منذ اللحظات الأولى لثورة يناير المجيدة، يلعب الإعلام المصري بأشكاله المختلفة أسوأ دور يمكن أن يلعبه إعلام ضد وطن.. بأفراده ومؤسساته، وذلك من أجل مواجهة عملية التغيير التي سعت إليها تلك الثورة.. تغيير المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية التي كان من أبرز نتائجها ذلك الإعلام الفاسد. في الأيام الأولى للثورة نفذ الإعلام المصري خاصة القنوات الفضائية، خطة وضعتها الأجهزة الأمنية تهدف لتحقيق أمرين: الأول هو عملية تخويف ممنهجة للمجتمع المصري من النتائج المترتبة على الثورة من خلال استضافة محللين تابعين للنظام يقومون بتوصيل رسائل تؤكد على أن الثورة ستؤدي إلى انهيار المجتمع وتدمير مؤسساته وتحويله إلى نموذج للدولة الفاشلة كما هو الحال في الصومال والعراق. وكان يتم الاستعانة ببعض الأشخاص الذين يقومون بالاتصال بالبرامج الحوارية وتمثيل أنهم يتعرضون للهجوم من قبل البلطجية الذين يقتحمون المنازل ويختطفون النساء ويسرقون الممتلكات. ومع نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام السابق، بدأت مرحلة أخرى قام خلالها الإعلام بمحاولة مهادنة الثوار والظهور بمظهر المساند للثورة. وكان الهدف من ذلك هو الاستعداد لعملية تلميع رموز النظام السابق بالتوازي مع بدء محاولة تلويث سمعة الثوار من خلال الادعاء بأن بعضهم تلقى تمويلا من الخارج أو أن لهم صلات خارجية بدول ومؤسسات تخطط لهم ما ينفذونه. وفي الوقت نفسه سعى الإعلام إلى تشويه الحكومات التي تولت بعد الثورة، من خلال إظهارها بمظهر العاجز عن تنفيذ أهداف الثورة، وفقا للمخطط الذي قامت بتنفيذه الأجهزة الأمنية ويقوم على زيادة جرعة تخويف المجتمع من خلال زيادة عمليات البلطجة مع التركيز الإعلامي عليها. بالإضافة إلى دفع الفئات الاجتماعية المختلفة إلى التظاهر للمطالبة برفع الظلم التاريخي الواقع عليها بسبب سياسات النظام السابق. واستطاع الإعلام في هذه الفترة أن يحقق أهدافه ويظهر الثورة وكأنها لم تفعل شيئا في رفع الظلم عن المصريين، بل إنها جاءت بأمور سلبية عديدة أبرزها عدم الاستقرار والانفلات الأمني غير المسبوق. ومع نجاح التيار الإسلامي في الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان، تحول الإعلام إلى جبهة قتال من أجل تشويه الإسلاميين حينما راح يبث سمومه ليل نهار، عبر الادعاء بأن الإسلاميين خاصة الإخوان، لم يستطيعوا تحقيق أهداف الثورة ورفع المشاكل عن كاهل المواطنين رغم سيطرتهم على البرلمان، مستغلة جهل كثير من أبناء الشعب بالفرق بين مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث إن البرلمان سلطة تشريعية مهمتها إصدار التشريعات ومراقبة أداء الحكومة التي يقع عليها عبء تنفيذ هذه القوانين، وهو ما لم تفعله بالتواطؤ مع المجلس العسكري من أجل حرق شعبية الإخوان في الشارع تمهيدا للانتخابات الرئاسية التي كان يخطط المجلس لاستخدامها في إيصال أحد المقربين منه إلى منصب رئيس الجمهورية، تمهيدا لإعادة النظام القديم في صورة جديدة. ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية وإعلان جماعة الإخوان عن الدفع بمرشح لها، زادت وتيرة الهجوم الشرس ضدهم وتوجيه كافة التهم حتى الأخلاقية منها بهدف النيل من شعبيتهم. وهو ما تحقق بالفعل وظهر في النسبة التي حصل عليها الدكتور محمد مرسي في جولتي الانتخابات. ورغم نجاح الجماعة في إيصال مرشحها إلى منصب رئيس الجمهورية، إلا أن الإعلام لم يتوقف عن محاولات تأليب المجتمع ضدها وضد الرئيس الجديد، من خلال بث الإشاعات بالتوازي مع تنفيذ المخطط الجديد الذي وضعته الأجهزة الأمنية لتشويه صورة الجماعة والتيار الإسلامي كله، فضلا عن الرئيس. ويقوم ذلك المخطط على نشر مجموعات تابعة للأجهزة الأمنية تقوم بمهاجمة المواطنين غير المتدينين بحجة حثهم على التدين بشكل عنيف يؤدي في بعض الأحيان إلى قتل أشخاص أبرياء، ويتم إلصاق التهمة بالتيار الإسلامي، فضلا عن إظهار بعض البرامج الحوارية لقصص بعض الأشخاص الذين يدعون إلى ممارسات شاذة للشريعة بدعوى أنه جزء من الإسلام. ورغم إعلان كافة فصائل التيار الإسلامي تبرؤها من تلك الأفعال، إلا أن الإعلام ما زال يصر على أن هذه المجموعات تنتمي إليه ويتحمل وزر ما تفعله. ويتم ذلك بالتوازي مع تكرار المخطط الذي تم تنفيذه من قبل مع حكومات ما بعد الثورة، والذي يعتمد على الدفع بالفصائل الاجتماعية المختلفة للتظاهر من أجل الحصول على حقوقها، لكن هذه المرة أمام القصر الجمهوري من أجل إظهار الرئيس الجديد بمظهر العاجز عن تحقيق أهداف الثورة والقضاء على المظالم الشعبية. مطلوب من الرئيس الجديد ألا يقف مكتوف الأيدي أمام هذه المخططات الإجرامية التي ينفذها الإعلام المصري من أجل إسقاطه حتى لو كان الثمن تدمير الوطن. يجب عليه أن يتخذ كافة الإجراءات السريعة لتطهير الإعلام، وذلك من خلال وضع حزمة من القوانين التي تواجه تزييف الحقائق وبث الإشاعات التي يقوم بها هذا الإعلام. وكذلك فتح ملفات أصحاب وسائل الإعلام، خاصة الفضائيات، حيث إن جزءا كبيرا منهم، إما متهم بالتجارة في أمور يجرمها القانون، ويستخدم هذه القنوات كوسيلة لغسل الأموال القذرة التي يجنيها من تلك التجارة المحرمة، أو حصل على قروض بمئات الملايين من البنوك الوطنية ولم يقم بتسديدها حتى الآن، فضلا عن الضرائب التي يرفضون دفعها وهي بعشرات الملايين. يجب اتخاذ كل وسيلة ممكنة لوقف هذه الحرب المجنونة التي يقودها الإعلام المصري، وليكن في التجربة التركية قدوة حسنة، حيث لم يستطع حزب العدالة والتنمية الحاكم هناك البدء في عملية النهضة إلا بعد تطهير الإعلام تماما نقلا عن صحيفة الشرق القطرية