فهرس بأسماء سور القرآن الكريم أول ما يطالع عينيك عندما تتفقد حجرة الشهيد مصطفى سمير الصاوى-25 سنة - شهيد حي العجوزة، والذى وقف أمام سيارة مصفحة لقوات الشرطة على كوبرى قصر النيل في جمعة الغضب يهتف "سلمية..سلمية" فخرج قائد السيارة موجها له رصاصة غادرة في رقبته أودت بحياته. مصطفى الذي سقط مضرجا في دمائه رفع إصبعه ناطقا بالشهادة قبل أن تصعد روحه إلى بارئها قبل نقله للمستشفى، لكن الغريب أن جسده ظل ينزف الدماء حتى اليوم التالى رغم مرور نحو 20 ساعة على وفاته وحتى تكفينه وكأنه أصيب قبل دقائق معدودة فى مشهد أثار هتافات التكبير تقديرا لكرامة من كرامات الشهيد. موعد مع الشهادة مصطفى الذي ينتمى للإخوان المسلمين خريج كلية التجارة جامعة القاهرة، يحفظ القرآن الكريم، ويؤم المصلين فى مسجد الحصرى، وحصل على دورات في الجامعة الأمريكية، ويطرب إخوانه بصوته الندي وهو ينشد الابتهالات والأناشيد الإسلامية. الساعات الأخيرة في حياته يرويها شقيقه إيهاب قائلا: في اليوم الموعود وكأنه كان على موعد مسبق مع الشهادة قال لأمه مودعا :"يا أمي أنا رايح بكرة أموت شهيد".. كان يتكلم بثقة غريبة أوقفت شقيقتي فقالت له "كل الناس اللي بتروح مظاهرات دي وأنت الوحيد اللي هتموت شهيد"، فرد عليها " يوضع سره في أضعف خلقه".. ولم يكتف بذلك بل نزل مساء الخميس مودعا أصدقاءه وجيرانه قائلا لهم"رايح بكرة إن شاء الله أموت شهيد". يضيف: مصطفى أدى صلاة الفجر صبيحة استشهاده ونام عدة ساعات قبل أن يلحق بصلاة الجمعة ويخرج فى مظاهرات الغضب التى انطلقت من مسجد مصطفى محمود متوجها لميدان التحرير، وعند كوبرى قصر النيل بدأت قوات الأمن المركزى والسيارات المصفحة في إطلاق الرصاص الحي والخرطوش باتجاه المتظاهرين، وحاولت إحدى هذه السيارات دهس عدد من المتظاهرين لكن مصطفى ظل يلوح لقائدها "سلمية.. سلمية" فلم يعبأ به قائد السيارة فصوّب له طلقة قاتلة. حمله المتظاهرون بعيدا، وقال له زميلاه مصطفى عبدالرازق ومروان الأفندي"اتشاهد" فنطق الشهادة وظل إصبعه مرفوعا بها على نفس الهيئة حتى تم دفنه، وقد تم نقله سريعا في سيارة إسعاف لمستشفى الأنجلو أمريكا بالزمالك، وقد حاول الأطباء إسعافه بالصدمات الكهربائية لإنعاش قلبه لكنه كان قد فارق الحياة. أصبت كذلك - والكلام على لسان شقيقه- في ذراعي برصاص خرطوش وتم نقلى لنفس المستشفى حيث حصلت على مسكنات للألم وحقنة لوقف نزيف الدماء، لكن لم أعلم أن جثة أخي تم نقلها لنفس المستشفى، وعندما عدت مساءً للبيت وجدت تجمهرا كبيرا وقرآنا يتلى، فقابلني صديق وقال لي "البقاء لله مصطفى استشهد". إنهم يقتلون الموتى وحسب تقرير الطب الشرعي فالشهيد مصطفى الصاوى أصيب بشظايا حية أصابت الرقبة وأدت للوفاة، وقد صرحت نيابة قصر النيل بدفنه ظهر السبت 29 يناير حيث تم تشييعه في جنازة مهيبة انطلقت من العجوزة مرورا بالمهندسين وميدان التحرير حتى مقابر السيدة عائشة، سيرا على الأقدام وسط حضور أكثر من 20 ألفا من المواطنين، وقد طاردتها رصاصات بقايا قوات وزارة الداخلية دون احترام لقدسية الجنازة وأوقعت عددا من الجرحى فى صفوف المشيعين، لكن علت فيها هتافات التكبير وزغاريد النساء ابتهاجا بالشهيد، وانهالت التهاني على والدي باستشهاد ابنه، وقد أطقلوا اسمه على شارع ومسجد بالعجوزة، وله عدة صفحات على الإنترنت تحمل اسمه. نشعر - والكلام على لسان إيهاب الصاوى- أن دماء "مصطفى" وغيره من شهداء الثورة لم تذهب هدرا، وأننا قدمنا شيئا لمصر عندما سمعنا خطاب عمر سليمان بتنحى الرئيس مبارك، لكن هذا لا يعني تنازلنا عن حقنا فى محاكمة من أصدر أوامر القتل ومن نفذها، وقد تقدمت ببلاغ للنائب العام، وسأكمل وأسرتي طريق "مصطفى" حتى تتم معاقبة المجرمين ورحيل بقايا النظام والحصول على حريتنا وكرامتنا كاملة. مصطفى بحسب شهادات أقرانه وجيرانه كان خجولا قليل الكلام، مبتسما، لا تراه إلا مصليا، قارئا للقرآن، بارا بوالديه، مجتهدا في عمله، مرتبطا بالأطفال ممن يحفظهم كتاب الله، يدعو للحرية والعدالة ومواجهة الظلم كناشط إلكتروني على موقع الفيس بوك، يقول دوما مداعبا أسرته وإخوانه "مش هتجوز من هنا"، فلم يتفهم أحد معنى كلمته إلا بعد استشهاده.