منذ عقود طويلة عرفت مصر، الفلوس المزورة، والسلع المضروبة، وعمليات النصب على الضحايا لسرقة أموالهم، والجديد فى دنيا النصب كانت المدارس الوهمية!.. وهى مدارس تتصدرها لافتات ضخمة تقول هنا مدرسة، فيلتحق بها مئات التلاميذ كل عام، ويدفع أهالى كل تلميذ آلاف الجنيهات سنويا وفى النهاية يكتشفون أن المدرسة وهمية ،وغير معترف بها وغير مقيدة بوزارة التربية والتعليم.. وهذا ما حدث مع حوالى 2000 أسرة فى مصر كانوا يسددون لأبنائهم فى مرحلة الروضة 8 آلاف جنيه، بينما طلاب الثانوى يدفعون فى ذات المدارس ما بين 1500 و2000 جنيهاً! مابين المدرسة والدروس الخصوصية يعافر ملايين التلاميذ والطلاب لاستذكار دروسهم، ومن ورائه أولياء أمور يصرفون آلاف الجنيهات على الدروس الخصوصية أملاً فى تحقيق حلم أبنائهم الدراسي، بداية من مرحلة الروضة إلى الثانوية العامة، ولكن بعضهم يجد فى انتظاره مفاجأة غير متوقعة عندما يكتشف ان المدرسة التى يتلقى فيه تعليمه فريضة.. بعض هذه المدارس لاتبعد عن الإدارات التعليمية سوى أمتار قليلة الأمر الذى يثير العديد من التساؤلات، أهمها كيف كان النظام الدراسى داخل هذه المدارس على مدار هذه السنوات؟، وكيف لم تكتشف لجنة توجيه أو إشراف من وزارة التربية والتعليم زيف هذه المدارس؟، وما هى الإجراءات القانونية المتبعة حيال هذه المدارس؟، وكيف كان رد فعل الجهات الرسمية والبرلمان بعد افتضاح الأمر؟. تراست سكول، وطيبة الثانوية، وسمارت سكول وعالم الصغار ومؤسسة الوزير.. أشهر المدارس التى حققت مكاسب مادية من أولياء الأمور، على مدار السنوات الماضية، حتى أن افتضح أمرهم، وتصاعدت الأزمة حتى وصلت لمجلس النواب. وبحسب آخر الإحصائيات فإن أكثر من 2000 أسرة ضحية مافيا المدارس المزيفة، طبقًا لما أشار إليه عدد من أعضاء مجلس النواب. وكانت وزارة التربية والتعليم، قد أصدرت فى يناير الماضى بيانًا أعلنت فيه غلق مدرسة سمارت كول الخاصة، ومدرسة الروضة الثانوية، ومدرسة طيبة الثانوية، ومدرسة تراست الخاصة، وجميعها تابعة لإدارة حلوان بالقاهرة، لعدم وجود أوراق لها، وعدم حصولها على أية تصاريح لمزاولة المهنة، ومخالفة لكل اللوائح والقوانين، وبالتالى لا تعترف بها وزارة التربية والتعليم؛ لأنها غير موجودة فى سجلاتها على الأوراق الرسمية. قال الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، خلال مداخلاته التليفزيونية: «لن نترك طالبا يتعرض للأذى داخل أى مدرسة، ولذلك تم نقل الطلبة إلى مدارس نظامية مختلفة وتم حل المشكلة»، مشيرا إلى أن ما حدث فى مؤسسة «الوزير» التعليمية، التابعة لإدارة دار السلام التعليمية، قام بها تركيبة فاسدة سعت للضغط على الوزارة للحصول على ترخيص للمدرسة واتخذت الأهالى كبش فداء. أولياء الأمور: ووجود المدارس بالقرب من الإدارات التعليمية ساعد فى خداعنا «الوفد» تواصلت مع عدد من أولياء الأمور ضحايا المدارس المزيفة، وكان منهم محمود أحمد سعيد، ولى أمر «مهند»، الذى التحق بحضانة «عالم الصغار» فى شارع زكى حواس فى حلوان، وقال فوجئت العام الماضى بأن المبنى المتواجد فيه الحضانة تحول إلى مدرسة للمرحلة الإبتدائية والإعدادية بالرغم من أن الترخيص لمرحلة الروضة فقط! وأشار «محمود» إلى أن هذا المبنى المتواجد مكون من 5 طوابق، وجميعها تحولت لمدرسة.. وقال لم نتوقع أن هذه المدرسة غير مرخصة، فهى لاتبعد عن الإدارة التعلمية فى حلوان سوى أمتار قليلة وبالطبع جميع العاملين فى الإدارة التعليمية يمرون على المدرسة يوميا ويرون لافتة ضخمة تتصدر المبنى وتقول هنا مدرسة عالم الصغار للروضة وللمرحلتين الإبتدائية والإعدادية. كارثة كشف عنها ولى الأمر ل»الوفد»، حينما قال إن أولياء الأمور توجهوا إلى الإدارة التعليمية لتقديم شكوى ضد المدرسة المزورة، وكان ردهم: «حد قال لكم ودوا عيالكوا فى المدارس دي؟»، وعندها نشب بين أولياء الأمور والعاملين فى الإدارة التعليمية بسبب تركهم لمدرسة غير مرخصة لا تبعد عنكم سوى أمتارا. 8 آلاف جنيه قيمة مصروفات الطفل فى مرحلة الروضة، للعام الواحد، يستكمل ولى الأمر حديثه وقال إن طيلة سنوات الدراسة فى الحضانة والإبتدائية وحتى الإعدادية قبل المرحلة الشهادة لم يكتشف أحد عدم تسجيل المدرسة فى وزارة التربية والتعليم فلم تمر لجنة توجيه واحدة على المدرسة على مدار هذه السنوات، أما فى الشهادة الإعدادية فيلجأ مدير المدرسة إلى توجيه التلاميذ إلى مدرسة حكومية مجاورة اسمها مدرسة الحوامدية لإتمام الشهادة دون علم أولياء الأمور. وعن الإجراءات القانونية المتبعة للمدرسة، قال ولى الأمر: إن الإدارة التعليمية بعد تكرار شكاوى أولياء الأمور وجهوا خطابًا للحى التابع لها المدرسة، وتم تشميع المدرسة، إلا أنه بعد مرور أيام قليلة تم فتح المدرسة مرة أخرى وحاليًا تعمل على الملأ. وعلى صفحات التواصل الاجتماعى، تواصل هجوم أولياء الأمور على المدارس المزيفة مستنكرين ما حدث لهم ولأبنائهم بعد ضياع سنوات عمرهم فى شهادات مزورة تابعة لمدرسة «الوزير» فى منطقة دار السلام، مما أشعل سخرية عدد من رواد مواقع التواصل، وأشار بعضهم إلى أن هذه العملية تعد «مافيا العملية التعليمية»، وآخرون وصفوا الواقعة ب»مدارس بير السلم»، والجميع اتفق على أن طلاب المدارس هم ضحايا لعملية نصب غير مسبوقة. وقالت ميرفت رجب، ربة منزل، إن ضحايا المدارس المزيفة تكبدوا خلال سنوات الدراسة آلاف الجنيهات، ما بين الدروس الخصوصية وشراء الكتب الخارجية، وغيرها من المصاريف اليومية، وتابعت: «لو فى مدرسة بتشتغل من سنتين وطلبة رايحين وطلبة جايين ووزارة التربية والتعليم معندهاش خبر تبقى دى وزارة إيه؟!. كما قال محمد شهاب: «بنت أختى فى مدرسة الوزير، وبالفعل المدرسة مش متسجلة والمسئولون اتحبسو وبيقولوا إنها سنتر وسرقوا أختام مدرستين وبيختموا بيها شهادات النجاح». وتوجه عشرات من أولياء الأمور وأبنائهم المتضررين من مافيا المدارس الوهمية، إلى مقر وزارة التربية والتعليم، وحاولوا الدخول للقاء الدكتور طارق شوقى وزير التعليم، وبعد ساعات التقى الدكتور رضا حجازى، رئيس قطاع التعليم العام، بعدد منهم وكانوا ضحايا «مؤسسة الوزير التعليمية»، والكوثر بالقاهرة، اللذين أوهما الطلاب بتحولهما لمدرستين خاصتين، بتكاليف مخفضة ومجموعات أقل من المحددة من مديرية التربية والتعليم بالقاهرة. وقال رئيس قطاع التعليم العام، بعد لقائه أولياء الأمور: إن الوزارة ستبحث أزمة الطلاب وشهاداتهم التى حصلوا عليها، كما سيتم البحث والتحرى فى كيفية نجاح الطلاب دون الرجوع إلى الوزارة وهل أسماؤهم مقيدة فى كشوف الوزارة أم لا. كما كشفت الإدارة المركزية للتعليم الثانوى والخاص بوزارة التربية والتعليم، أن مدرسة مدينة السلام، التى تحمل اسم «مؤسسة الوزير» مدرسة غير مرخصة، لا يوجد بها تعليم ثانوى من الأساس. وأضاف أن الوزارة طلبت من أولياء الأمور والطلاب كتابة كشوف بأسماء الطلاب حسب الصف الدراسى، لمطابقتها مع قاعدة بيانات الطلاب فى الوزارة، مؤكدًا أن الوزارة لن تتستر على أى مخالفات. كما أعلنت وزارة التربية والتعليم حل مشكلة طلاب الصف الأول الثانوى، ووزعتهم على المدارس الثانوية المجاورة، أما طلاب الصفين الثانى والثالث، فطلبت منهم بيان نجاح بالشهادة الإعدادية، وشهادة ميلاد، مع تحديد الصف الدراسى المقيد به الطالب، لبحث إمكانية توزيعهم على نفس الصفوف من عدمها. وفى المقابل أكد أولياء الأمور أن الوضع على ما هو عليه وأن أزمة أبنائهم لم يتم حلها حتى الآن. برلماني: وزير التعليم وعد بإنهاء الأزمة خلال أسبوعين قال على عبد الونيس، عضو مجلس النواب، إنه قدم بيانًا عاجلًا إلى مجلس النواب، استعرض فيه مشكلة طلاب مدرسة «سنتر الوزير» بدار السلام وغيرها من المدارس الأخرى التى أصبحت بمثابة «بيزنس المدارس». وأضاف عضو مجلس النواب أن تكاليف المرحلة الدراسية فى الثانوية العامة تبدأ من 1500 جنيه إلى 2000 جنيه للشهادة الثانوية، مشيرا إلى أن مسئولية الطلاب الضحايا تقع على عاتق أولياء الأمور فى البداية، فلابد أن يتحروا الدقة ويتحققوا من المدارس التى يلحقون بها أبناءهم وتبعيتها لوزارة التربية والتعليم، بينما المسؤولية الأكبر على الجهات التنفيذية التى تكمن فى وزارة التربية والتعليم التى أهملت الرقابة على تلك المدارس التى انتشرت فى الفترة الأخيرة. وبشأن البيان المقدم منه لمجلس النواب قال إن مجلس النواب تواصل مع وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، والذى أكد أن المرحلتين الثانية والثالثة من الثانوية العامة ضحايا المدارس الوهمية يتم إجراء امتحان لهم للتأكد من مستواهم التعليمى ومنها يتم تحويلهم على مدارس معتمدة كل طالب على حسب مرحلته التعليمية، أما بشأن الإعدادية والروضة فلا مشكلة فيتم نقلهم ، كل طالب على حسب مرحلته. وعن المدة الزمنية لتطبيق وعد وزير التعليم رد البرلمانى قائلاً: إن هذه الإجراءات سيتم تفعيلها خلال أسبوعين على الأكثر. وسخر البرلمانى من تواجد بعض المدارس الوهمية بالقرب من الإدارات التعليمية وقال: «مش عارف إزاى الناس فى الإدارة التعليمية كانوا بيشوفوا المدارس دى ويعدوا عليها كل يوم ومخدوش بالهم؟»، وتابع: «المدارس أصبحت بمثابة سبوبة فالفرد يحصل على ترخيص بإنشاء حضانة وبعد عدة سنوات يستغل طيبة المواطنين ويقدم لهم الطعم فى تقديم خدمة أفضل دراسة إعدادية وثانوية بمقابل أرخص من المدارس الأخرى، وبالتالى مع ضغوط الحياة وارتفاع سعر المعيشة يقبل أولياء الأمور على تقديم أبنائهم لهذه المدارس دون التأكد من تبعيتها لوزارة التربية والتعليم. وأشار عضو مجلس النواب إلى أن تواجد بعض المدارس الوهمية بالقرب من الإدارات التعليمية، أعطى نوعًا من الثقة لأولياء الأمور حول سلامة موقف هذه المدارس من الناحية القانونية. فقيه قانونى: يجب تحويل الواقعة لمحكمة الجنايات قال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق والفقيه الدستورى، إن المسئولية القانونية تقع على عاتق أولياء ووزارة التربية والتعليم، فكلاهما مسؤول عن ضياع مستقبل الطلاب، فأولياء الأمور كان لابد أن يتميزوا بالفراسة فكيف لم يكتشفوا زيف المدارس على مدار السنوات الماضية؟، وكيف لا تلاحظ الوزارة نشاط هذه المدارس المزيفة. وأضاف «الجمل» أن على وزارة التربية والتعليم تحويل الطلاب إلى مدارس أخرى، على أن يكون توزيع كل طالب في مرحلته، وهذا حق قانوني للطلاب أمام الوزارة. كما طالب بإجراء تحقيق عاجل من وزارة التعليم بشأن هذه المدارس وتحويل للنيابة العامة كل من يثبت تورطه فيها، للتحقيق في هذة القضية في محكمة الجنايات.