لا تعتبر أزياؤه أو مظلته أو حتى "الست اللى واقفة وراه" فقط ما أصبح يشغل العالم بالعقيد معمر القذافى ، فأعين الجميع أصبحت معلقة بذلك الكتاب الأخضر الذى طالما ذكرنا به القذافى خلال خطبه "البديعة" باعتباره مرجع الليبيين ودستورهم الذى ألفه الديكتاتور الليبى بنفسه فلا مكان لفقهاء الدستور أو رأى لأهل القانون لنصبح أمام كتاب فريد فى التاريخ الإنسانى يعامل كالقرآن فى ليبيا. كثيرة تلك المرات التى وقف بثيابه الغريبة لتلتقط عدسات المصورين له صورا وهو يتصفح هذا الكتاب ، يتأمله بروح الظافر بغنيمة قمع شعبه ولم يكن يعلم أن ذات الكتاب الذي سطره بنفسه منذ أكثر من ستة وثلاثين عاما سيكون يوما شاهدا على ديكتاتوريته وأيضا على روح دعابته وقدرته الفائقة على انتزاع البسمة من أفواه العالم عند قراءة فصوله ، فالكتاب يحتوى على ما يمكن أن نسميه بكل ثقة "نكات سياسية " تمثل الكوميديا السوداء التى تعيشها ليبيا منذ نحو اثنين وأربعين عاما. الكتاب الأخضر ألفه معمر القذافى فى عام 1975 ، ويطلق على محتواه النظرية العالمية الثالثة ،يتكون من ثلاثة فصول "سلطة الشعب" عنوان أول فصل ويمثل الركن السياسى للنظرية العالمية الثالثة ثم "الاشتراكية" التى تمثل الركن الاقتصادى للنظرية والركن الاجتماعى للنظرية وليس لهذا الفصل تسمية وإذا أردت معرفة سبب ذلك فعليك بسؤال القذافى نفسه لأننا بعد البحث لم نتوصل لسبب. طرائف الكتاب تبرز فى جميع فصوله ولكن لنبدأ بالفصل الثالث وهو الأكثر طرافة ففيه يعرف القذافى المرأة قائلا بالنص" المرأة إنسان والرجل إنسان ليس فى ذلك خلاف ، إذن المرأة والرجل متساويان بداهة، فالمرأة تأكل وتشرب والرجل يأكل ويشرب والمرأة تحب وتكره كما يحب الرجل ويكره والمرأة تحيا وتموت والرجل يحيا ويموت.ولكن لماذا رجل ولماذا مرأة؟ وما هى الفروق الطبيعية بينهما؟ " وبعد سرد طويل يخلص القذافى لنتائج وهى بالنص" المرأة أنثى والرجل ذكر والمرأة طبقا لذلك يقول طبيب أمراض نساء تحيض أو تمرض كل شهر والرجل لا يحيض لكونه ذكرا وهذا المرض الدورى أى كل شهر هو نزيف أى أن كل أنثى تتعرض طبيعيا لمرض نزيف كل شهر والمرأة إن لم تحض فتكون قد حملت تصبح بطبيعة الحمل مريضة قرابة سنة" ويسترسل مؤلف الكتاب ليشرح مرض النفاس ثم مراحل الرضاعة ليدخل القارىء فى حيرة هل الكتاب الأخضر "دليل طبى أم كتاب منظم للدولة الليبية وفى موضع آخر من الكتاب يؤكد القذافى على ضرورة عدم خروج المرأة للعمل "إن دفع المرأة للعمل هو اعتداء ظالم على أنوثتها التى زودت بها لغرض طبيعى ضرورى للحياة إذ أن عمل المرأة يطمس المعالم الأنثوية التى أرادت لها الخليقة أن تظهر" ويضيف " أن تجاهل الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة والخلط بين أدوارهما لا يعد حضاريا على الاطلاق ومضادا لنواميس الطبيعة" إلى ذلك فالمؤلف له الحق فيما يقوله فهذا رأيه وعليه إجبار شعبه للمثول له طبقا للنظرية القمعية التى ينتهجها ولكن ماليس مفهوما هو اختراق القذافى نفسه لهذا النص بتعيينه طاقما خاصا من السيدات لحراسته ليصبح الحاكم العربى الوحيد الذى يحتمى بالمرأة فى تناقض غير مبرر لما يلزمه فى كتابه و أفعاله وعن التعليم يقول " التعليم الإجبارى والتعليم المنهجى المنظم هو تجهيل إجبارى للجماهير إن جميع الدول التى تحدد مسارات التعليم وتجبر الناس على ذلك وتحدد رسميا المواد والمعارف المقررة هى دول تمارس العنف ضد مواطنيها0 أما الركن السياسى فله العديد من الوقفات ، فالقذافى يرى المجالس النيابية حاجزا غير شرعي بين الشعوب وممارسة السياسة بل تمثل خداعا للشعب فهى تحتكر السياسة لنفسها ، ولكى يعرى المؤلف حقيقة المجالس النيابية كما يصف يتابع" المجلس النيابى إما منتخب من خلال دوائر انتخابية أو من خلال ائتلاف أحزاب أو بالتعيين ، وكل هذه الطرق غير ديمقراطية فتقسيم السكان الى دوائر انتخابية يعنى أن العضو النيابى الواحد ينوب عن مئات الآلاف أو الملايين من الشعب حسب عدد السكان ويعنى ذلك أنه لا تربطه أى صلة تنظيمية شعبية بالناخبين إذ يعتبر نائبا عن كل الشعب ومن هنا ينفصل النائب عن الجماهير نهائيا ، أما إذا انبثق المجلس عن حزب نتيجة فوزه فى الانتخابات فهو فى هذه الحالة يعد مجلس الحزب وليس مجلس الشعب، كما يصف القذافى الاستفتاءات ب"تدجيل على الديمقراطية". وعن حرية الصحافة يقول القذافى" إن الشخص الطبيعي حر في التعبير عن نفسه حتى ولو تصرف بجنون ليعبر عن أنه مجنون. إن الشخص الاعتباري هو أيضاً حر في التعبير عن شخصيته الاعتبارية ، ولكن في كلتا الحالتين لا يمثل الأول إلا نفسه ، ولا يمثل الثاني إلا مجموعة الأشخاص الطبيعيين المكونين لشخصيته الاعتبارية" وينتهى صاحب الكتاب الى مسلمة " الشخص الطبيعي يحق له أن يعبٌرعن نفسه فقط، ولا يحق له ديمقراطياً أن يعبٌر عن أكثر من نفسه ... وينتهي بهذا انتهاء جذرياً وديمقراطياً ما يسمى في العالم ( بمشكلة حرية الصحافة ). إن مشكلة حرية الصحافة التي لم ينته النزاع حولها في العالم هي وليدة مشكلة الديمقراطية عموماً ... ولا يمكن حلها ما لم تحل أزمة الديمقراطية برمتها في المجتمع كله ... وليس من طريق لحل تلك المشكلة المستعصية ، أعني مشكلة الديمقراطية ، إلا طريق وحيد وهو طريق النظرية العالمية الثالثة. وفى الركن الاقتصادى يخصص القذافى جزءاً كاملا للخدم وكيفية خلاصهم من العبودية" خدم المنازل سواء أكانوا بأجر أم بدونه ، هم إحدى حالات الرقيق ، بل هم رقيق العصر الحديث . وحيث إن المجتمع الاشتراكي الجديد يقوم على أساس المشاركة في الإنتاج وليس على الأجور، فإن خدم المنازل لا تنطبق عليهم القواعد الاشتراكية الطبيعية، لأنهم يقومون بخدمات لا بإنتاج والخدمات ليس لها إنتاج مادي يقبل القسمة إلى حصص وفقاً للقاعدة الاشتراكية الطبيعية، ولهذا فليس لخدم المنازل إلا العمل مقابل أجر، أو العمل بدونه في الظروف السيئة . وحيث إن الأجراء هم نوع من العبيد وعبوديتهم قائمة بقيام عملهم مقابل أجر، وحيث إن خدم المنازل هم في درجة أسفل من الأجراء في المنشآت والمؤسسات الاقتصادية خارج المنازل، فهم أولى بالانعتاق من عبودية مجتمع الأجراء مجتمع العبيد" ولتحرير الخدم من العبودية يرى مؤلف الكتاب" الكتاب الأخضر يرسم طريق الخلاص أمام الجماهير من أجراء وخدم منازل لتتحقق حرية الإنسان . ولهذا لا مناص من الكفاح لتحرير خدم المنازل من وضعية الرق التي هم فيها، وتحويلهم إلى شركاء خارج المنازل حيث الإنتاج المادي القابل للقسمة إلى حصص حسب عوامله... فالمنزل يخدمه أهله. أما حل الخدمة المنزلية الضرورية فلا يكون بخدم بأجر أو بدون أجر، وإنما يكون بموظفين قابلين للترقية أثناء أداء وظيفتهم المنزلية، ولهم الضمانات الاجتماعية والمادية كأي موظف في خدمة عامة. ومن ما عرضاه يبرز كم الأدب الساخر الذى حواه كتاب القذافى الأخضر ومن يريد المزيد من كوميديا الديكتاتور فعليه الرجوع الى أصل الكتاب. شاهد الفيديو "من طرائف القذافي "