كتبت زينب القرشى: انتشرت الأخبار المتعلقة بالجرائم والقتل بشكل كبير فى وسائل الاعلام فى الفترة الأخيرة، خاصة ما يتعلق منها بالجرائم الأسرية، وهو ما يدفع إلى القلق والتساؤل: هل هذه الأخبار ناقوس خطر جديد يشير إلى زيادة معدلات الجريمة، أم أن التركيز الاعلامي على الجرائم أوهم بأن هناك زيادة؟. ويجيب أساتذة فى الكشف عن الجريمة وعلمي الاجتماع والنفس بأن هناك زيادة فى معدلات الجريمة مرتبطة بالزيادة السكانية وبعض السلوكيات الخاطئة التى يقوم بها أفراد فى المجتمع مثل تعاطي المخدرات إلى جانب إهمال العادات المصرية، إلا أن الزيادة ليست كما يصورها الاعلام ويبثها يوميًا ويركز عليها بالشكل الذي يوحي بأن المجتمع المصري انتشرت فيه الجريمة وأصبح مجتمعا مجرما، لافتين إلى أن التركيز الاعلامي السلبي يساهم بشكل كبير فى زيادة معدلات الجريمة. ولفت الخبراء إلى أن أهم أسباب زيادة الجرائم هو نشر الفوضى والانحلال والانحراف والابتذال فى المجتمع من خلال بعض الأعمال الدرامية، إلى جانب غياب دور المدرسة والأسرة والأزهر مما أدخل الكثيرين فى حالات نفسية سيئة وحالات اكتئاب شديدة ساهمت مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة فى زيادة معدلات الجرائم وحالات الطلاق والانتحار. ونفى الخبراء أن يكون الفقر وحده سببا رئيسيا فى هذه الجرائم، لان المصريين يعيشون فى فقر طوال حياتهم ولم تنتشر الجرائم بصورة كبيرة، موضحين أن إرجاع القيم والأخلاق المصرية والسيطرة على ما تبثه الدراما ونشر الثقافة والوعي الجماهيري وتغليظ العقوبة على تجار المخدرات والمتعاطين، سيعيد بناء الشخصية المصرية فى أقل من ثماني سنوات ويقلل معدلات الجريمة بشكل كبير جدًا. وقال الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الشعور بزيادة معدلات الجريمة فى الفترة الأخيرة، ناتج عن الزيادة السكانية ولكن إذا تم قياس معدلات الجريمة بالنسبة والتناسب لعدد السكان الحالي وعدد السكان فى الفترات السابقة فلن نجد أن هناك زيادة تذكر. ولفت قناوي إلى أن ازدياد طرق المعرفة ساعد بشكل أوسع على الكشف عن الجرائم ومعرفة حدوثها وكل تفاصيلها خاصة بعد استخدام الكثير من الناس لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي. واعتبر قناوي أن المخدرات سبب رئيسي وراء ارتكاب العديد من الجرائم، بالرغم من أن كل حادثة لها ظروفها الخاصة بها وأسباب لارتكابها، إلا أن تعاطي المخدرات عامل رئيسي فى أغلب الجرائم خاصة فى جرائم السرقة والقتل. واتفقت معه الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، فى أن المخدرات مسئولة بشكل مباشر عن تزايد معدلات الجريمة فى الفترة الأخيرة، مؤكدة أن أكثر من 80% من الجرائم ترجع إلى تعاطي مدمنيها للمخدرات خاصة بعد انتشارها فى المجتمع بشكل مبالغ فيه وارتباطها بنظم مجتمعية خاطئة دخيلة على عادات المصريين ومنها توزيع المخدرات فى الأفراح والحفلات إلى جانب لجوء الكثير من الشباب والفتيات لشرب الشيشة بشكل علني دون شعور بأي خطأ أو خرق لعادات المجتمع. ورصدت «خضر» عدداً من الأسباب المجتمعية الأخرى التى تسببت فى زيادة معدلات الجرائم، ومنها الزيادة السكانية وغياب دور الأم والمدرسة والأسرة والأزهر التى ساعدت بشكل كبير فى ضياع الأخلاق والسلوكيات التى كانت تميز الشخصية المصرية إلى جانب غياب القوانين التى تساعد على بناء الشخصية المصرية والحفاظ عليها. وأوضحت أستاذة علم الاجتماع أن الزيادة السكانية والثقافة المجتمعية لها دور إلى جانب الدور الكبير للدراما التى ساهمت على زيادة وانتشار معدلات الجريمة، نتيجة قيام المعالجة الدرامية الخاطئة بإظهار المجرم، وهو يتمتع بحياة كريمة ورفاهية فى ظل ما يرتكبه من شرور، عكس ما كان يتم تناوله فى الدراما القديمة وأفلام الأبيض والأسود التى كانت تركز على العقوبات التى ستقع على كل شخصية تحمل فى داخلها شرا للمجتمع وللآخرين. ووضعت خضر بعض طرق المعالجة لهذه الظواهر السلبية، منها عودة الدور التربوي للمدرسة وإرجاع حصة الأخلاق وإعطاء نيشان للطالب ذى الأخلاق الرفيعة مثلما كان يحدث فى الماضي، والاهتمام بالنظافة وإعادة يوم النظافة بالمدارس وتفعيل الأزهر لمبادرة «النظافة من الإيمان»، وعدم الاكتفاء بترديدها كمقولة فقط، بالإضافة إلى التأكيد على المصطلحات الجميلة مثل «الكلمة الطيبة صدقة» وغرسها فى نفوس الأطفال ونشر مفاهيم المساواة بين الطلاب فى المدارس من خلال الزي الموحد والأكل الموحد وغيرها من الطرق. وتابعت أنه يجب أيضا أن تكتفي الأسرة بطفلين فقط حتى تتمكن الأم من تربيتهم خاصة أن الأطفال حاليًا لديهم قدرة كبيرة على التعامل مع برامج ال«سوشيال ميديا»، فضلاً عن اهتمام الأسرة بالأخلاق الحميدة فى اختيار زوج او زوجة أبنائهم، وعدم النظر للموضوع بنظرة مالية وإحياء مقولة «بنشتري راجل» على أرض الواقع، إلى جانب عودة قطاع الانتاج الاعلامي بقوة فى انتاج المسلسلات الدرامية مرة أخرى، لتصحيح بعض المفاهيم التى غرستها دراما المال التى تسعى لتحقيق الربح على حساب بناء الشخصية المصرية وأخلاق المجتمع. وذكر الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن المخدرات لها دور كبير فى جرائم زنا المحارم والسرقة والاغتصاب، وتساهم فى جرائم القتل كعامل مساعد حتى ينفذ القاتل جريمته بدم بارد، لافتًا إلى أن المخدرات مسئولة عن جزء من الجرائم والبقية نتيجة الانهيار الثقافي والأخلاقي وانعدام القيم الدينية التى يتحمل مسئوليتها الإعلام المرئي نتيجة ما يبثه من ابتذال وإسفاف تظهر المجتمع المصري بأنه مجتمع منتشر به الدعارة والقتل والعشوائية والسرقة وحولت البلطجي إلى «دنجوان». وأوضح فرويز أن الطبقات شديدة الفقر والطبقات الغنية أهملت العادات المصرية، وأصبحت الطبقة المتوسطة وحدها تحافظ على نظام المجتمع، إلا أنها تتعرض لضغوط حياتية وتعتبر هي أكثر الفئات تضررًا، مؤكدًا أن الحل الوحيد لمواجهة الجرائم هو إرجاع المجتمع المصري لعاداته وتقاليده القديمة بطريقتين أولاهما السيطرة على الإعلام المرئي وإظهار المجتمع المصري بصورة حميدة والضرب بيد من حديد لمن يدعو للانحراف ويساعد على تدمير أخلاق المجتمع، والثانية أن تقوم وزارة الثقافة بحرب ثقافية واسعة تعتمد فيها على توعية الثقافة الجماهيرية فى القرى والنجوع. من جهته، حمل الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي فى الجامعة الأمريكية، الإعلام مسئولية كبيرة فى نشر الجرائم، لافتًا إلى أن اعتماد التغطية الاعلامية على أسلوب الإثارة فى نشر الجرائم وكتابة أدق تفاصيلها أعطى انطباعا بأن المجتمع كله أصبح مجرمًا وهذا انطباع خاطئ. وأشار صادق إلى أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يصاحبها المرور بأحوال نفسية سيئة وحالات اكتئاب شديدة تؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة معدلات الجريمة والطلاق والانتحار، مبينًا أن الفقر وحده ليس سببا لارتكاب الجريمة، فالمصريون يعانون من الفقر طوال حياتهم ولم يلجأوا إلى الجرائم. واستكمل أن الإعلام يتبع فى نقل حوادث الجرائم سياسة خطرة وهو عمل لقاءات إعلامية مع المجرمين والتركيز على حياتهم والمشاكل التى يعاني منها مما يدفع المستمع إلى التعاطف معه، بالإضافة إلى أن بعض المواضيع الاعلامية تحول المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم.