فصائل عراقية تعلن استهداف مصفى حيفا النفطي بالمسيرات    4 شهداء جراء استهداف الاحتلال منزلًا لعائلة "الحلقاوي" وسط رفح الفلسطينية    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    هدى الإتربي تفاجئ جمهورها بإطلالتها في مهرجان كان (صور)    رئيس تتارستان: 20 مليون مسلم داخل روسيا ولدينا خبرات فى تشييد الطائرات والسفن    بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس 16 مايو بالبورصة والأسواق    الانخفاض يسيطر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 16 مايو بالمصانع والأسواق    ارتفاع حصيلة العدوان على مدينة طولكرم بالضفة الغربية إلى 3 شهداء    نشرة التوك شو| :تفاصيل تخفيض قيمة التصالح حال السداد الفوري وأسباب تراجع سعر الدولار في البنوك    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    «بسمة».. فريسة نوبات الغضب    فوائد تعلم القراءة السريعة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    وزير النقل يكشف موعد افتتاح محطة قطارات الصعيد الجديدة- فيديو    بقيادة الملك الغاضب أليجري.. يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا    تين هاج: لا نفكر في نهائي كأس الاتحاد ضد مانشستر سيتي    رئيس الترجي يستقبل بعثة الأهلي في مطار قرطاج    موعد مباريات اليوم الخميس 16 مايو 2024| انفوجراف    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya جميع الشعب مباشر الآن في محافظة القليوبية    أختي تعاني من انهيار عصبي.. شقيقة ضحية أوبر تكشف آخر تطورات القضية    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    تعرف على أسباب نقص معاش الضمان الاجتماعي 1445    طلعت فهمي: حكام العرب يحاولون تكرار نكبة فلسطين و"الطوفان" حطم أحلامهم    غارات إسرائيلية انتقامية تستهدف حزب الله شرقي لبنان (فيديو)    حظك اليوم برج العذراء الخميس 16-5-2024 مهنيا وعاطفيا    الرئيس السيسى يصل البحرين ويلتقى الملك حمد بن عيسى ويعقد لقاءات غدًا    ماذا قال نجل الوزير السابق هشام عرفات في نعي والده؟    طريقة عمل الدجاج المشوي بالفرن "زي المطاعم"    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    قمة البحرين: وزير الخارجية البحرينى يبحث مع مبعوث الرئيس الروسى التعاون وجهود وقف إطلاق النار بغزة    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    أسما إبراهيم تعلن حصولها على الإقامة الذهبية من دولة الإمارات    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القليوبية    «البحوث الفلكية» يعلن عن حدوث ظاهرة تُرى في مصر 2024    عاجل - الاحنلال يداهم عددا من محلات الصرافة بمختلف المدن والبلدات في الضفة الغربية    أحذر تناول البطيخ بسبب تلك العلامة تسبب الوفاة    شريف عبد المنعم: مواجهة الترجي تحتاج لتركيز كبير.. والأهلي يعرف كيفية التحضير للنهائيات    «الخامس عشر».. يوفنتوس يحرز لقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا (فيديو)    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    ماجدة خير الله : منى زكي وضعت نفسها في تحدي لتقديم شخصية أم كلثوم ومش هتنجح (فيديو)    تعرف على رسوم تجديد الإقامة في السعودية 2024    بداية الموجه الحارة .. الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم الخميس 16 مايو 2024    وزير النقل يكشف مفاجأة بشأن القطار الكهربائي السريع    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 16 مايو 2024    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    انطلاق معسكر أبو بكر الصديق التثقيفي بالإسكندرية للأئمة والواعظات    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية وبيطرية بقرى مطوبس    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    ب عروض مسرحية وأغاني بلغة الإشارة.. افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر بكر يكتب :مقتل حسن البنّا .. جريمة ثأر !!
نشر في الوفد يوم 03 - 07 - 2012

الوقت : الساعة الثامنة واثنتا عشرة دقيقة من مساء يوم 12 فبراير 1948
المكان : شارع الملكة نازلى بالقاهرة ( رمسيس حالياً ) أمام جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة.
الحدث: إطلاق الرصاص على حسن أفندى البنا مرشد جماعة الإخوان المسلمين وصهره المحامى عبد الكريم منصور أثناء ركوبهما تاكسى رقم 3486 أجرة مصر قيادة السائق على محمود نفادى ) ماركة فورد موديل سنة 1940 )، اندفع رجلان ملثمان من الجانب الآخر من الطريق وأطلقا عليهما الرصاص ، ولاذا بالفرار فى سيارة كانت تنتظرهما بمدخل شارع عبد الخالق ثروت بالقرب من نقابة الصحفيين.
كان البنا وصهره خارجين لتوهما من جمعية الشبان المسلمين التى تم استدراجهما إليها بزعم التفاوض مع ممثل الحكومة للتراجع عن قرار حل جماعة " الإخوان المسلمين " ، والإفراج عن معتقليها الذين أعد المرشد قوائم بأسمائهم مقابل قيام المرشد بالإرشاد عن حائزى السلاح ، وأماكن تخزينه ، ومكان الإذاعة السرية، وأسماء العناصر الخطرة فى الجماعة التى مازالت طليقة ، ولم يشملهم قرار الاعتقال!!
القتل : ..
أصيب حسن البنا بسبع رصاصات ، لكن حالته لم تكن خطرة ، فقد ظل متماسكاً ، وصعد سلم جمعية الشبان المسلمين ؛ ليطلب الإسعاف التى تأخرت ، فطلب من سائق التاكسى أن ينقلهما إلى مقر جمعية الإسعاف القريب على بعد خطوات ؛ حيث كانت إصابة صهره حرجة فقد أصيب برصاصتين إحداهما فى عضده الأيمن والأخرى فى فخذه الأيسر .
.. ولنقص الإمكانيات فى جمعية الإسعاف نقلتهما سيارتها إلى مستشفى القصر العينى ، .. وفى تمام الساعة الثانية عشرة وخمسة عشر دقيقة بعد منتصف الليل مساء يوم 12 فبراير ، مات حسن البنا الرجل ذو المائة وجه والألف قناع ، لتطوى صفحة من حياة رجل ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً طوال عشرون عاماً ، ونقل الجثمان إلى مشرحة زينهم ، حيث قام بتشريحه الأطباء الشرعيون محمد توفيق و أحمد شكيب وأحمد حسين سامى وكيل وزارة العدل المساعد للطب الشرعى.
وجاء التقرير الطبى أن : " الجسد اخترقته 7 أعيرة نارية ، وأن الوفاة حدثت نتيجة النزيف من 4 أعيرة منها " .
نعش تحمله النساء :
.. وفى الساعة التاسعة من صباح يوم 13 فبرابر ، استيقظت القاهرة مدينة الألف عام والألف مأذنة على مشهد يمزق نياط القلب ولم تألف مثله منذ نشأتها ؛ فقد خرج نعش البنا من منزله الكائن ب 15 شارع سنجر الخازن بحى الحلمية الجديدة يخترق شوارع الحى للصلاة عليه فى مسجد قيسون تحمله ثلاث نساء على أكتافهن ( ابنتيه وزوجته ) وأبوه الرجل الهرم المكلوم الذى جاوز التسعين عاماً ، عند وصول الجثمان كان المسجد خالياً من الناس والخدم بعد أن أن أمر رجال البوليس من فيه بالانصراف كى لا يصلون على الجثمان !!
وقف الأب وسط دموعه أمام النعش يصلى ومن خلفه النساء الثلاث ، ليمضى النعش بعد ذلك إلى مدافن الإمام الشافعى ليوارى التراب فى هدوء .. بلا مظاهرات ، أو هتافات تنفيذاً للشرط الوحيد الذى قطعه الوالد على نفسه فى الاتفاق الذى تم بينه وبين اللواء أحمد طلعت حكمدار القاهرة لتسليمه الجثمان ؛ فقد كان عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية يرى أن يشيع الجثمان مباشرة من مشرحة القصر العينى خشية أن ينتهز الإخوان الفرصة لإحداث خلل بالأمن العام يؤدى إلى نتائج خطيرة ، ولكن والد البنا توجه إلى حكمدار القاهرة وطالب بإلحاح أن تشيع الجنازة من منزله ، وأقر بالتزامه بالتعليمات ، ووافق الحكمدار بعد استئذان وكيل الداخلية والمسئولين فى الوزارة .
فى مذكراته قال الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ : "نقلت جثة الشيخ حسن البنا من مستشفى قصر العينى إلى منزل والده فى سر من الناس ، ثم أمرت بألا يشيعه إلى مقره الأخير إلا عدد محدود من أهله المقربين ، وألا يقام له مأتم يقصد إليه المعزون . وكانت المحافظة على الأمن سند الحكومة فى تصرفها " .
شائعة خطف الجثمان :
ترددت شائعة فى القاهرة أن بعض أصدقاء حسن البنا الذين آلمهم أن يدفن بهذه الطريقة المهينة يعتزمون اختطاف الجثة من قبرها وإخفائها عن أعين البوليس ، فأمرت الداخلية بمضاعفة الحراسة على المقبرة ، وقبل أن يغشى الظلام مدافن الإمام الشافعى كان الجنود يحاصرون الطرق المؤدية إلى المقبرة ويتأكدون من كل شخص يمر بالطرقات المؤدية للمدافن ، ووصل العنت بالجنود فى هذا اليوم أنهم كانوا يأمرون مشيعى الموتى الآخرين بوضع النعوش على الأرض ورفع غطاء النعش للتحقق من وجه الميت !!.
الحادث فى صحف القاهرة :
حرصت الصحف جميعاً وكانت تحت الرقابة على نشر حادث اغتيال البنا بالعناوين الكبيرة فى صدر صفحاتها الأولى وترديد بيانات الحكومة واتهام الإخوان بأنهم قتلوا المرشد العام لجماعتهم ، ولم تذكر كلمة واحدة عن المتهمين الحقيقيين ، فقالت صحيفة الأهرام ( المستقلة ) :
" .. وقد علمنا أنه كان قد أرسل أيضا منذ أيام ( تقصد البنا ) ، خطاباً آخر إلى وزارة الداخلية يعرب فيه عن اعتزامه تسليم المحطة السرية والأسلحة وغير ذلك مما تحت يد الإخوان إلى السلطات المختصة ، وأنه على أثر ذلك تلقى خطاب تهديد بالقتل إذا أذاع أى سر من أسرار الجماعة " .
وقالت صحيفة الأساس ( الناطقة باسم حزب السعديين الحاكم ) :
" إن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوا حسن البنا لأنه كان ينوى إبلاغ الحكومة عن مكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية " .
وبدأت " الأساس " رواية قصة الاغتيال فقالت :
" منذ أذاع الأستاذ حسن البنا بيانه الذى استنكر فيه أعمال الإجرام التى ارتكبها فريق من الذين انتموا إلى جماعته المنحلة ، وهو يتلقى من بعض الأعضاء الذين كانوا معه استفسارات واستنكارات لموقفه .
وأول أمس تلقى خطاب تهديد ، من نوع الخطابات التى انتشرت فى الأيام الأخيرة فى كل مكان .
وعرف أن سبب هذا التهديد الأخير لحسن البنا أنه أرسل إلى الحكومة كتابين منذ ثلاثة أيام يقول فى الأول منهما أنه يستنكر أشد الاستنكار الحادث الإجرامى الذى حاول فيه أحد أتباعه السابقين نسف محكمة الاستئناف ، ويصف هذا الشاب بأنه ليس أخاً وليس مسلماً .
وأعرب فى كتابه الثانى عن استعداده لتسليم محطة الإذاعة السرية التى تتحدث باسم الجماعة المنحلة ، واستعداده لتسليم الذخائر والأسلحة الباقية لدى بعض أعوانه ولم تقع فى يد البوليس حتى الآن ".
كانت " الأساس" تكذب فإن بيان " ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين "كتبه البنا قبل شهر من مقتله وليس فبل ثلاثة أيام كما ادعت الصحيفة ، لكنه لم ينشر إلا بعد قتله .
لم يخرج عن هذا الطرح سوى جريدة " المصرى " التى استطاع مندوبها محيى الدين فكرى أن يدخل إلى الجمعية وأن يلتقط رقم السيارة (9979 خصوصى مصر ماركة ليموزين سوداء اللون) الذى أملاه شاب نوبى كان يجلس على مقهى مقابل لجمعية الشبان المسلمين لمحمد الليثى سكرتير لجنة الشباب بجمعية الشبان المسلمين الذى كتبه على علبة سجائر وأبلغه للنيابة ، وأسرع محيى فكرى إلى مبنى الصحيفة ليلتقى بمرسى الشافعى مدير التحرير ويكتب وصفاً للحادث وفيه رقم السيارة التى فر بها الجناة وصورة حسن البنا .
لكن مدير الرقابة على الصحف توفيق صليب فزع من الصورة ورقم السيارة فهو رقم السيارة المخصصة لتنقلات الأميرالاى محمد عبد المجيد مدير إدارة البحث الجنائى بوزارة الداخلية ، فيتصل بالرقيب العام عبد الرحمن عمار يسأله ، ثم يأمر بمصادرة "المصرى" فيقتحم البوليس المطبعة ويصادرون الأعداد التى لم توزع ، لكن خمسة ألاف نسخة من العدد المصادر تسربت إلى الأسواق ونفذت جميعها وسط لهفة القراء على متابعة الحادث .
المفاوضات بين البنا والحكومة:
بدأت المفاوضات بين البنا والحكومة عندما علم البنا أن النقراشى قد قرر حل جماعة " الإخوان المسلمين " عشية استشهاد اللواء سليم زكى حكمدار العاصمة يوم 4 ديسمبر 1948 على أثر إلقاء قنبلة سقطت تحت رجليه ألقاها أحد طلاب كلية الطب المنتمين للجماعة من أعلى سطح مبنى الكلية .
بدأ البنا المفاوضات باستعلاء على الجميع بتقديم التماس للملك فى صباح 5 ديسمبر وأنهاها بانكسار شديد قبيل مقتله بدقائق بطلب وساطة محمد أفندى الناغى سكرتير جمعية الشبان المسلمين لكونه من قرية الزرقا مركز فارسكور، بلدة إبراهيم عبد الهادى باشا ، وينتمى إليه بصلة قرابة ( ابن خالة ) .
تقدم البنا بالتماس للملك يعرب فيه عن ولائه لجلالته وإخلاصه للعرش بالكلمات : " أصدق آيات الإخلاص ، وأخلص معانى الولاء " . ثم انتقل فى الجزء الثانى إلى الطعن فى النقراشى وتحريض الملك عليه بالكلمات :
" والعالم كله الآن يا صاحب الجلالة تغلى مراجله بالأحداث الجسام والخضوب العظام ويبدو فى أفاقه كل يوم شأن جديد لا يقوى أبداً دولة النقراشى باشا على أن يضطلع بأعباء التصرف فيه بما يحفظ كرامة مصر ويصون حقوق هذا الوادى المجيد العظيم ، والنزاهة وطهارة اليد لا تكفى وحدها لمواجهة هذه العمرات المتلاحقة من أحداث الزمن ومضلات الفتن ".
واختتم التماسه بالعدول عن حل الجماعة بالكلمات :
" ويتردد على الأفواه والشفاه ، قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور .
يا صاحب الجلالة :
إن الإخوان المسلمين يلوذون بعرينكم وهو خير ملاذ ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلى نوع من الصواب أو بإعفائها من من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها ولجلالتكم الرأى الأعلى " .
ولم تشر أى المصادر إلى أن الملك قرأ التماس البنا ، أم لا ، وهل علم به أم لا ؟! لكن الثابت أن الديوان الملكى أحاله فى 6 ديسمبر إلى النقراشى باشا رئيس مجلس الوزراء ( بخطاب رقم 1666 سرى ) ، لكن البنا الذى سد فى وجهه باب الملك ، لجأ إلى حامد جودة رئيس مجلس النواب الذى أبلغه مطالب النقراشى ، لكن البنا اكتفى بالقول : " إن كل هذه الأمور التى يتحدث عنها دولة الباشا ، لا يعرف عنها شئ !! ". ليسد باب ثانى من أبواب الوساطة .
طرق البنا باب مرتضى المراغى مدير الأمن العام طالباً منه التوسط لدى النقراشى كى يتوقف عن التفكير فى حل الجماعة وبينما يتحدث معه انفعل البنا بشدة وحملت كلمات تهديد ووعيد للنقراشى وهو ما حدا بالمراغى للاعتذار عن استمرار الحوار ، ليسد باب ثالث !!
أُغلقت الأبواب جمعيها فى وجه البنا ، ولم يجد بداً من طرق باب النقراشى بنفسه ، فتناسى ما قاله من طعن بحق النقراشى فى الالتماس المقدم للملك وتناسى أيضا الاستخفاف بمطالب النقراشى التى نقلها إليه حامد جودة باشا ، وتناسى كلمات التهديد والوعيد للنقراشى فى حواره مع مرتضى المراغى والتى تم نقلها للنقراشى بطريقة ما أو بأخرى .
ذهب البنا بنفسه لمقابلة النقراشى فى مساء يوم 8 ديسمبر ، فقابله عبد الرحمن عمار بك (صديقه الشخصي وصديق الجماعة)، وجلس معه وأعد تقريراً بالمقابلة رفعه للنقراشى جاء فيه :
" أن البنا راح يترحم على سليم زكى باشا قائلاً :
أنه كان صديقاً حميماً له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام .
وأن البنا تكلم مادحاً فى حق النقراشى قائلاً : أنه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور .
وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد م مضت سنتان لم يلنقيا فيها بسبب فجوة أثارها الوشاة لاقتنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معاً أن يبقى الصرح الضخم الذى جاهد الإخوان سنوات طويلة فى إقامته .
ثم جعل يبكى ( البنا ) بكاء شديداً ، ويقول أنه سيعود إلى مقره فى انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء، داعياً له بالخير والتوفيق . ".
من الالتماس المقدم للملك ، وتهديد النقراشى على مسمع مدير الأمن العام والاستخاف بمطالب النقراشى التى نقلها إليه حامد جودة باشا والتقرير الذى كتبه عبد الرحمن عمار ، بدا البنا مراوغاً فى مفاوضاته وجهوده ومساعيه ودون أن يأبه لتناقض أقواله فالوسيلة عنده لا تهم، فهو تارة يؤكد أنه كفيل بتوجيه الإخوان الوجهة التي يراها، وتارة أخرى يشكو من عجزه وافتقاده السيطرة على هذه الجماعة، ودائما كان يشكو ممن أسماهم بالإرهابيين، ويقول انه زار الكعبة ودعا الله أن يخلصه من هؤلاء الذين خرجوا عن طوعه، وأضاف أنه لا يبغي أكثر من استمرار جريدتهم اليومية ، لكنه فى كل الأحوال كان يضع الإفراج عن معتقلى الجماعة شرطاً لتقديم المعلومات أو وسيلة لجمع المعلومات المطلوبة !!
لم يقدم حسن البنا لمفاوضيه شيئاً ذا قيمة ، فالرجل بطبيعته يحمل شخصية ذات سمات مخابراتية من طراز رفيع ، فقد " دوخ مفاوضيه السبع دوخات " ، وذهب بهم إلى شاطئ النهر ، وعاد بهم عطشى ، ولم يقدم سوى كلام مرسل أشبة بالرمال الناعمة التى يصعب الإمساك بها .
كان البنا يتفاوض بينما " النظام الخاص " يعد خطة قتل النقراشى بعلمه وبمباركته ( حسب ما جاء باعترافات عبد المجيد حسن ) ، وبعد ساعات من الاغتيال ، راح ينفى صلته وجماعته بالجريمة ، ويمهد الطريق لجولة ثانية من المفاوضات بمقال نشره فى الصحف بعنوان : " بيان للناس " جاء فيه :
" وقعت أحداث نسبت إلي بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقي عليها ظلاً من الشبهة، فصدر أمر بحلها وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته".
تناسى البنا أنه سقط فى " دوامة الدم " ، وأنه مجبر على الدوران مع حلقاتها حتى تبتلعه مثل قشة ، فراح يتصل بزكى على باشا ومصطفى مرعى بك الوزيرين فى حكومة إبراهيم عبد الهادى لمواصلة التفاوض للعدول عن قرار حل الجماعة ، لكن الأحداث كانت أسرع منه ، فبعد يومين من نشر البيان وقع حادث محاولة نسف مكتب النائب العام بمحكمة استئناف القاهرة بباب الخلق ، وأسقط فى يد البنا باعتذار الوزيرين عن الوساطة فى ظل الظروف المستجدة ، لكن مع استمرار إلحاح البنا ، أقنعه مصطفى مرعى بك بكتابة بيان ينفى فيه انتماء الجناة للجماعة وأن أفعالهم تخرجهم من دائرة المنتمين للإسلام والمسلمين وأن يدعو أنصاره ومؤيديه إلى محاربة كل من يخرج على القانون ، وبعد تردد ،وافق وبعث إلى وزارة الداخلية خطاباً يتضمن بيان بعنوان : "ليسوا إخواناً ، وليسوا مسلمين " بينما يرى البعض أنه سلمه إلى محمد الناغى لتوصيله إلى إبراهيم عبد الهادى باشا ، وجه البنا فى البيان اللوم إلى الذين ارتكبوا الحوادث الماضية، وأشار إلى حادث محاولة نسف مكتب النائب العام ، قائلاً فى صدده أنه وقع بعد يومين من الكتاب الذى أذاعه فى الصحف بعنوان "بيان للناس" ، وأضاف فى خطابه : " ... وكأن مرتكب حادث محاولة النسف أراد أن يتحدانى بهذا " .
ثم ذكر فى آخر خطابه : " .. وليعلم أولئك الصغار من العابثين أن خطابات التهديد التى يبعثون بها إلى كبار الرجال أو غيرهم لن تزيد أحداً إلا شعوراً بواجبة ، وحرصاً تاماً على أدائه " .
.. واختتم البنا خطابه بقوله : " وإننى لأعلن منذ اليوم ، سأعتبر أى حادث يقع من أى فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين موجهاً إلى شخصى " .
لكن حيلة البنا لم تنطلى على مفاوضيه بعد أن كشف ضبط السيارة الجيب بأحد شوارع العباسية عن كتيب صغير تضمن بعض معتقدات النظام الخاص بالجماعة ومنها : " يجوز إيهام القول للمصلحة " .
مضت الأيام ولم يتحقق للبنا شيئاً مما كان يرجوه ويتعجله ، فلجأ إلى صديقه فتحى رضوان المحامى الذى يتولى الدفاع عن المتهمين من أعضاء الجماعة ، لكن رضوان قال له :
" إن الحكومة والملك لا يطيقان مجرد وجودك ووجود جماعتك فى الدنيا ، فلا تشغل نفسك بما لا نفع فيه ، ولا جدوى منه ، ولا تستمع لرسل السلطة الذين يعبثون بنا . "
لكن رغبة البنا فى استرداد جماعته كانت عارمة ، فلم يمتثل للنصح فذهب إلى صديقه محمد أفندى الناغى سكرتير جمعية الشبان المسلمين ، وفى صباح يوم السبت 12 فبراير بعث الناغى محمد الليثى سكرتير لجنة الشباب بالجمعية إلى حسن البنا فى منزله ليخبره بنجاح الوساطة وأن اجتماعاً سيعقد فى تمام الخامسة بمقر الجمعية سيحضره ممثل عن الحكومة ، وذهب البنا فى الموعد ولم يجد اجتماع ولم يحضر مسئول ولم يرد أحد على تليفونات الناغى ، وفى الثامنة قرر البنا الانصراف فطلب من صالح عوض ساعى الجمعية إحضار سيارة أجرة .
كان بيان البنا بعنوان "ليسوا إخواناً ، وليسوا مسلمين " بمثابة الخطأ القاتل الذى جرته إليه أقداره لتكتمل المأساة على طريقة أبطال التراجيديات الإغريقية ، وعندما نشر البيان بعد قتله ،كان له مفعول السحر فى فك عقدة لسان قاتل النقراشى فاعترف بالكثير عن علم حسن البنا بالتدبير للجريمة ومباركته لها ، وهو ما أسقط القناع عن دعاوى البنا التى برر بها وجود "النظام الخاص " ودوره فى مناهضة الاحتلال ، فحقيقة الأمر أن "النظام الخاص " لم يكن أداة من أدوات التحرر الوطنى ، ولكنه كان أداة لتصفية الخصوم من أبناء الوطن المختلفين مع فكر وتوجه الجماعة !!
أصابع الاتهام :
بعد لحظات من مقتل البنا أشارت أصبع الاتهام فى كل ناحية ، وباتجاه كل حدب وصوب فالحكومة تتهم الإخوان بتدبير الحادث ،.. والإخوان يتهمون الملك والسراى ، والبعض يتهم رجال الداخلية وعلى رأسهم إبراهيم عبد الهادى باشا وعبد الرحمن عمار بك وكيل الداخلية ، وأخرون يتهمون شباب السعديين بتدبير الجريمة انتقاما لمقتل النقراشى ، بينما رأى البعض توجيه الاتهام إلى الانجليز والصهاينة الذين أوجعتهم بطولات كتائب الإخوان فى فلسطين . وسرت شائعة تتهم زوجة النقراشى باستئجار قتله مأجورين من صعيد مصر اغتالوا البنا أخذا بثأر زوجها، لكن الشئ المؤكد أن كل الأطراف قد عجزت عن إقامة دليل على ما تدعيه !!
اتهام الحكومة للإخوان :
منذ الوهلة الأولى بدأت الحكومة تلصق الاتهام بجماعة الإخوان وتبرر قتلهم لمرشدهم بأنه قد أبدى استعداده لتسليم أشخاص من جماعته إلى البوليس بعد أن تبرأ منهم بقوله : " ليسوا إخواناً " بل ورماهم بالكفر والخروج من الملة بقوله : "وليسوا مسلمين " ، وتسليم سلاح الجماعة ، والإرشاد عن مقر الإذاعة السرية .
وراحت تغذى الشائعات التى تضخم الخلاف بين البنا وجماعته فانتشرت شائعات أن البنا قد فصل بعض أفراد من جماعته وهددهم بإبلاغ البوليس عنهم ، وشائعة أخرى تفيد استياء أعضاء الجماعة من تصرف حسن البنا فى أموال الجماعة وكأنها أمواله الخاصة لدرجة أنه أنشأ شركة خاصة برأسمال 20 ألف جنية وعين سائقه الخاص عبد العزيز حسن مديراً لها ، وشائعة ثالثة تتهم البنا بالتلاعب المالى والاستيلاء على بعض الأموال التى تم جمعها على سبيل الاكتتاب من الشعب لمساعدة فلسطين الشقيقة فى محنتها، وشائعة رابعة تتهم البنا بالتستر على فضائح أخلاقية ارتكبها صهره عبد الحكيم عابدين ( راسبوتين الجماعة ) مع بعض زوجات وبنات أعضاء من الجماعة، وتدخل البنا شخصيا لعدم توقيع عقوبة عليه، وعندما اعترض ضحايا عابدين وبعض أفراد الجماعة، قام البنا بفصلهم وتهديدهم بالابلاغ عنهم .
الملك والسراى :
وفى المقابل أشارت أصابع الإخوان المسلمين بالاتهام إلى الملك والسراى ، ولكنه اتهام افتقد ما يبرره ، ولم يقدم الإخوان واقعة واحدة تعزز الدفع بالاتهام فى هذا الاتجاه ، فالإخوان يبذلون الحب وفروض الولاء للملك فاروق من قبل أن يتولى سلطاته الدستورية ومع احتفالات هذه المناسبة صدرت أوامر المرشد العام لفرقته العسكرية بالتوجه إلى قصر عابدين لمبايعة الملك على كتاب الله وسنة رسوله وتكررت المبايعة نفسها فى عيد الجلوس الملكى ، .. وفى مناسبات متنوعة ومتعددة تجمع " الإخوان " عند بوابات قصر عابدين هاتفين " نهبك بيعتنا، وولاءنا على كتاب الله ورسوله " وذكرت جريدة البلاغ في 20 ديسمبر 1937 انه عندما اختلف النحاس باشا مع القصر خرجت الجماهير تهتف : " الشعب مع النحاس " ، فسير البنا رجاله هاتفين: "الله مع الملك" .
.. وفى يوم زواج الملك من الملكة فريدة فى 20 يناير 1938 قامت جوالة الإخوان،بالاحتشاد بأوامر من البنا، والهتاف للملك
وقد خصصت الجماعة مؤتمرها الرابع لغرض واحد هو الاحتفال باعتلاء جلالته العرش.
وعندما تعرض الملك لحادث القصاصين فى 15 نوفمبر 1943 قام البنا بالتنظيم الجماهيرى ليعبر عن الأفراح بنجاته .
وقد دأبت جريدة الإخوان المسلمين على إضفاء مسحة دينية على الملك وأصبح غلافها محجوزاً لصورته مرة وفى يده المسبحة وأخرى وهو ملتح ، وتواصلت سياسة الإطراء على أسرة محمد على .وقد بالغ حسن البنا فى مقالاته فى نفاق الملك بكلمات من نوع ( عرشك العزيز وتاجك المقدس ودعوتك المستجابة وأمرك المطاع ويدك الكريمة ونظرك السامى وعهدك السعيد) ، وقد أجاد الملك استخدامهم فى ألاعيب السياسة ، واستمر الإخوان المسلمون على علاقة جيدة وحميمة بفاروق ..
وواصلت جريدة الإخوان المسلمين تعبئة الرأى العام ولفت نظره إلى خطوات الملك فاروق الدينية وتصف استقبال الجماهير له وهو فى طريقه لتأدية الصلاة بمسجد السلطان أبو العلا وهتافاتهم بحياته . وبلغ النفاق ذروته عندما كتب حسن البنا مقالا فى الصفحة الأولى بنفس الجريدة بعنوان : حامى المصحف " ، يذكر فيه أنه أثناء رحلة الملك إلى الصعيد قدم له أحد المرافقين فصاً أثرياً وقال : " إن هذا يجلب لك الحظ والخير " ، واخرج آخر مفتاح وادعى مثل تلك الدعوى ،فما كان من فاروق إلا أن أخرج مصحفاً من جيبه وقال : " إن هذا هو مفتاح كل خير عندى " وذهب الإخوان ومرشدهم إلى ما هو أبعد من ذلك فأخذوا يلاحقون تحركات فاروق ويصدرون التعليمات من مكتب الإرشاد إلى جميع الفروع فى الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وفرق الجوالة على المحطات التى يقف فيها القطار الملكى لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة.
كان الملك يعرف أن ولاء حسن البنا ، ولاء مدفوع الثمن ومن أجل المصلحة لذا واصل القص إمداد الجماعة بالإعانات المالية والهبات التى ظهرت بوضوح مع عام 1940 .
كل الشواهد وكتابات رجال القصر تشير إلى أن الملك لم يثق يوما فى البنا ، لكن كل الشواهد تؤكد أيضا أنه لم يكن صاحب مصلحة فى قتله !!
ومع ذلك كان إصرار الإخوان على اتهام الملك بقتل مرشدهم ومحاولة الثأر منه ، فقد ذكر مرتضى المراغى فى مذكراته : أنه تم العثور على مسدس فى جيب عامل الأسانسير الخاص بقصر القبة ، وهو الأسانسير الذى كان يستعمله الملك فاروق ، لكن شاءت إرادة الله أن يبيت الملك ليلتها خارج القصر، وبالتحقيق مع هذا العامل تبين أنه عضو بالنظام الخاص للجماعة، وقد واجه المراغى المرشد حسن الهضيبى بالواقعة .
الانجليز والصهاينة :
رأى بعض " الإخوان المسلمين " توجيه أصبع الاتهام إلى الانجليز والصهاينة بزعم أن بطولات كتائب الإخوان فى فلسطين قد أوجعتهم ، وهو اتهام يجافى الحقيقة تماماً، ويعكس رغبة الجماعة فى منح نفسها قدرات تعلو على حقيقة واقعها وأن دولاً تتخوف من قوتها ، ولم تجد بداً من اغتيال مرشدها ، وهو أيضا ما يعكس رغبة الجماعة فى الاستئثار لنفسها دون غيرها بالدور الذى قام به الشباب من مختلف قوى الصف الوطنى و إيهام البسطاء أنهم هم الذين خاضوا جميع المعارك على أرض فلسطين وأنهم لا ينامون الليل من اجل استراد أرضها وحقوق شعبها .
كما أن هذا الاتهام يتناقض مع العلاقة الوثيقة التى كانت تربط الإخوان ببريطانيا العظمى، والتى كانت أول من قدم الدعم المادى للجماعة فى صورة تبرع بمبلغ 500 جنية من شركة قناة السويس وهى بالطبع أموال مخابراتية تُدفع لتحقيق أغراض بعينها ، وقد ذكر أنطوني إيدن أن الانجليز كانوا يستخدمون الإخوان فى إثارة القلاقل والاضطرابات حتى تتعطل مفاوضات الجلاء.
يدحض هذا الاتهام أن كتيبة الإخوان التى دخلت إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلى لم تطلق رصاصة واحدة صوب اليهود !! فى المرحلة الأولى للمواجهة المسلحة بين العرب والصهاينة ، كان موقف الحكومة المصرية هو الامتناع عن إشراك الجيوش النظامية ، والاكتفاء بإرسال متطوعين وإمدادهم بالسلاح ؛ فأعدت لهذا الغرض معسكرات للتدريب شارك فيه شباب المتطوعين من مختلف القوى السياسية ، وعندما طلب الإخوان المسلمين السماح لهم بالتدريب فى معسكرات خاصة بهم ، رفضت الحكومة وفتحت لهم معسكرات الحكومة التى أنشأتها لذات الغرض وقد تولى ضباط الجيش المصرى تدريب المتطوعين وأن الجامعة العربية هى التى كانت تتولى تكلفة التسليح والملابس والإعاشة بالكامل وليس المركز العام للجماعة.
ومما تجدر الإشارة إلية أن متطوعو الإخوان قد قاموا بعمليات بطولية مثل نسف مستعمرتى فانداروم ودير البلح رداً على مذبحة دير ياسين .
لكن الشئ المؤكد أن كتيبة الإخوان التى دخلت إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلى لم تطلق رصاصة واحدة صوب اليهود ، كان البنا يزعم أنه أنشأ النظام الخاص ( الجناح العسكرى للإخوان المسلمين ) لمقاومة المحتل الانجليزى ، وجاءت حرب فلسطين التى كانت أول حقل فعلى لتدريب الأخوان على خوض المعارك الفعلية ، لكن حسن البنا ادعى : ( أنه علم أن هناك مؤامرة دولية للقضاء على هذا الصف المدرب أثناء القتال ) .
وأرسل البنا أوامره للشيخ محمد فرغلى ألا يدخل أى معركة حتى تصدر له الأوامر من القاهرة ، وعليه أن يخفى ذلك عن الأخوان .
وطال انتظار الأخوان لدخول المعركة وكانوا من قبل يخرجون للعمليات أكثر من مرة فى الليلة الواحدة واستمر انتظارهم شهراً كاملاً ، حتى تسرب القلق إلى صفوفهم وبدأت الشائعات تسرى بينهم بأن الشيخ محمد فرغلى خائن ، وأن اليهود قد اشتروا ذمته ؛ ولهذا فهو يمنعهم من القتال ، ولما وصل الأمر إلى الشيخ فرغلى وعلم أن الأمر قد وصل ببعضهم أن يتفقوا على قتله جمعهم ، وأفضى إليهم بما عنده من أوامر من القاهرة ، وتمت تصفية الموقف ، وبدأوا يشاركون فى العمليات مرة أخرى ، ولكن بحذر وبغير تكثيف .*
كان أحمد حسين أول من كشف زيف دعاوى الإخوان عن قصص البطولات الخيالية عن تضحياتهم وشهدائهم فى حرب فلسطين ، ففى العدد 142 من جريدة مصر الفتاة بتاريخ 12 يناير 1948، كتب أحمد حسين مقالا ً بعنوان : " أيها اليهود انتظروا قليلاً ، فإن كتائب الشيخ حسن البنا ستتأخر بعض الوقت ! "، وجاء فى المقال الساخر :
"طالما أذاع الشيخ حسن البنا عن كتائبه التى تبلغ عشرات الألوف، وأنها مزودة بالأسلحة والمعدات، وأنه اختارها من بين الملايين الذين يدينون للشيخ بالطاعة والولاء ، وبدأت مشكلة فلسطين تتخذ دوراً خطيراً فى مرحلتها الأخيرة فسارع فى إرسال البرقيات لمفتى فلسطين والجامعة العربية وإلى جميع الدول والهيئات الدولية، فاطمأن العرب أن جيوش حسن البنا سترهب الصهيونيين وأنصارهم ، والدول التى تؤازرهم ، ثم صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وأصبح لا مجال للحديث، وسكت القلم وانتظرنا السيوف أن تتكلم وأن تعمل فتطيح بالرقاب، رقاب الأعداء الكفرة من الصهيونيين وأنصارهم، وأعلن الشيخ حسن البنا عن كتيبته الأولى التى تبلغ عشرة آلاف وأنه تم تجهيزها وإعدادها وأنه يعمل على تجهيز كتيبتين أخريين لتلحقا بالكتيبة الأولى وتلحق بذلك جحافل الكتائب ! ثم ماذا ؟! لا شئ على الإطلاق ! والمسالة كما يعرف دائما ليست إلا دجلاً وشعوذة وضحكاً على عقول المصريين وغيرهم فيمن يأملون شيئاً من الخيرفى الشيخ وأعوانه . كفى تهريجاً أيها الناس وكونوا صادقين مرة واحدة فى حياتكم كلها ، وليعمل واحد منكم على تنفيذ شعاركم الذى تقولون فيه : إن الموت فى سبيل الله أحلى أمانينا، فإن ميدان الشرف والجهاد مفتوح للجميع، وطريق السفر برا وبحرا وجوا لم يغلق دون أحد من الناس ".
فاتهام الأخوان للانجليز والصهاينة بقتل مرشدهم محض هراء لم يقم عليه دليلا؛ فالأخوان لم يشاركوا فى حرب فلسطين، ولم يفعلوا ما يعد ذريعة لقتل مرشدهم !!
شباب السعديين :
أشار الإخوان بأصبع الاتهام إلى شباب السعديين وخاصة أنهم كانوا يهتفون أثناء جنازة النقراشى : " الثأر .. الثأر ، الدم .. بالدم !! "، "رأس البنا برأس النقراشى " .
وأشيع أن أحد الإخوان كان قد أبلغ البنا أن : " محمد كامل الدماطى مدير مكتب النقراشى قد شكل مجموعة من سبعة أفراد ، حلفوا برأس النقراشى أن يقتلوا حسن البنا " .
.. ولكن هذا أيضا لم يقم عليه دليل .
زوجة النقراشى :
طالت أصابع الاتهام أيضا صاحبة العصمة علية هانم زكى ، زوجة النقراشى ، وقيل أنها استقبلت قاتله وأهدته صورة لزوجها ، كتبت عليها إلى : " إهداء منى إلى البطل "، وأهدته قطعتين من الصوف " الانجليزى" وحقيبة بها ملابس حريرية لزوجته، ورزمة من الأوارق المالية مجموعها 400 جنية، لكن أسرة النقراشى نفت هذه الشائعة، ووصفتها بالسخيفة .
تحقيقات النيابة :
فى الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الحادث انتقل الأستاذ محمد زكى عصمت وكيل نيابة مصر إلى مكان الحادث واستمع إلى أقوال محمد الليثى وأثبت رقم السيارة التى استقلها الجناة وقد استمرت التحقيقات حتى الساعة السادسة صباحاً ، وقد أجمع موظفو وخدم جمعية الشبان المسلمين على أنهم لم يروا الحادث ولكنهم سمعوا صوت المقذوفات النارية فهرعوا إلى خارج مبنى الجمعية ولم يروا الجانى أثناء فراره.
وفى منتصف الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم انتقل إلى مكان الحادث محمود منصور بك النائب العام والأساتذة عبد العزيز حلمى رئيس النيابة والأستاذان محمد زكى عصمت ومحمود حسن عمر وكيلا النيابة ود. أحمد حسين سامى بك وكيل وزارة العدل للطب الشرعى ن ومحمد شكيب الطبيب الشرعى ، ورجال البوليس وعاينوا مكان الحادث وخطوا رسماً كروكيا له .
وقام المحققون والأطباء الشرعيون بمعاينة سيارة التاكسى واستخرجوا منها فارغ لمقذوف نارى ، واثبت المحققون أثار دماءعلى أرض السيارة ومقعدها الخلفى ، وقدروا قيمة التلفيات التى أصابت السيارة نتيجة لتهشم بابيها الخلفيين وتحطم زجاجها بمبلغ ثلاثة جنيهات ، كما أثبت المحققون أن عداد السيارة مازال يعمل وأنه بلغ فى ساعة المعاينة 193 قرشاً .
وقد عثر المحققون فى داخل السيارة على مسبحة ذات حبات خشبية بنية اللون يظن أنها خاصة بالبنا .
وفى الساعة الثامنة والربع مساء عاد إلى مكان الحادث والأستاذ عبد العزيز حلمى رئيس النيابة والأستاذ محمد زكى عصمت وكيل النيابة لمعاينة مكان الحادث فى وقت مماثل لوقت وقوع الجريمة ولمعرفة ما إذا كان الضوء كافيا ليتبين شاهد الرؤيا الجانى أثناء هربه أم لا ؟!
استمعت النيابة إلى أقوال محمد زكى على باشا ومصطفى مرعى بك وزيرا الدولة لأن المجنى عليه قد اتصل بهما بشأن الوساطة لرجوع الحكومة عن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ، كما استمعت إلى أقوال محمد صالح حرب رئيس جمعية الشبان المسلمين لأنه كان أخر من التقى المجنى عليه .
وفى 21 فبراير انتقل الأستاذ محمود حسن عمر الوكيل الأول لنيابة مصر العمومية إلى مستشفى القصر العينى لسماع المجنى عليه الثانى عبد الكريم منصور ، كما أجرت النيابة عرضا فى ساحة المحكمة للسيارات المشتبه بها، لكن التحقيقات لم تصل إلى شيئ !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.