للإخلاص علامات لا يجهلها السالكون إلى الله عز وجل، ومن تلك العلامات الحياء من الله عز وجل، إذ علَّمَك وفَهَّمك وأجلسك مجالس الرحمة، أن ترجو غيره، أو تلتمس رضوان أحد سواه، فاجعل تعلّمك خالصاً لله، ليس فيه لأحد سواه حظ ولا نصيب. فأساس النجاح والظفر بالمطلوب في الدنيا والآخرة هو الإخلاص لله، فهو للعمل بمنزلة الأساس للبنيان، وبمنزلة الروح للجسد، وكما أنه لا يستقر البناء ولا يتمكّن من الانتفاع منه إلا بتقوية أساسه وتعاهده من أن يعتريه خلل فكذلك العمل بدون الإخلاص، وكما أن حياة البدن بالروح فحياة العمل وتحصيل ثمراته بمصاحبته وملازمته للإخلاص، وقد أوضح ذلك ربنا في كتابه العزيز فقال: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. ولما كانت أعمال الكفار التي عملوها عارية من توحيد الله وإخلاص العمل له سبحانه جعل وجودها كعدمها فقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}. فالإخلاص أحد الركنين العظيمين اللذين انبنى عليهما دين الإسلام، وهما إخلاص العمل لله وحده وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، قال: "أخلصه وأصوبه"، قيل: "يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص: ما كان لله، والصواب: ما كان على السنة". وقد قال شارح الطحاوية: "توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما؛ توحيد المرسل سبحانه وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما يوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل". ومحل الإخلاص القلب، فهو حصنه الذي يقطن فيه، فمتى كان صالحا عامرا بسكناه وحده تبع ذلك صلاح الجوارح، ومتى كان خربا سكن فيه الرياء، وليس أدل على ذلك وأوضح بيانا من قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلَحَت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وبيَّن تبعية الجوارح لما يقوم بالقلب بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". نقلا عن صحيفة الشروق