كتب أحمد الشوكى: رحل عن عالمنا الموسيقار الكبير ميشيل المصرى الذى يعتبر بلا أدنى مبالغة أحد الرموز العملاقة فى تاريخ الموسيقى المصرية والعربية. عبر سبعة عقود مضت لا نكاد نسمع لحنًا إلا ولحنه ميشيل المصرى أو وزعه أو كان عضوًا مميزًا كعازف بارع على آلة الكمان لما نسمعه. عرفت ميشيل المصرى عن قرب لا يكاد يمر يوم إلا ونتحادث عن شئون الدنيا والفن، كان يعرف أن نهاية الرحلة وشيكة فوثق كل أعماله الموسيقية فى دار الكتب والوثائق القومية لتكون مرجعًا رسميًا لكل محبى فنه والدارسين له. بصمة ميشيل المصرى على الموسيقى والغناء ليست مجرد أجمل «تتر» فى تاريخ الدراما المصرية «ليالى الحلمية»، والذى لا يزال يتربع على عرش أفضل الأعمال الغنائية للدراما المصرية والمسافة كبيرة لصالحه قبل أن يأتى فى الترتيب الأغنية الدرامية التى تليها. ثم تتر «من الذى لا يحب فاطمة» ثم الموسيقى التصويرية لعشرات الأعمال منها «فى يوم وليلة» و«بعمرى كله حبيتك» و«أنده عليك» من ألحان محمد عبدالوهاب وغنتها وردة، وكذلك «أكدب عليك» لوردة أيضًا ومن ألحان محمد الموجى، وكذلك من ألحان ميشيل المصرى أغنيات مثل «كتبوا كتابك يا نقاوة عينى» وموسيقى «دموع الفرح» و«عائلة الحاج متولى» و«شقاوة» و«هنعبر» و«131 اشغال» ومغارب والشك وألف مبروك والبرش واحذروا هذه المرأة وبلديات وسعادة ومشارق والطوفان وشخبطة ودقات وندى والشيطان يغنى ومشوار وآخر كلام ،وكانت موسيقى.. التوليب هى آخر ما بين يدى ميشيل المصرى يجاهد المرض كى يكتب لحنها الأساسى، فلا النظر يساعده إذ كان يعتمد فى تأليفه الموسيقى على كتابة النوتة الموسيقية مباشرة وليس العزف على الآلات الموسيقية. نجح ميشيل المصرى فى أن يجتذب إليه رموز الموسيقى والغناء، فصار أهم عازف للكمان بالفرقة الماسية التى صاحبت رموز الغناء وعلى رأسهم عبدالحليم حافظ، وكذلك صاحب سيدة الغناء العربى أم كلثوم التى ظلت تستدعيه ليعزف معها على مدار عشر سنوات حتى وافق أن يعزف فى فرقتها، وقد سألته لماذا تأخرت عليها طيلة هذه الفترة فأجابنى رحمه الله: إنه كان يسمع عن معاملتها القاسية للموسيقيين، لكنها بعد أن التحق بفرقتها تسألنى باستمرار هل أنت مبسوط معنا يا ميشيل. ثم ما لبث ميشيل أن صار عازف الكمان الأول مع فرقة الرحبانية يعزف من ألحانها وبمصاحبة المطربة فيروز. ومن قبل كل ذلك عزف مع فرقة «بديعة مصابنى» حيث كان فى أول مشواره. رحل ميشيل المصرى وهو حزين على موسيقى مسلسل «بليغ حمدى» الذى أنفقت عليه مدينة الانتاج الاعلامى الأموال لينتج ثم توقفت فجأة وكان يعتبر هذا إهدارًا للمال العام وكان يتعجب كيف لمصر أن توقف انتاج مسلسل بليغ وفى ذات التوقيت أنتجت مسلسلاً عن تحية كاريوكا. رحل ميشيل المصرى الشاهد الملك على مئات الألحان التى عزفها ووزعها، ومن بين ما وزع أوبريت الأرض الطيبة من ألحان عبدالوهاب عام 1981 وشارك فيه بالغناء محمد الحلو وسوزان عطية ومحمد ثروت وتوفيق فريد وزينب يونس وإيمان الطوخي، ثم وزع أغنية «مصر بتنا» عام 1984 والتى تغنى بها المطرب محمد ثروت من ألحان محمد عبدالوهاب. وقال لى ميشيل إن هذه الأغنية تحديدًا عبدالوهاب كان قلقًا عليها ولا يعرف ماذا سيجرى فى هذا اللون التوزيعى الجديد الذى كتبته لهذه الأغنية، وصاحبته فى سيارتى حتى وصلنا لماسبيرو أشرح له ماذا سيكون، كان ميشيل يحب عبدالوهاب حبًا عظيمًا وكذلك عبدالوهاب الذى كان يأتمنه على ألحانه وتسجيلاته، ولايزال فى مكتبة ميشيل شريط كاسيت به أفكار موسيقية لعبدالوهاب الذى رحل دون أن تأخذ هذه الأفكار طريقها للتنفيذ، وكذلك رحل عنا ميشيل الذى يحتفظ أيضًا بثلاث قصائد من ألحان رياض السنباطى كان يعدها للمطربة فيروز. لا يعرف أحد أيضًا أن ميشيل المصرى كان فنانًا تشكيليًا قام برسم العديد من اللوحات التى كان يزين بعضها مكتبه بفيلته الكائنة بحى الحصرى بمدينة السادس من أكتوبر. وكان يقول لى إنه استفاد من الفن التشكيلى فى الموسيقى، ومن أهم ما استفاد منه فيها بساطة الخلفية كى تظهر الشخصية ولا يتناطحان.