تراجع جديد في سعر الذهب عيار 21 اليوم الاثنين 10-6-2024 بمحال الصاغة    اليورو عند أدنى مستوى في شهر بعد دعوة ماكرون إلى إجراء انتخابات مبكرة    حزب رئيس وزراء بولندا يفوز بالانتخابات الأوروبية    قناة مجانية تنقل مباراة مصر وغينيا بيساو في تصفيات كأس العالم الليلة    الأرصاد: طقس الإثنين حار نهارا.. والعظمى بالقاهرة 36 درجة    استشهاد فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية    حدث ليلا: فيديو صادم للسنوار.. ومحتجزة سابقة تشعل الغضب ضد نتنياهو    السعودية تستضيف ألف حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة بأمر الملك سلمان    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. 10 يونيو    السعودية تطلق خدمة أجير الحج والتأشيرات الموسمية.. اعرف التفاصيل    9 دول أعلنت رسميا يوم الاثنين أول أيام عيد الأضحى.. بينها دولتان عربيتان    نجوم الفن يهنئون ياسمين عبدالعزيز لتعاقدها على بطولة مسلسل برمضان 2025    لميس الحديدي: رحلتي لم تكن سهلة بل مليئة بالتحديات خاصة في مجتمع ذكوري    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    ترامب يطالب بايدن بالخضوع لاختبارات القدرات العقلية والكشف عن المخدرات    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس «اتصالات النواب» يزف بشرى سارة عن مكالمات التسويق العقاري.. وعمرو أديب عن مدرس الجيولوجيا: «حصل على مليون و200 ألف في ليلة المراجعة»    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    محمد عبدالجليل يقيّم أداء منتخب مصر ويتوقع تعادله مع غينيا بيساو    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«رودينة» تنقب عن الجمال بين حطام مراكب الصيد القديمة
فتاة سكندرية تحول «الخردة» لقطع فنية مبهرة
نشر في الوفد يوم 10 - 08 - 2018


كتبت رغدة خالد:
تتلألأ أشعة شمس الفجر على صفحة الماء، فتتجلى وجوه صيادى عروس البحر، بعيونٍ كحلها السهر، وزينها الرضا بالرزق الوفير، تعلو جباه غضنها العرق وديانا، تتمايل المراكب على عباب المياه تداعبها نسائم الليل الافلة، وبينما يلوح أول خيوط النهار فى الأفق، يحمل عم أحمد المراكبى شباكه وعدة الصيد داخل «قفف» من الخوص تضفرت بين أصابع زوجته، ويهم بتوجيه ناصية مركبه العتيق إلى حيث تعانق المياه شاطئ الإسكندرية.
يزف صدى أصوات أسراب النورس أفواج الصيادين الراحلة، بينما تحلق الطيور على مقربة من وجه الماء توشك أن تمزقه بمخالبها؛ بحثًا عن طعام دون أن تشارف الشاطئ، هناك تقبع اليوم آلاف من مراكب الصيد البالية التى دبت الرطوبة بين أوصالها فزادتها بهاءً، ينسل الماء المالح عن سطحها تاركًا خلفه قصائد من الأسرار التى يبوح بها البحر فى كل غروب وشروق.
تزحف الشقوق بين ألواحها العتيقة كتجاعيد تؤصل بصمات الزمن وتخلد ظلمة ليالٍ طوال هام بها أصحابها فى عرض البحار، صيادون لم يبق منهم أثر سوى شواهد مراكبهم المتناثرة كالجثث الهامدة على طول الساحل، فى الليل تنتفض مرآة البحر عن سكونها، ويبارح الهدوء الفضاء الفسيح، فيلفظ البحر خفاياه الكامنة فى لحظات غضب يلوح فيها الموج كالطود العظيم، بينما تقف «رودينة طارق» على شاطئ «بحرى» تلقف ما يلقيه جوف المتوسط من بقايا الأخشاب الضامرة قابضة على ما جمعت بجعبتها قبل
أن تلف عائدة.
تحمل «رودينة»، الفتاة السكندرية، قصص اليأس والحب والحياة التى تدب بين الفوالق وتشق لها دروبًا بين ثنايا بقايا المراكب القديمة داخل كفوف جاوزت العشرين بقليل، تستجدى بأناملها الذهبية السحر الكامن داخل الأخشاب وخبايا عالم البحر مع كل دفقة لون تتسلل عبر ممرات الشقوق وتغزو غياهب أطلال السفن الخشبية، بفطرة تعى دربها عن ظهر قلب.
يضىء البدر بأشعته التى تغزل ضياءها صفحة الماء فى إحدى ليالى شهر ديسمبر، فتتشابك الخيوط الفضية معًا فى مشهد يخلب الألباب، يزحف اليأس إلى صدرعم أحمد من طول الانتظار ونضوب الوفاض، ينتشله عواء الريح من براثن خيالات الخوف والفقر، فيدوى صرير اصطكاك الألواح بجوف القارب، تنذر بجنوح القارب عن جانبه من ثقل الشبكة التى غدت محملة بالخيرات، يأز داخلها البلطى والبورى والبياض، وترفرف زعانفها باستسلام منساقة إلى مصيرها المحتوم.
يطل عبير هواء الإسكندرية من ملامحها المليحة التى تتشرب بسكينة غامضة، بينما تنهمك «رودينة» فى تخليص الأخشاب القديمة من الزوائد الضامرة التى ضربتها الرطوبة وملوحة الماء، وتعشّق المسامير فى النتوءات المبهمة فتبيت منارات تلقى بأضوائها على وجوه أقزام منازل وعشش الصيادين التى تزين قوارب أحلام «رودينة» وتعكس تفرد موهبتها الخلابة.
تحتضنها نظرات والدتها الدافئة بفيض من الحب والرعاية فيما تدس البهجة خلسة بين ثنايا الخشب فتنفرج قسمات وجهها عن نشوة الانتصار بعد كل تجربة نجاح تشابكت مع العشرات من سابقيها اللواتى لم يُكتب لهن السداد، حتى يوشك الحزن أن يثقل روحها فتنكشف الأم عن يد حانية تدفع «رودينة» للأمام، تصاحبها فى رحلتها على هدى خطى موهبتها، تتشاركان خلالها تنسيق الألوان واختيار الخامات.
شبت «رودينة» متطلعة إلى ماكينة الخياطة القديمة التى ناهز عمرها الأربعين، متاع جدتها الأثير، وشاهد قصة الحب الدافئة التى جمعت بين جديها فلم يوارها الثرى، بثت فيها عشقًا خاصًا للفنون ورسومات القلوب واللون الأحمر فيما لا تزال ابنة ال8 أعوام، تفجرت موهبتها ينابيع فى كنف جدتها الذواقة للفنون على اختلاف شاكلتها.
وجدت «رودينة» السلوى فى رحابة خيالها وموهبتها الربانية فى تحويل كل ما تقع عليه يدها إلى قطع فنية خلابة، فتبث قطع الأخشاب القديمة نفحات من الجمال، تشى بأسرار وقصص صيادى «بحرى» كنغمات من حكاية شعبية قديمة، تطل من بيوت ملونة ضئيلة من تصميمها، تختزن إيحاءات مطعمة بانسيابية المد والجزر بين صدوعها، تؤيد أن امتزاج الماضى بالحاضر هو سر الحسن والخلود.
يلاصق وجهها زجاج السيارة غارقة فى أحلام العثور على مبتغاها من قطع حطام المراكب قبل أيام من هبوب النوة، فيما يأوى الجميع إلى منازلهم ويلملم عم أحمد شباكه على عجل ويشد المرساة ليعمل ذراعيه المفتولتين على المقاديف، عندها يسرى دفء الطمأنينة بين حنايا صدره مستبشرًا بفيض الرزق الذى سيحمله له زبائن «الشرارى» فى سوق السمك، قبل أن يرسو مركبه فى نفس المكان الذى تنطوى فيه اليوم أمجادها، ولا يتبقى منها سوى جيف متآكلة تنهش الرطوبة بين مفصلاتها، لا يبقى منها سوى صفحات من الذكريات بوجدان عم أحمد ومنازل مطعمة بالألوان من تصميم «رودينة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.