بقلم :السفير:صلاح الدين إبراهيم لم يكن مستغرباً أن تهتم شعوب العالم شرقاً وغرباً وقادتها أيضاً بالثورة المصرية البيضاء التي استطاعت في أقل من ثلاث أسابيع إنهاء النظام الاستبدادي الذي ظلت مصر ترزخ تحت حكمه أكثر من ثلاثين عاماً.. ولا يرجع هذا الانبهار إلي اندلاع الثورة الشبابية بل بالأسلوب المتمدين الذي تمت به دون عنف أو استخدام القوة أو نشر الفوضي الهدامة بل المطالبة بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية واحترام القانون والمساواة بين الجميع ونشر الحريات والدعوة إلي حكم ديمقراطي حقيقي واحترام لحقوق الإنسان.. تلك المبادئ السامية التي يقوم علي أكتافها المجتمعات المتمدينة والمتقدمة فيما حولنا. وليس مستغرباً أيضاً يا سادة أن تواجه هذه الثورة الشابة بمحاولات متعددة لإجهاضها أو إفشالها فالأعداء المتربصون بها في مجتمعنا كثيرون ما بين هيئات المنتفعين بالنظام السابق أو المستغلين لثرواته المنهوبة أو غير ذلك من أعداء التقدم والتطور والداعين للجمود والعودة إلي الوراء. وما نراه من تسيب أمني في وقتنا هذا ومن دعوات متعددة للاحتجاج والمطالبات بالحقوق وغيرها من الاعتصامات لدليل واضح علي هذا الزعم.. فقد ظل المجتمع تنظمه قواعد غير عادلة طوال الثلاثين عاماً الماضية ويسوده الكثير من المبادئ غير الديمقراطية والقائمة علي الحزب الواحد والقانون الواحد والاتجاه الواحد وتقسيم الوطن إلي فئات عدة عمال وفلاحين أو أعداء أو مؤيدين وغير ذلك من التقسيمات التي أدت إلي زيادة معدلات الفقر والمرض والجهل وانتشار العشوائيات وسكان المقابر وأطفال الشوارع بعد أن تفشت الفوضي الهدامة بصورها المتعددة وازدياد معدلات الفقر التي طالت أكثر من نصف المجتمع والمحاولات المتكررة للهروب بحثاً عن لقمة العيش علي سفن متهالكة يروح ضحيتها الآلاف من شباب الوطن وغير ذلك من السلبيات التي سادت مجتمعنا في السنين الأخيرة، التي جعلت مصر في ذيل قائمة الدول النامية بعد أن كانت من أكثر الدول الساعية للتقدم والنمو. ومعادن الشعوب يا سادة لا تظهر إلا في الأزمات وفي الأوقات العصيبة والشعب المصري صاحب الحضارة الأولي فقد استطاع في هذه الفترة الأخيرة أن يفصح عن أصالته وعن معدنه الأصلي وما كنا نراه في ميدان التحرير وفي شوارعنا وفي مدننا وقرانا من مظاهر الانتماء للوطن ومن محاولات سد الفراغ الذي أوجدته جريمة سحب قوات الأمن من شوارعنا من سيناء شمالاً حتي أسوان وحلايب جنوباً لدليل واضح علي هذا الزعم وما نراه من تطور في حياتنا اليومية مثال واضح علي ما نشير إليه. ولقد أدت السياسات الفاشلة التي سادت في مجتمعنا طوال نصف القرن الماضي إلي انهيار واضح في مؤسساتنا الأساسية من تعليم أو بحث علمي أو من تغييب وغير ذلك من الخدمات علي اختلاف أشكالها وأنواعها فانتشرت الفوضي والحوادث علي اختلاف أشكالها وامتلأت صحافتنا بالجرائم غير المعروفة عن المجتمع المصري بعد أن ازدادت الثقة بين الأقلية الحاكمة والغنية والأغلبية المظلومة والفقيرة. إن حماية الثورة يا سادة تقع علي عاتقنا جميعاً، خاصة في الفترة الراهنة التي لا تزال فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير مستقرة، في الوقت الذي لا تزال القواعد والمبادئ الجديدة التي تدعو إليها الثورة من عدالة اجتماعية ومشاركة فعلية في الحكم في ظل نظام ديمقراطي حقيقي في أولي خطواته. إن محاولات القوي الرجعية التي لا تزال متمسكة بكثير من قواعدها السابقة لن تتمكن من إعادة مجتمعنا إلي الوراء بعد أن تحرر من قيوده ومن أسلوب الحكم الذي كان نائماً في الماضي.. إن الخطوات الإيجابية التي تمت خلال الشهر الماضي من تعديل لبعض فقرات الدستور القائم لإفساح المجال أمام مشاركة أكثر فاعلية في الحياة السياسية في المرحلة الانتقالية لخطوة في طريق طويل ممتد.. ولا ريب أن المطالبة بإطالة هذه الفترة عمل إيجابي في هذا النطاق.. ولا تزال القوي الجديدة لم تتشكل بعد ولم تجد مكانتها علي الساحة السياسية بعد. إن بناء المؤسسات في مجتمعنا هو الخطوة الأولي نحو التقدم والتطور وعلي رأسها المؤسسة التعليمية التي أصابها الكثير من التدهور ومن الانحسار، الأمر الذي أدي إلي القذف بالآلاف من الشباب غير القادر علي العمل والإمساك بآليات العصر الحديث، تلك الآليات التي ساعدت علي إنجاح هذه الثورة البيضاء إلي تحقيق الأهداف التي لم يوفق جيلنا في تحقيقها طوال السنين الماضية. إن تغيير المجتمعات يا سادة وتطويرها يعتمد في الأساس علي العمل الجاد وعلي التضحيات من جانبنا جميعاً ومن اتقان العمل والمحافظة علي مقدرات الوطن وعلي ثرواته.. إن الفساد الذي كان سائداً طوال الفترة الماضية والتي كشفت بعض شواهده في الفترة الأخيرة لدليل علي مدي الفوضي التي كانت تسيطر علي مقاليد حياتنا، سرقة البنوك والاستيلاء علي أراضي الدولة واستباحة مقدرات وإثراء بهذه الصورة غير المسبوقة لدليل واضح علي مدي تردي المجتمع الذي ساد حياتنا طوال نصف القرن الماضي.. إن واجبنا جميعاً أن يسود بيننا التعاون والعمل الجاد والانتماء وهي المبادئ التي قام شباب الثورة بإرسائها منذ بداية الثورة في أواخر يناير الماضي.. إن حماية المجتمع شمالاً وجنوباً عندما غابت عنه قوات الأمن والعمل علي نظافة شوارعنا ومدننا طواعية لدليل واضح أن الشعب المصري لقادر علي تبؤ مكانته التي تليق به علي المستوي الدولي والإقليمي بعد أن تردت هذه المكانة طوال السنين الماضية، فلا ريب أن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر.. فدعونا نعمل جميعاً سعياً لرفعة الوطن وحمايته.