كتبت نعمة عز الدين: خطة لاستضافة رحلات للأطفال بالمكتبة لغرس المفاهيم الصحيحة «الفقى» يؤكد قدرة مصر على مراجعة الأفكار الظلامية والمنحرفة تعود مكتبة الإسكندرية بقوة للتأكيد على ان البداية الحقيقية للقضاء على الإرهاب الفكرى والتطرف الدينى فى مجتمعاتنا العربية، تأتى عبر العقول الصغيرة وأجيال الأمة العربية القادمة والتى لم تلوثها بعد الأفكار الظلامية والتطرف بكافة مستوياته الدينية والسياسية والثقافية، وذلك عبر مؤتمرها الرابع لمواجهة التطرف والذى انتهت فعالياته أول أمس، وجاء تحت عنوان: «الفن والأدب فى مواجهة التطرف»، بحضور أكثر من أربعمائة مثقف وباحث وأكاديمى وإعلامى على مدار ثلاثة أيام. وجاءت كلمات الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية، لتؤكد هذا المعنى فى ختام المؤتمر وتوصياته حيث يقول: إن علينا واجبا تجاه أطفالنا من سن عشر سنوات إلى ست عشرة سنة، لذلك قررنا أن نستضيف الأطفال من شتى محافظات الجمهورية وعلى نفقتنا من خلال رحلات، لتوعيتهم وتدريبهم، وكى يروا ما لدينا من فنون وثقافة، مشيرًا إلى أن مواجهة التطرف يجب أن تبدأ من العقول الصغيرة بضمير وطنى وفهم صحيح للإسلام. وأضاف أن الحديث عن تجديد الفكر الدينى بدأ منذ سنوات ولكن العائد من ذلك محدود من كل الجهات، على الرغم من التطور الواضح فى خطب الجمعة وأصبح لا يعتلى المنبر إلا الخطيب المؤهل لذلك. وأشار إلى وجود فهم خاطئ للإسلام، فلا توجد أمة ظلمت تاريخيًا مثلما ظلم الإسلام والمسلمون وهذه الفكرة تنسحب أيضًا على الديانات الأخرى التى تعيش فى هذه البقعة من العالم. وأوضح أن أجهزة الإعلام الغربية لا تذكر تنظيم داعش الإرهابى باسمه ولكنها تقول تنظيم الدولة الإسلامية، ما يؤثر بشكل سلبى كبير على صورة الإسلام. وأكد أن مهمة مكتبة الإسكندرية هى مهمة أخلاقة وطنية وسياسية ودينية، مبينًا أنها فى مرحلة الانتشار فى الداخل والخارج سواء فى محافظات مصر المختلفة أو فى المحيط العربى ومنطقة شرق آسيا. وقال إننا نحتاج إلى النزول إلى الشارع وجذب المواطنين، لافتًا إلى توصيات رئاسة الجمهورية التى أكدت ضرورة النزول إلى الناس فى المحافظات المختلفة لمنع حشو الأفكار المغلوطة فى عقول الأطفال. وتطرق الفقى فى حديثه إلى اعتزام مكتبة الإسكندرية إنشاء متحف للأديان فى قصر الأميرة خديجة بمنطقة حلوان بمحافظة القاهرة وسيضم المتحف تراثا لكافة الديانات، مؤكدًا أن الهدف منه هو إعادة دور مصر إلى الذاكرة الإنسانية فى التسامح وتقبل الآخر على اختلافهم وأننا سنبذل أقصى جهد فى هذا الاتجاه. وأكد الفقى، أهمية الفن والأدب، لكونهما أدوات خطيرة ولغة عالمية ليست متوقفة على جنس أو دين أو لغة، فالموسيقى لغة عالمية وليست مقصورة على جنس معين، مشددًا على قدرة القوة الناعمة فى مصر على مراجعة الأفكار الظلامية والمنحرفة، فمصر ليست بلد عناد أو تشنج، بل تحتوى كل البلاد والإسلام دين ينطق بالتسامح فى كل حروفه، متابعًا: «لا أدرى كيف يتم هذا الانتقاء الظالم لبعض الفترات التاريخية وآراء فقهية والدفع بها كما لو كانت هى الإسلام». وأشار إلى ضرورة تعديل النظام التعليمى، قائلا: «إذا ظل النظام التعليمى على ما هو عليه، فإننا كالنافخ فى قرب مقطوعة، ولم يتراجع دور مصر الخارجى إلا عندما تراجع دور التعليم»، لافتًا إلى أهمية دور التنمية أيضًا فى مواجهة التطرف. وفيما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى تابع الفقى بقوله: «إن كلمة تجديد الخطاب الدينى عبارة ناقصة، حيث يجب أن نغير الفكر العقلى كله ولا يمكن أن نغير الفكر الدينى بمفرده فعلاقته بباقى الأفكار كالأوانى المستطرقة». ولقد شهد المؤتمر السنوى الرابع لمواجهة التطرف الذى نظمته مكتبة الإسكندرية فى الفترة من الثامن والعشرين إلى الثلاثين من يناير 2018 مجموعة من الجلسات المتوازية التى ناقشت دور الأدب والمؤسسات الثقافية فى مجابهة التطرف. ومن تلك الجلسات الهامة جلسة بعنوان: «الثقافة والتقدم فى العالم العربى»، التى أدارها الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، وتحدث فيها كل من يوسف شقرة، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين، والمفكر والأديب العراقى نجم والى، والدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمفكر المغربى عبد السلام الطويل، والدكتورة دانيال الحويك المحامية اللبنانية والناشطة الحقوقية. وقد استهل يوسف شقرة حديثه بأن الإعداد للثقافة يجب أن يبدأ من تكوين النشء وتربيته على مكارم الأخلاق، فهذه المرتكزات هى الأساس فى بناء الثقافة والمنطلق لبناء الدولة ككل، فإذا عدنا إلى العصر العباسى على سبيل المثال لوجدنا الاهتمام بالتربية والثقافة، حيث كان الإنتاج الفكرى يوزن بالذهب، وهذا بالطبع أعطانا أمة راسخة ثقافيًا. وأضاف شقرة أن الجدلية بين الثقافة والتقدم تشير إلى أن كلًا منهما يصنع الآخر ويكمله، خاصة فى المجتمعات المتقدمة التى تنطلق من تكوين النشء وتربيته على اكتساب مقومات الأصالة والثقافة لبناء المجتمع. وأشار الدكتور نجم والى إلى ثلاثة أنواع من الثقافة وهى ثقافة الغنيمة وثقافة الكذب وثقافة العنف، حيث تأتى ثقافة الغنيمة من عدم إخلاص المثقفين لأنفسهم وتلونهم الدائم مع الأنظمة السياسية المختلفة، أما ثقافة الكذب فتأتى من ازدواجية المثقفين تجاه قضايا معينة مثل المجتمعات الذكورية التى تدافع عن حقوق المرأة وهى لا تفعل على أرض الواقع، بينما تنبع ثقافة العنف من استخدام بعض الأنظمة السياسية لنفس لغة الإرهاب عند معالجة قضايا التطرف. وتحدثت الدكتورة نيفين مسعد عن الإرادة السياسية وعلاقة التأثير المتبادل بين الثقافة والتقدم من خلال المشروعات التنويرية عبر التاريخ المصرى الطويل والتى كان لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فمحمد على باشا هو مؤسس الدولة الحديثة وكان شديد الاهتمام بإيفاد المصريين للخارج لتعلم الحرف والصناعات وإعادتها للداخل، وكذلك الاهتمام بحركة الترجمة والانفتاح على الثقافات الخارجية، ما أدى إلى الاهتمام بالمنتج الثقافى. من جانبه، أكد الدكتور عبد السلام الطويل فرضيتين أساسيتين، الأولى هى أن العنف والتطرف والإرهاب والتشرد هى نتيجة مباشرة لفشل مشروع الثقافة، والثانية أن مظاهر العنف والتطرف هى نتيجة لفشل مشروعات الإصلاح والتجديد على مدار عقود ما بعد الاستقلال، فمشروعات الإصلاح والتجديد هى التى شكلت مسار الحداثة الأصلى الذى يقوم على السياسة التاريخية لتحرر الإنسان بحيث يكون مسئولًا وفاعلًا فى تاريخه. واختتمت الجلسة بكلمة الدكتورة دانيال الحويك التى تحدثت عن معوقات تقدم المرأة فى العالم العربى، والتى أشارت إلى التقدم الخجول فى الفترة الأخيرة للمرأة فى لبنان فى مجالات السياسة والقضاء والصحافة والطب وغيرها، كما تراجعت نسبة أمية الفتيات خاصة فى المرحلة الابتدائية، ولكنها ترى أن هذا التقدم منقوص فهناك معوقات لوضع المرأة أهمها غياب المواطنة والمساواة بين الإناث والرجال، بالإضافة إلى الموروث الثقافى التاريخى الذى يعمل على اخضاع النساء والسيطرة عليهن ووضعهن فى موضع التابع للرجل، وبالتالى تنعدم الاستفادة من طاقات النساء. وأكدت فى نهاية كلمتها أن تقدم المجتمعات لا يأتى إلا بمنح المرأة حقوقها كاملة كشريك أساسى وفعّال فى المجتمع. كما عُقدت جلسة بعنوان: «الأدب فى مواجهة التطرف» أدارها الإعلامى محمود الوروارى، وشارك فيها سيد محمود، صحفى وكاتب مصرى، وإنعام كجه جي، كاتبة صحفية وروائية عراقية، ومبارك السالمين، رئيس اتحاد أدباء وكتاب اليمن. وقال الإعلامى محمود الوروارى إن المعالجة الأمنية للإرهاب تقع على عاتق الحكومات والأنظمة، ولكن الأدباء والمفكرين يمتلكون سلاحا يتساوى فى القوة لتفكيك الإرهاب والتطرف من المنبع، مشيرًا إلى أن الأدب ابن بيئته فإذا كان الواقع فى حالة ارتباك فكرى ينتج عنه ظهور الإرهابيين، فإن الأدب سيحمل أوجاع واقعه. وقالت إنعام كجه جي، إنه فى أغلب الأحاديث عن مواجهة الإرهاب والتطرف تطرح الحلول العسكرية وسط تغافل دور الأدب، على الرغم من كونها حربا ضد الظلام والعتمة وتحتاج إلى مواجهة عقلية وفكرية وليس السلاح. وأوضحت أنها بدأت فى الكتابة الروائية عقب سنوات من الكتابة الصحفية وهى تحمل آمال إنقاذ العراق ممن قاموا بتشويهه دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا، مضيفة أنها نشأت فى بلاد الرافدين ولم يكن يطرح أحد تساؤلات حول انتمائها الدينى، ولكن بعد أن أصبحت لاجئة البعض صار يتساءل عن مذهبها وليس الانتماء فقط. وقال سيد محمود، صحفى وكاتب مصرى: إنه عقب ثورة 25 يناير نتج أدب مهم يجب أن يتم الإنصات إليه. وعرض محمود الأعمال الأدبية التى رصدت بشكل عام ظاهرة الإرهاب، والتى كان أولها نص الأفيال لفتحى غانم، وعقب ذلك ظهر العديد من التجارب من بينها رواية «اقتلها» ليوسف إدريس، عام 1981، وفى التسعينيات تحولت المواجهة مع الإرهاب إلى الإعلام وشاشة التلفاز.