قال الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو- : " من الضروري أن نبيّن حقائق الإسلام للنّاس، خصوصًا هنا في أوروبا، التي تنتشر فيها أفكار ومعلومات غير صحيحة ومشوهة عن الإسلام دين الوسطية والاعتدال والتسامح، في هذا الوقت الذي تتصاعد فيه موجات الكراهية والعداوة والإساءة إلى الإسلام والنيل من عقائده ورموزه والازدراء به ووصمه بأشنع النعوت وأسوأ الأوصاف، والعمل على بث الخوف منه ومن المسلمين كافة، وكيل الاتهامات لهم بأنهم إرهابيون أو على الأقل (مشاريع إرهابيين)، وتقديم هذا الدين الحنيف للرأي العام الغربي، باعتباره خطرًا يهدد المجتمعات الأوروبية والأمريكية، بل يهدد الحضارة الغربية، كما يزعم الذين ينخرطون في عملية تزوير الحقائق وتزييف التاريخ وتشويه صورة الإسلام، سواء بواسطة وسائل الإعلام ووسائط الاتصال، أو من خلال مراكز البحوث والدراسات والأقسام المتخصصة في بعض الجامعات". جاء ذلك في كلمة ألقاها في ندوة ثقافية حول (الإسلام دين الوسطية : نموذج تجربة تكوين الأئمة والباحثين في شؤون الإسلام) افتتحت اليوم في جامعة ستراسبورغ الفرنسية، وقال فيها : " في هذه المرحلة الدقيقة التي يجتازها العالم، تتضاعف مسؤولية الذين يتصدون لنشر ثقافة العدل والسلام والتسامح والإخاء الإنساني، ويسعون في الأرض لإشاعة قيم الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، فهؤلاء هم الطليعة الخيّرة التي تعمل من أجل تجديد بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة، والإسهام في صناعة المستقبل الآمن المستقر للبشرية". مشيرًا إلى أن للإيسيسكو في هذا المجال دورًا تنهض به ورسالة تؤديها وواجبًا تقوم به للتعريف برؤية الحضارة الإسلامية، ولتوضيح حقائق الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولدحض الأباطيل التي تروج عنه بالمنهج العلمي، ولتعزيز جهود المجتمع الدولي في هذه المجالات الحيوية. وأكد التويجري في افتتاح الندوة التي تعقد بالتعاون بين الإيسيسكو ومرصد الدراسات الجيوسياسية وجامعة ستراسبورغ، أن الرسالة الإسلامية رسالة تنويرية، تقوم على السلام في العقول والضمائر، والسلام بين البشر، والسلام في الأرض، فهي رسالة المحبة الإنسانية، ورسالة الوسطية في كل شأن من شؤون الحياة، موضحًا أن الوسطية الإسلامية هي خاصية من خصائص هذا الدين الحنيف. وأوضح بهذا الخصوص أن الآية الثالثة والأربعين بعد المائة من سورة البقرة، تبين لنا مفهوم هذه الوسطية. يقول تعالى : "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس"، وأن الشهادة على الناس في هذا السياق القرآني، واجب ديني ومسؤولية أخلاقية ورسالة إيمانية، ولا تكون الشهادة على الناس أجمعين، إلا بالصلاح والاستقامة في الذات، والتعامل مع الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، اللذين هما لبُّ الوسطية وجوهر الاعتدال. وأشار التويجري إلى أن المفسرين قد أجمعوا أن كلمة (الوسط) في هذه الآية الكريمة، هي (العدل)، وأورد ما رواه الطبري بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا"، قال : (عدولا ً)، وذكر أن بعض العلماء يرون أن الله تعالى إنما وصف المسلمين بأنهم وسط، لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلوّ، ولا هم أهل تقصير فيه، ولكنهم أهل توسط واعتدال، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها. وقال إن القرآن الكريم حث المسلمين على أن يكونوا عدولا ً ومعتدلين في اعتقادهم وسائر تصرفاتهم، من تعامل وإنفاق ومأكل ومشرب، لأن الاعتدال والعدالة هما قوام الوسطية التي هي نقيض التطرف مهما يكن نوعه، وأن الوسطية هي ثمرة الاستقامة. يقول تعالى في سورة هود الآية 112 : "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا"، ويقول تعالى في سورة الأنعام الآية 153 : "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله". وأكد أن المسلمين وسط ٌ في إيمانهم بالأنبياء عليهم السلام، لم يغلوا فيهم ولم يجفوا. وذكر أن من أجمل ما قيل في معنى الوسطية، هو ما ذكره الإمام التابعيُّ الجليل وهب بن منبّه : "إن لكل شيء طرفين ووسطًا، فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك الوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالوسط من الأشياء". وأشار التويجري إلى أن الإيسيسكو تعمل من هذا المنطلق الإيماني على إشاعة ثقافة الوسطية والاعتدال، من خلال تدريس التربية الإسلامية ونشر الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية، وتطوير المنظومة التربوية في الدول الأعضاء. وذكر أن المنظمة تُولي موضوع تكوين الأئمة خارج العالم الإسلامي عناية خاصة، لما يقوم به الأئمة من وظائف مهمة في حياة المسلمين في كل مكان وزمان. كما أشار إلى أن الإيسيسكو وضعت برنامجًا خاصًا بتكوين الأئمة أطلقته خلال انعقاد الاجتماع التاسع للمجلس الأعلى للتربية والثقافة للمسلمين خارج العالم الإسلامي، الذي عقد في موسكو خلال شهر يونيو 2008. كما قدمت الإيسيسكو هذا البرنامج إلى الاجتماع السابع لرؤساء المراكز الثقافية والجمعيات الإسلامية في أمريكا اللاتينية والكاريبي المنعقد في جزيرة مرغريتا بجمهورية فنزويلا خلال شهر يونيو 2008. واختتم المدير العام للإيسيسكو كلمته في افتتاح الندوة الثقافية في جامعة ستراسبورغ بالتأكيد على أن : " هذا هو مفهوم الإسلام للوسطية، وهذه هي دعوته للسلام والإخاء والتعايش بين البشر. فلنعمل جميعًا بقلوب مفتوحة وعقول مستنيرة وإرادات صادقة، لمواجهة حملات التشويه والتضليل والكراهية، ولبناء جسور المحبة والاحترام المتبادل والمسارعة في الخيرات".