيخ العيدروس شاه بندر تجار الزقازيق، وحضرة منبع الصفا، والشيخ حسن أخوه، والسيد أمين، وثابت أفندى، وفتحى أفندى.
ونحن نسلم على حضرة عارف أفندى، وقد سررنا كل السرور بإزاحته من علته، زاده الله صحة فوق صحته وبارك فى عافيته.. وعلى حضرة إبراهيم أفندى على، وما نختاره إلا ما اختاره لنا، وعلى حضرة إبراهيم أفندى جاد، وعلى حضرة «أستاذنا» محمد أفندى الصدر، وحضرة حسن أفندى يسلم على جميعهم، أمتع الله عيون البلاد بعودتكم جميعاً إليها، والسلام».
كاتبه ولدكم.. سعد زغلول
تلك هى الرسالة الثالثة، التى تحدث فيها سعد زغلول حديث الباحث فى علم الكلام، المنقب عن آراء العلماء «النظار» فى مذاهب المتكلمين من أهل السنة والجماعة.. والطالب من أستاذه الفاضل ووالده الكامل شرح ما أغلق عليه من مباحث هذا الفن من فنون الاعتقادات.
وهكذا توالت المراسلات بين الأستاذ الإمام وبين الشيخ سعد زغلول، مفصحة عن المكانة الممتازة والمتميزة لسعد فى طليعة مدرسة الأستاذ الإمام وحزبه.. وهى مراسلات جديرة بدراسة خاصة، تحلل مضامينها، وتستخلص دلالاتها، وتكتشف إضافاتها إلى تاريخ تلك الحقبة وما شهد من أحداث جسام.
كذلك أرسل الأستاذ الإمام سنة «1305 ه/1888م» من بيروت مقالة عن الوحدة الوطنية فى مصر.. أرسلها إلى سعد زغلول، ليعيد نشرها فى الصحف المصرية.
ومنذ عودة محمد عبده من المنفى إلى أرض الوطن - أواخر سنة «1306 ه/1888م» كان سعد زغلول فى طليعة المواظبين على حضور ندوته بمنزله فى ضاحية «عين شمس».. كما
كان محمد عبده هو صاحب اقتراح تعيينه نائب قاضٍ فى محكمة الاستئناف سنة «1892م».. وكانت مؤهلات سعد زغلول حتى ذلك الحين هى مؤهلات «الشيخ سعد»: دراسته الشرعية الأزهرية، وخبرته العلمية فى المحاماة، والتى تأسست هى الأخرى على دراسته الشرعية الأزهرية.. ذلك أنه لم يكن قد درس بعد الحقوق ولا حصل على «الليسانس» فيها، فلقد بدأ تعلم الفرنسية فى صيف سنة «1892م» والتحق بجامعة باريس أوائل سنة «1896م» وحصل على ليسانس الحقوق منها فى يوليو سنة «1897م».. فالأزهر - وثقافته الشرعية - هو الذى أهله للعمل بالقضاء.
وكما تحدث جمال الدين الأفغانى عن محمد عبده، باعتباره أنجب تلاميذه، وأقربهم إلى عقله وقلبه.. ورغم الدور الريادى والقيادى الذى نهض به الشيخ محمد رشيد رضا «1282-1354ه/1865-1935م» فى حمل رسالة هذه المدرسة الإصلاحية إلى العالم الإسلامى - من خلال مجلة «المنار» - وهو الدور الذى جعل الشيخ رشيد أبرز أركان «التوجه الدينى» لمدرسة الأستاذ الإمام.. فإن سعد زغلول - بشهادة الشيخ رشيد رضا نفسه - كان التجلى لمدرسة الأفغانى ومحمد عبده، ورائد «الجناح المدنى» فى هذه المدرسة الإصلاحية.. وبعبارة الشيخ رشيد: «فلقد ظهرت روح الشيخين «جمال الدين الأفغانى.. ومحمد عبده» فى أعمال تلاميذهما.. ومن أشهرهم سعد زغلول.. الذى أصبح عميد الحزب المدنى للأستاذ الإمام وأقوى أركانه..».
وكما كانت الدراسة الأزهرية - الشرعية الفقهية.. والعربية والأدبية - هى المكون والمؤهل لسعد زغلول - المؤلف فى فقه المذهب الشافعى.. والداعية لإصلاح الأزهر.. والكاتب عن الحرية والشورى.. وداعية «الجهاد الدينى» ضد الاحتلال الإنجليزى لمصر... والمحامى المبرز.. ونائب قاضى محكمة الاستئناف - كذلك كانت هذه الدراسة الأزهرية وثقافتها الشرعية، هى التى علمت سعد زغلول «الاستقلال الفكرى»، الذى طبع شخصيته وكل مواقفه وقراراته وأفكاره فى كل ميادين الحياة التى عاشها وجاهد فيها، على تنوع وتعدد هذه الميادين.
ولقد تحدث هو - فى مقام الاعتراف بفضل الدراسة الأزهرية عليه - عن هذه الخصيصة من خصائص الدراسة الأزهرية التى كانت تتيح للطالب حرية اختيار الأستاذ والشيخ الذى يتتلمذ عليه، واختيار العلوم التى يتفقه فى دراستها.. وكذلك أثر صعوبة أساليب الكتب التى كانت تدرس، وعمق القضايا الأصولية التى تحتويها هذه الكتب.. أثر كل ذلك فى تدريب الطلاب على امتلاك مواهب ومؤهلات «الغوص» وراء المعارف والحقائق والأفكار فى صبر ومثابرة وجهد وأناة.
تحدث سعد زغلول باشا، حديث المعترف بفضل هذه الدراسة الأزهرية على «استقلاله الفكرى» فقال - وهو زعيم الأمة - بعد عودته من أوروبا سنة «1921م»، عندما ذهب إلى الجامع الأزهر، معترفاً بفضل الأزهر عليه.. وفضله الكبير فى ثورة سنة «1919م» فخطب بالجامع الأزهر - حيث درس - فقال:
«جئت اليوم لأؤدى فى هذا المكان الشريف فرض صلاة الجمعة، وأقدم واجبات الاحترام لمكان نشأت فيه، وكان له فضل كبير فى النهضة الحاضرة، تلقيت فيه مبادئ الاستقلال، لأن طريقته فى التعليم تربى ملكة الاستقلال فى النفوس، فالتلميذ يختار شيخه والأستاذ يتأهل للتدريس بشهادة من التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه ومتأهل له، يوجه إليه كل منهم الأسئلة التى يراها، فإن أجاب الأستاذ وخرج ناجحاً من هذا الامتحان كان أهلاً لأن يجلس مجلس التدريس.
وهذه الطريقة فى الاستقلال جعلتنى أتحول من مالكى إلى شافعى، حيث وجدت علماء الشافعية فى ذلك الوقت أكفأ من غيرهم».
وجدير بالملاحظة أن هذا الاستقلال الفكرى، الذى جعل سعد زغلول - الطالب الأزهرى - يفضل المذهب الشافعى على المذهب المالكى - الذى هو الغالب على مسقط رأسه ومحيطها الجغرافى - بسبب تفضيله علماء المذهب الشافعى.. لم يؤثر عليه أن مذهب أستاذه وشيخه ومربيه محمد عبده كان المذهب الحنفى.. فالاستقلال الفكرى كان ثمرة من أنضج وأعظم طرق التدريس الأزهرية فى ذلك الحين.
وعندما أصبح «الشيخ سعد» «سعد باشا»، وتولى «نظارة المعارف العمومية» تحققت على يديه إصلاحات جذرية، كانت بنوداً فى برنامج المدرسة الإصلاحية التى تبلورت من حول جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده.
فلقد أنشأ «مدرسة القضاء الشرعى» سنة «1907م» لتكون - مع «مدرسة دار العلوم» - ديوان الإصلاح الدينى والتجديد والاجتهاد فى علوم الشريعة الإسلامية وفى علوم العربية.. هذه المدرسة التى سبق ودعا إلى إنشائها سنة «1887م» منشئ «دار العلوم» فى سنة «1871م» على باشا مبارك «1239-1311ه/1824-1893م»، لتكون أداة لتجديد وتقنين الفقه الإسلامى، حتى تقاوم الأمة - بهذا التجديد والتقنين - تغريب القانون وعلمنته.. وهو نفس المقصد الذى سعى إليه الإمام محمد عبده، عندما أراد إنشاء «القسم القضائى» فى الأزهر الشريف.. فلما تعذر إنشاء هذا «القسم القضائى» بالأزهر - لفرط حذر التيار المحافظ بين شيوخ الأزهر من أى تجديد، خوفاً من أن يخدم «التجديد» «التغريب» - أنشأ سعد زغلول هذه المدرسة «مدرسة القضاء الشرعى» لتحقق هذه المقاصد القومية.. وجعلها تحت نظر الشيخ حسونة النواوى «1255-1343ه/1840-1925م» إبان مشيخته الثانية للجامع الأزهر، تحقيقاً للصلة بينها وبين المؤسسة الأم للعلم الإسلامى.. وجعل الدراسة الفقهية فيها على المذاهب الإسلامية المختلفة، وليس فقط للمذهب الحنفى - كما كان يريد الخديو عباس حلمى الثانى «1291-1363ه/1874-1944م» - فحقق سعد زغلول بذلك مذهب أستاذه محمد عبده، الذى دعا إليه فى تقريره الشهير عن إصلاح القضاء الشرعى.
كذلك، رد سعد زغلول «ناظر المعارف العمومية» بعض عدوان اللغة الإنجليزية على لغة القرآن الكريم فى المدارس الأميرية.. وكتب فى مذكراته - بتاريخ 10 مايو سنة 1909م - يقول: «يجب أن تكون غاية عملى، جعل التعليم أهلياً، أى: باللغة العربية فى المدارس المختلفة».
وكذلك أكثر من إنشاء الكتاتيب فى القرى والمدن، وضاعف الإعانات المالية المخصصة لها.
وإذا كان الأزهر قد قاد - بواسطة علمائه وطلابه - معارك الدفاع عن الإسلام.. وإذا كانت المعارك الفكرية التى قادها علماء الأزهر وطلابه ضد كتاب «الإسلام وأصول الحكم» - الذى كتبه الشيخ على عبدالرازق «1305-1386ه/1887-1966م» سنة «1925م» - وضد كتاب «فى الشعر الجاهلى» الذى كتبه الدكتور طه حسين «1306-1393ه/1889-1973م» سنة «1926م» - إذا كانت هذه المعارك قد غدت من أخطر وأشهر المعارك الفكرية للقرن العشرين، بل لقد ظلت محور أغلب معاركنا الفكرية حتى هذه اللحظات، فلقد كان سعد زغلول - زعيم الأمة.. ورئيس مجلس النواب - فى ذات الموقع الفكرى للأزهر وعلمائه، ضد محاولات على عبدالرازق «علمنة الإسلام» وضد جموح طه حسين للتشكيك فى بعض ما ورد بالقرآن الكريم.. أى: ضد أخطر التحديات التغريبية التى تواجه العرب والمسلمين.. وإذا كان العديد من علماء الأزهر الشريف قد كتبوا
الكتب والدراسات والمقالات، وألقوا الخطب والمحاضرات فى تفنيد دعاوى صاحب «الإسلام وأصول الحكم»، فإن رأى سعد زغلول فى هذا الكتاب كان أقسى من رأى كثير من هؤلاء الشيوخ العلماء.. ولقد أشار فى ثنايا نقده لهذا الكتاب إلى الأزهر الشريف، وإلى ثمرات العلم الذى تعلمه فيه، واستغرب جهل على عبدالرازق - الأزهرى - بهذا العلم الشرعى الذى قدمه الأزهر لطلابه عن شمول الإسلام للدين والدنيا، وللمرجعية الشرعية والمدنية جميعاً.
وجدير بالتنبيه أن سلطان العلم الشرعى على سعد زغلول كان أقوى من «اللعبة السياسية.. والمصالح الحزبية» التى رافقت ظهور كتاب على عبدالرازق.. فالملك فؤاد الأول «1284-1355ه/1869-1936م» خصم سعد زغلول و«حزب الوفد» كان مع الأزهر ضد كتاب «الإسلام وأصول الحكم» وبعض صحافة «الوفد» مثل مجلة «كوكب الشرق»، كانت - لهذه الأسباب السياسية والحزبية - مع على عبدالرازق.. بل إن السكرتير الخاص لسعد زغلول - «الشيخ محمد إبراهيم الجزيرى» - خريج مدرسة القضاء الشرعى، ورئيس تحرير «مجلة القضاء الشرعى» كان هو ومجلته فى صف كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، ومع كل ذلك، وبالرغم من جميع ذلك، وقف سعد زغلول الموقف الشرعى، واتخذ موقع الانحياز إلى علماء الأزهر وطلابه فى الرفض والنقد لما جاء بهذا الكتاب.
ويحكى هذه الصفحة المشرقة من آثار وتأثيرات الأزهر الشريف على سعد زغلول سكرتيره الخاص «الشيخ محمد إبراهيم الجزيرى»، فيقول:
«أنقل للتاريخ هذا الفصل من مذكراتى، كما كتبته فى حينه، لا أستطيع تبديل حرف فيه، وقد يكون الحديث مريراً لا يجمل بى أن أكون أداة نشره، ولكن الأمانة توجب أن أنشره ما دمت بصدد إعلان ذكرياتى عن سعد، ففى هذا الحديث على وجهه الآخر عصبية إسلامية شديدة، ورأى جميل فى الإسلام وأحكامه ومدنيته:
مساء الخميس 20 أغسطس سنة 1925م:
دخلت إلى مكتب الرئيس «سعد زغلول» بعد فراغ «دولته» من مقابلة زواره لأقدم له مجلد السنة الثانية من مجلتى «مجلة القضاء الشرعى» والعدد الأول من سنتها الثالثة، فتقبلها بقبول حسن، وشجعنى على الاستمرار فى إصدارها، ووعدنى أن يدلى برأيه فيها بعد أن يتصفح موضوعاتها، ثم استرعى نظره عنوان المقال الافتتاحى فى العدد الجديد، وهو «الإمامة الكبرى أو الخلافة» لفضيلة الأستاذ الشيخ عبدالوهاب خلاف، فقال:
- أو تكتبون أيضاً عن الخلافة؟
- «ونحن الآن بعد مرور أيام على صدور حكم هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ على عبدالرازق من زمرة علماء الأزهر الشريف لإصداره كتاب «الإسلام وأصول الحكم».
فأجبت «دولته»:
- نعم، والمجلة تعالج موضوع الخلافة منذ إلغاء الأتراك لها.
- فقال: وما رأى محرر المجلة؟
- قلت: إنه يلتقى مع الشيخ على عبدالرازق فى بعض النقاط، ويظهر أن ذلك كان سبباً فى أن كبيراً من رجال السراى استدعى إليه الأستاذ الشيخ خلاف ونصحه أن يكف عن الكتابة فى هذا الموضوع، وأفضى فضيلته إلى بذلك طالباً استرداد موضوعه التالى من المطبعة ففعلت.
ثم سألت «دولته»:
- وما رأيكم فى كتاب «الإسلام وأصول الحكم»؟
فاستعد «دولته» كما يستعد المحاضر لإلقاء محاضرة، أو الخطيب لإلقاء خطبة، ثم قال: «لقد قرأته بإمعان لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ أو الصواب، فعجبت أولاً كيف يكتب عالم دينى بهذا الأسلوب فى مثل هذا الموضوع.
وقد قرأت كثيراً للمستشرقين ولسواهم فما وجدت ممن طعن منهم فى الإسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير، على نحو ما كتب الشيخ على عبدالرازق، لقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه، بل بالبسيط من نظرياته، وإلا فكيف يدعى أن الإسلام ليس مدنياً ولا هو بنظام يصلح للحكم؟.. فأية ناحية مدنية من نواحى الحياة لم ينص عليها الإسلام؟.. هل البيع، أو الإجارة، أو الهبة، أو أى نوع من المعاملات؟.. ألم يدرس شيئاً من هذا فى الأزهر؟.. أو لم يقرأ أن أمماً كثيرة حكمت بقواعد الإسلام فقط عهوداً طويلة كانت أنضر العصور؟.. وأن أمماً لا تزال تحكم بهذه القواعد وهى آمنة مطمئنة؟.. فكيف لا يكون الإسلام مدنياً ودين حكم؟
وأعجب من هذا ما ذكره فى كتابه عن الزكاة؟.. فأين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الأزهرية؟.. إنى لا أفهم معنى للحملة المتحيزة التى تثيرها جريدة السياسة حول هذا الموضوع، وما قرار هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ على من زمرتهم إلا قرار صحيح لا عيب فيه، لأن لهم حقاً صريحاً - بمقتضى القانون أو مقتضى المنطق والعقل - أن يخرجوا من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم، فذلك أمر لا علاقة له مطلقاً بحرية الرأى التى تنعيها السياسة».
وهنا قلت - «أى: الجزيرى» -:
- لعل ما يغيظ السياسة هو أن العلماء لم يندفعوا من تلقاء أنفسهم إلى هذه المحاكمة، وإنما كانوا مسوقين - على رأيها - بجهة يهمها تأييد مركز الخلافة، فاستعانت بنفوذ العلماء.
فقال:
- «أعرف ذلك، ولكن مهما كان الباعث فإن العلماء فعلوا ما هو واجب وحق، وما لا يجوز أن توجه إليهم أدنى ملامة فيه.
والذى يؤلمنى حقاً أن كثيراً من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومى، والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد، سيتحيزون لمثل هذه الأفكار، خطأ كانت أو صواباً، دون تمحيص ولا درس، ويجدون تشجيعاً على هذا التحيز فيما تكتبه جريدة السياسة وأمثالها من الثناء العظيم على الشيخ على عبدالرازق، ومن تسميتها له بالعالم المدقق والمصلح الإسلامى والأستاذ الكبير.. إلخ.
وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأى وبين القواعد الإسلامية الراسخة التى تصدى كتابه لهدمها».
وهنا جاء موعد العشاء، فختم «دولته» القول برجاء الله أن يصلح الأحوال ويوفق الجميع إلى السداد.
تلك واحدة من أبرز الصفحات المشرقة فى كتاب فكر وعلم الشيخ سعد زغلول باشا - ابن الأزهر الشريف - وثقافته الشرعية.. وهى الصفحة التى يتجاهلها العلمانيون، الذين يريدون «سرقة» سعد زغلول، و«اختطاف» الثورة التى قادها سنة 1919م إلى حظيرة العلمانية، وتجريد الإسلام وشريعته مع الحاكمية فى تدبير الحياة والاجتماع والدولة والسياسة والاقتصاد.
وهى صفحة يجهلها - مع الأسف الشديد - كثير من الإسلاميين.. فيساعدون بهذا الجهل العلمانيين على «السرقة والاختطاف»!
أما موقف سعد زغلول من كتاب الدكتور طه حسين «فى الشعر الجاهلى» والذى شكك فيه بعدد من العقائد التى وردت فى القرآن الكريم، من مثل: علاقة الإسلام بملة إبراهيم عليه السلام الحنيفية، وفى الرحلة الحجازية لإبراهيم وإسماعيل، وفى إقامتهما ورفعهما قواعد البيت الحرام - فيشير إليه سكرتيره محمد إبراهيم الجزيرى - أيضاً عندما يكتب فيقول عن سعد زغلول:
«وكان رحمه الله يرقب باهتمام ما ينشر من الكتب الحديثة بمصر، فيكلفنى بشرائها، ويقرأ منها ما تسمح به الفرصة.
وقرأت له كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للأستاذ على عبدالرازق «وزير الأوقاف فيما بعد» وأدلى إلى برأى فيه سجلته عندى، وسأورده فى هذه المذكرات.
وكذلك قرأت له كتاب المرحوم الأستاذ مصطفى صادق الرافعى فى «إعجاز القرآن» وكتاب الدكتور طه حسين «فى الشعر الجاهلى» ورد المرحوم الأستاذ محمد فريد وجدى عليه، ومحاضرات المرحوم الشيخ محمد الخضرى بك فى نقده.
وأذكر أنه - رحمه الله - أعجب كل الإعجاب بكتاب الأستاذ محمد فريد وجدى هذا، وكان قد وضعه فى نقد كتاب «فى الشعر الجاهلى» وأهدى إلى الرئيس نسخة منه، فلما قرأها كتب إلى الأستاذ وجدى هذا الكتاب البليغ التالى:
حضرة الأستاذ الفاضل محمد فريد وجدى.
وصلنى كتابك الذى وضعته فى نقد كتاب «فى الشعر الجاهلى» وتفضلت بإرساله إلىّ، وقرأته فى عزلة تجمع الفكر، وسكون يحرك الذكر، فراقنى منه قول شارح للحق، ومنطق يقارع بالحجة فى أدب رائع، وتحقيق دقيق فى أسلوب شائق، وإخلاص كامل للدين فى علم واسع، وانتصاف للحقيقة فى احترام فائق، ومجموع من هذه الخصال استمليت منه قلباً فياضاً بالإيمان، وعقلاً مثقفاً بالعرفان، ونفساً محلاة بالأدب، فقررت عيناً بوجود مثلك بيننا، ورجوت الله أن يكثر من أمثالك فينا، وأن يجازيكم على ما تصنعون بتوفيق الباحثين والمتناظرين لاحتذاء مثالكم فى دقة البحث، وأدب المناظرة، وإنكار الذات، والانتصار للحق، وبتوفيق الناس لاستماع أقوالكم واتباع أحسنها، والسلام على المهتدين».
سعد زغلول
16 أكتوبر سنة 1926م
فلقد قرأ سعد زغلول رد الأستاذ محمد فريد وجدى على كتاب طه حسين «فى عزلة تجمع الفكر، وسكون يحرك الذكر» وأعجب كل الإعجاب بهذا الكتاب، شكلاً ومضموناً، أسلوباً ومنطقاً، أدباً فى التعبير وحجة تفنيد دعاوى الخصم، كما أعجبه فيه «فيض الإيمان» الذى حرك صاحبه للدفاع عن الإسلام، و«العقل المثقف بالعرفان» الذى جعل من فريد وجدى نموذجاً تمنى سعد زغلول أن يتحذيه المتناظرون والباحثون الساعون لانتصار الحق على الباطل فى عالم الأفكار.
وإذا كنا قد رأينا «قوة الحق» عند سعد زغلول فى نقده لكتاب الشيخ على عبدالرازق، عندما اتهمه بالجهل بالدراسة الأزهرية وعلوم الشريعة الإسلامية، وبالسعى لهدم قواعد الدين الإسلامى.. فلقد كانت «قوة الحق» هذه متجلية - أيضاً - فى موقف سعد زغلول من اجتراء طه حسين على القرآن الكريم فى كتاب «فى الشعر الجاهلى»، فعندما زحفت مظاهرة طلابية غاضبة على هذا الكتاب وصاحبه، إلى «بيت الأمة» خطب زعيم الأمة فى هذه المظاهرة، مستنكراً ما جاء فى هذا الكتاب.. وبلغت به الإدانة والاستنكار إلى الحد الذى تمثل فيه - وهو يصف صاحب «فى الشعر الجاهلى» - بشطر البيت الذى يقول:
«وماذا علينا إذا لم يفهم البقر؟»
هكذا تجلت ثمرات الأزهر الشريف فى فكر وحياة ومواقف سعد زغلول.. وهكذا كان الشيخ سعد زغلول باشا ابن الأزهر الشريف.. عليه رحمة الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.