اعتبر الكاتب الأمريكي توم مالينويسكي أن الحكومات الغربية لا تفتقد القدرة على مراقبة الأموال المشبوهة للحكام المستبدين، وإنما تتلكأ في استخدامها، عندما تتعرض مصالحها وعلاقاتها الدبلوماسية للخطر. وقال في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في عددها الصادر اليوم السبت إن أجهزة الرقابة المالية في أوروبا وأمريكا لم تتبع أرصدة مبارك التي حصل عليها بطرق مشبوهة، بينما كان لا يزال في الحكم، لأن ذلك كان سيعرضه للتهديد ويزعزع الأساس الديكتاتوري الذي يقوم عليه حكمه، مما كان سيفقد الحكومات الغربية صداقته التي كانت تعتبرها ثمينة. وأوضح أنه بعد أربعة أيام من الإطاحة ببن علي، أمرت الحكومة السويسرية البنوك لديها بتجميد أرصدته المشبوهة، وبعد أيام قليلة، فعل الاتحاد الأوروبي نفس الشئ، وهو ما حدث مع مبارك عقب تنحيه عن السلطة. وأضاف أن هذا الأمر يثير تساؤلاً مهماً: "إذا كان بن علي ومبارك قد راكما ثرواتهما بالفعل عن طريق الفساد ووضعاها في بنوك خارجية، فلماذا انتظرت سويسرا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة طوال هذه الفترة حتى تمت الإطاحة بهما قبل أن تجمد أرصدتهما؟" وتساءل: "أليس من الواجب على الحكومات الملتزمة بتبني الديمقراطية والشفافية أن تحاول تحديد والتعرف على الأموال القذرة لدى الحكام المستبدين وتجميدها أثناء توليهم الحكم، مما قد يكون من شأنه تغيير سلوكهم؟ أم أن تجميد الأرصدة هو مجرد ضريبة مغادرة يدفعها الحكام المستبدون عندما يخرجون من الباب؟" فمبارك وبن علي ليسا حالتين منفصلتين. فحكام البلدان الشرق أوسطية التي اندلعت فيها المظاهرات –مثل عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وعلى عبد الله صالح في اليمن، على سبيل المثال- قد تعرضوا لاتهامات باستغلال مواقعهم لتحقيق ثروات طائلة لأنفسهم ولأسرهم بطرق غير عادلة وغير مشروعة. ففي البلدان السلطوية، لا يعد الفساد ناتجاً ثانوياً عارضاً للقهر السياسي، لكنه قاعدة مركزية مبدأية. وقدرة الحكام المستبدين على تحويل السلطة السياسية إلى ثروة تمنحهم دافعا للتشبث بالسلطة وبالوسائل التي تؤدي إليها. وهم يستخدمون تلك الثروات ليس لشراء الرفاهية فقط، وإنما الأمن أيضاً، بالقدرة على شراء الخصوم والحفاظ على ولاء الجيش والشرطة والنخبة الرأسمالية. ويعد الإشمئزاز من قيام الأسر الحاكمة بشراء اليخوت والفيللات والحيوانات الغريبة بأموال مسروقة بينما تعاني اقتصادات بلادهم من الركود- يعد أحد الأسباب الرئيسية لكراهية الناس العاديين في تلك البلدان لحكامهم. ويميل الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون إلى القول إنهم يفتقدون القدرة على الضغط من أجل احترام حقوق الإنسان وتطبيق إصلاحات ديمقراطية في النظم الديكتاتورية. لكن الفساد المتفشي الذي ساعد على إبقاء الحكم السلطوي في تونس ومصر، والذي مازال مستمراً في العديد من البلدان الأخرى، لن يكون ممكناً بدون تعاون البنوك الخاضعة لإشراف، أو المعتمدة على التعاون مع، السلطات الأمريكية أو الأوروبية. إنه قانون حديدي للعلاقات الدولية، وهو أن السياسات المصممة للترويج للديمقراطية والمحاسبية في البلدان السلطوية لا يمكن أن تكون فورية ومقبولة في الوقت نفسه. واقترح مالينويسكي إنشاء إطار قانوني لمكافحة فساد المسئولين الكبار، بحيث يعمل بصورة آلية، بغض النظر عما إذا كانت هناك إرادة سياسية لإحراج ديكتاتور بعينه. ويلزم هذا الإطار البنوك والأجهزة المنظمة بالاستفسار عن الأرصدة المشتبهة الكبيرة من قبل موظفين عامين لديهم سلطات لتجميدها، حتى إذا لم تطلب حكومات أولئك المسئولين القيام بهذا الأمر.